تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[نشش]:

صفحة 207 - الجزء 9

  الدّلِيلِ، ومَنْ حَفِظَ حُجَّةً على غَيْرِهِ، وكَوْنُ الرَّاءِ والنُّونِ لا يَجْتَمِعَانِ في كَلِمَةٍ قَدْ سَبَق أَنَّه أَكْثَرِيُّ، ومَرَّ النَّرْسُ والنّرْجِسُ والنَّرْز والنّرسيان، وغَيْر ذلِك، فبَعْدَ أَنْ ثَبَتَ فَرْدٌ وسَلَّمَهُ يَصِحُّ إِثباتُ غَيْرِه، ولا مانِعَ سِيَّمَا مَعَ نَقْلِ الثِّقَةِ. انْتَهَى.

  قُلْتُ: وهذا الَّذِي نَقَلَه ابنُ دُرَيْد قد قَالَ فِيه - بعدَ حِكَايةِ القَوْلِ - ولا أَحُقّه، فهُوَ مُتَوَقِّفٌ في صِحّةِ ورُودِ هذِه الكَلِمَةِ، وسَبَقَ أَنَّه لَيْس من عِنْدِيّاتِ المُصَنّف، بل سَبَقَه إِلَى ذلِكَ الصّاغَانِيُّ وصاحِبُ اللّسَانِ، وما ذَكَرَهُ من إِثْبَاتِ كَلِمَاتٍ فِيهَا راءٌ قَبْلَهَا نُونٌ فإِنَّ أَكثرَهَا أَعْجَمِيَّةٌ، أَو مُعَرّبةٌ، أَوْ لَمْ يَثْبُتْ، كما قَدّمنا الكَلامَ عَلَيْه عِنْدَ ذِكْرِها، فكَلامُ شَيْخِنَا هُنَا لا يَخْلُو مِنْ تَعَصُّبٍ فارغٍ، وغَفْلَةٍ عن النُّصوصِ، فتأَمّلْ.

  [نشش]: النَّشُّ: السّوْقُ الرَّفِيقُ، عن ابنِ الأَعرابِيّ، وهو بالسِّينِ: السَّوْقُ الشَّدِيدُ، و في حَدِيثِ عُمَرَ، ¥: «أَنّه كانَ يَنُشُّ الناسَ بَعْدَ العِشَاءِ بالدِّرَّةِ» أَيْ يَسُوقُهُم إِلَى بُيُوتِهِم، قالَ شَمِرٌ: صَحَّ الشِّينُ عَنْ شُعْبَةَ في حَدِيثِ عُمَرَ، وما أُراه إِلاَّ صَحِيحاً، وكانَ أَبو عُبَيْدٍ يَقُولُ: إِنَّمَا هو يَنُسُّ، أَو يَنُوشُ.

  والنَّشُّ: الخَلْطُ، عن ابنِ الأَعْرَابِيّ، ومِنْهُ زَعْفَرَانٌ مَنْشُوشٌ.

  والنَّشُّ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، وهو عِشْرُونَ دِرْهِماً، لِأَنَّهُم يُسَمّون الأَرْبَعِينَ دِرْهَماً أُوقِيَّة، ويُسَمُّون العِشْرِين نَشًّا، ويُسَمُّون الخَمْسَةَ نَوَاةً، قالَهُ الجَوْهَرِيُّ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «أَنّ النبيّ لَمْ يُصْدِقِ امْرَأَةً من نِسائِه أَكْثَرَ من ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقيّةً يكون⁣(⁣١) المَجْمُوعُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، عَلَى ما ذَهَبَ إِلَيْهِ الجوْهَرِيُّ. وقِيلَ: النَّشُّ: وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وقِيلَ: وَزْنُ خمْسَةِ دَرَاهِمَ، وقِيلَ: هو رُبْعُ أُوقِيّةٍ.

  في⁣(⁣٢) كَلامِ الإِمَامِ الشّافِعِيِّ، رَضِيَ الله تَعَالَى عنه: والأَدْهَانُ دُهْنَانِ: دُهْنٌ مَنْشُوشٌ⁣(⁣٣)، ودُهْنٌ لَيْسَ بطِيِّبٍ مِثْل سَلِيخَةِ⁣(⁣٤) البانِ غَيْر مَنْشُوشٍ، قالَ الأَزْهَريُّ: أَيْ مُرَبَّبٌ بالطِّيبِ المَخْلُوطِ، و في حَدِيثِ الزُّهْرِيّ «أَنّه كَرِهَ للمُتَوفَّى عَنْهَا [زوجها]⁣(⁣٥) الدّهْنَ الَّذِي يُنَشُّ بالرِّيْحَانِ» أَيْ يُطَبَّ بأَنْ يُغْلَى في القِدْرِ مَعَ الرَّيْحَانِ حَتَّى يَنِشَّ.

  ونَشَّ الغَدِيرُ يَنِشُّ نَشًّا، ونَشِيشاً: أَخَذَ ماؤُه في النُّضُوبِ، وقال يُونُسُ: سَأَلْتُ بعضَ العَرَبِ عَنِ السَّبَخَةِ النَّشّاشَةِ، فوَصَفَها لِي، ثُمَّ ظَنَّ أَنّي لَمْ أَفْهَم، فَقَالَ: هِيَ الَّتِي يَبِسَ ماؤُهَا ونَضَب.

  وسَبَخَةٌ نَشّاشَةٌ، بالتَّشْدِيد، كما هُوَ رِوَايَةُ الجَوْهَرِيّ، وبالتّخْفِيفِ، كما رَواه الأَزْهَرِيُّ أَيْضاً⁣(⁣٦)، قالَهُ الجَوْهَرِيّ: لا يَجِفُّ ثَرَاهَا، ولا يَنْبُتُ مَرْعاهَا ومِنْهُ حَدِيثُ الأَحْنَفِ: «نَزَلْنَا سَبَخَةً نَشّاشَةً» يَعْنِي البَصْرَةَ، أَي نَزّازَةً تَنِزُّ بالماءِ؛ لأَنّ السَّبَخَةَ يَنِزُّ ماؤُها فيَنِشُّ ويَعُودُ مِلْحاً.

  والنَّشِيشُ والنَّشُّ: صَوْتُ الماءِ وغَيْرِهِ، كالخَمْرِ واللَّحْمِ، إِذا غَلَى، و في حَدِيثِ النَّبِيذِ: «إِذا نَشَّ فَلَا تَشْرَبْ» أَي إِذَا غَلَى، والخَمْرُ تَنِشُّ عِنُدَ الغَلَيَانِ وقِيلَ: النَّشِيشُ: أَخْذُ أَوَّلِ العَصِيرِ في الغَلَيَان. وكَذلِكَ النَّشُّ والنَّشِيشُ: صَوْتُ الماءِ عِنْدَ الصَّبِّ.

  وكَذلِكَ كُلُّ ما سُمِعَ لَهُ كَتِيتٌ.

  والنَّشّاشُ، ككَتّانٍ: وَادٍ لبَنِي نُمَيْرٍ كَثِيرُ الحَمْضِ، كَانَتْ بهِ وَقْعَةٌ بَيْنَ بَنِي عامِرٍ، وبَيْنَ أَهْلِ اليَمَامَةِ، وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ:

  بأَوْدِيَةِ النَّشّاشِ حَيْثُ تَتَابَعَتْ ... رِهَامُ الحَيَا واعْتَمّ بالزَّهَرِ البَقْلُ⁣(⁣٧)

  قُلْتُ: وأَنْشَدَ ياقُوت لِلْقُحَيْفِ العُقَيْلِيّ:

  ترَكْنَا عَلَى النَّشّاشِ بَكْرَ بْنَ وَائِلٍ ... وقَدْ نَهِلَتْ مَنَّا السُّيُوفُ وعَلَّتِ⁣(⁣٨)


(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: يكون المجموع الخ في عبارة الشارح سقط، والذي في اللسان: أكثر من ثنتي عشرة أوقية ونشّ. الأوقية أربعون، والنش: عشرون فيكون الجميع الخ».

(٢) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: في كلام الشافعي، هو ابتداء كلام مرتبط بقوله: والادهان الخ كما يدل لذلك عبارة اللسان» وعبارة التهذيب أيضاً.

(٣) في التهذيب: دهن طيب مثل البان المنشوش بالطيب.

(٤) السليخة: ما اعتصر من ثمر البان ولم يربّب بالطيب.

(٥) زيادة عن النهاية.

(٦) ضبطت بالقلم في التهذيب بالتشديد.

(٧) البيت في اللسان شاهداً على «النشناش» وفيه: بأودية النشناش ...

(٨) في معجم البلدان «منها» بدل «منا».