تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

«فصل الفاء»

صفحة 297 - الجزء 2

  والغَيْبَةُ من الغَيْبُوبَة، والغِيبَةُ من الاغْتِيَاب. يقال: اغتاب الرجُل صاحِبَه اغْتِيَاباً، إِذَا وَقَعَ فيه: وهو أَن يَتَكَلَّم خَلْف إِنْسَان مَسْتُورٍ بِسُوءٍ، أَوْ بِمَا يَغُمُّه، [لو سمعه] وإِن كَان فِيهِ، فإِن كان صِدْقاً فهو غِيبَةٌ، وإِنْ كَانَ كَذِباً فهو البَهْتُ والبُهْتَانُ، كذلك جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ ، والاسم الغِيبَة؛ ولا يكونُ ذلِكَ إِلّا مِنْ وَرَائِه، وفي التَّنْزِيلِ العَزِيز: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}⁣(⁣١) أَي لا يتَنَاولْ رَجُلاً بظَهْرِ الغَيْب بما يَسُوءُه مِمَّا هُوَ فِيه، وإِذَا تَنَاوَلَه بِمَا ليس فيه فهو بَهْتٌ وبُهْتَانٌ، وعن ابْنِ الأَعْرَابِيِّ: غَابَ، إِذَا اغْتَابَ، وغَابَ، إِذَا ذَكَر إِنْسَاناً بخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ والغِيبَةُ فِعْلة مِنْه أَي من الاغْتِيَاب، كمَا أَسْلفْنا بَيَانَه تكُونَ حَسَنَةً أَو قَبِيحَةً، وأَطْلَقَه عن الضَّبْطِ لشُهْرَتِه.

  وامرَأَةٌ مُغِيبٌ⁣(⁣٢)، ومُغِيبَةٌ: غَابَ عنها بَعْلُها أَو وَاحِدٌ من أَهْلِها. الأُولَى عن اللِّحْيَانيّ. ويقال: هي مُغِيبة، بالهاء ومُشْهِدٌ، بلا هَاءٍ، نَقَلَه ابنُ دُرَيْد. وأَغابَتِ المَرْأَة فهي مُغِيبٌ كمُحْسِن أَي بالإِعْلَال، وَهذِه عن ابْنِ دُرَيْد، غَابُوا عَنْهَا. وفي الحَدِيثِ «أَمْهِلُوا حَتَّى تَمْتَشِط الشَّعِثَةُ وتَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ» هي التي غَابَ عَنْها زَوْجُهَا. وفي حَدِيث ابْنِ عَبَّاس «أَنَّ امرأَة مُغِيباً أَتت رَجُلاً تَشْتَرِي منه شَيْئاً، فتعرَّض لَهَا، فقالَت له: ويْحَك إِنِّي مُغِيبٌ. فتَرَكها» وقَوْلُهُم: وهم يَشْهَدُون أَحْياناً وَيَتَغَايَبُون أَحْيَاناً، أَي يَغِيبُون أَحْيَاناً، ولا يقال: يَتَغَيَّبُون. ويقال: تَغَيَّب عَنِّي فُلَانٌ، ولَا يَجُوزُ، أَي عِنْد الجَمْهُور عَدَا الكُوفِيِّين، تَغَيَّبنِي، إِلَّا في ضَرُورَةٍ شِعْرٍ قال امرؤُ القَيْس:

  فَظلَّ لَنَا يومٌ لَذِيذٌ بنَعْمَةٍ ... فَقِلْ في مَقِيلٍ نَحْسُه مُتَغيِّبِ⁣(⁣٣)

  وقال الفَرَّاءُ: م المُتَغَيِّبُ مَرْفُوعٌ والشِّعْرُ مُكْفَأٌ ولا يجُوز أَن يُرَدَّ⁣(⁣٤) على المَقِيل، كما لَا يَجُوزُ: مررتُ برَجُل أَبوه قَائِمٍ⁣(⁣٥). وغَائِبُكَ: مَا غَابَ عنْكَ، اسمٌ كالْكَاهِل والجَامِلِ، أَي لَيْسَ بمُشْتَقٍّ من الغَيْبُوبَة. وأَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيّ:

  ويُخْبِرُنِي عنْ غَائِبِ المَرْءِ هَدْيُه ... كَفَى الهَدْيُ⁣(⁣٦) عَمَّا غَيَّب المرءُ مُخْبِرَا

  قال: شَيْخُنَا: ولكنْ قولُه في تَفْسِيره: ما غَاب عنْك، أَي الَّذِي غَابَ، صَرِيحِ في أَنَّه صِيغَةُ اسْمِ فَاعِل من غَابَ وإِن كَانَ يُمْكن دَعْوَى أَنَّه الأَصْل وتُنوسِيَت الوصْفِيَّةُ وصارَ اسْماً للغَائِب مُطْلَقاً، كالصَّاحِب، فَتَأَمَّل، انتهى.

  * ومِمّا بقِي على المؤلف: قولُهم: «غَيَّبَه غَيَابُهُ» أَي دُفِن في قَبْرِه، ومِنْه قَوْلُ الشَّاعِر:

  إِذَا أَنَا غَيَّبَتْنِي غَيابتي

  أَرَادَ بِهَا القبرَ لأَنَّه يُغَيِّبه عن أَعْيُن النَّاظِرُين، ومِثْلُه في مَجْمع الأَمْثَال للميْدانِي.

  وقيل الغَيابة في الأصل قَعْرُ البِئرُ، ثم نُقِلَت لِكُلِّ غَامِضٍ خَفِيّ والمُغَايبَة خلَافُ المُخَاطَبَة.

  وفِي الأَساسِ تَقُولُ: أَنَا مَعَكُم لا أُغَايِبُكم، وتَكلَّمَ به عن ظَهْرِ غَيْبٍ، وشَرِبَتِ الدَّابَّةُ حَتَّى وَارَت غُيوبَ كُلَاها، وهي هُزُومها، جَمْع غَيْب وهي الخَمْصة⁣(⁣٧) التي في موضع الكُلْيَة انتهى.

  وفي لسان العرب: في حَدِيثِ عُهْدَةِ الرَّقِيقِ «لا دَاءَ ولا خُبْثَةَ⁣(⁣٨) ولا تَغْيِيب» التَّغْيِيبُ⁣(⁣٩): أَن تبيعه ضَالَّة ولُقَطَة.

«فصل الفاء»

  قال شَيْخُنَا: هذا الفَصْل سَاقِطٌ برُمَّته من الصِّحَاح والخُلَاصَةِ وأَكْثَرِ الدَّوَاوِينِ، لأَنَّه لَيْسَ فِيه شَيْءٌ من الأَلْفَاظ العَرَبِيَّة، إِنَّما فِيهِ أَسماءُ قُرًى أَو بُلْدَان أَو أَشْجَار أَعْجَميَّة.

  قلت: ذُكَرِ في الأَسَاسِ منها فَرَّبَ، وفي المُحْكَم والنِّهَايَةِ


(١) سورة الحجرات الآية ١٢.

(٢) في اللسان: مُغِيب ومُغْيِب ومُغيِبَة.

(٣) «متغيب» عن الصحاح واللسان، وفي الأصل «متغيبي» وأشار إلى ذلك بهامش المطبوعة المصرية.

(٤) كذا في الصحاح واللسان، وفي المطبوعة الكويتية: «يَرِدَ» تصحيف.

(٥) عن اللسان، وبالأصل: «برجل قائم أبوه» وبهامش المطبوعة المصرية: «.. انظر ما المانع من صحة هذا المثال ولعله برجل أبوه قائم، بجر قائم».

(٦) الهدي عن اللسان، وبالأصل «المرء».

(٧) عن الأساس، وفي الأصل «الخصرة».

(٨) كذا بالأصل والنهاية، وضبطت فيها «خبثة بكسر أولها». وفي اللسان: خبنة بالنون.

(٩) في النهاية: التغييب: ألا يبيعه ضاله ولا لقطة.