تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[سأل]:

صفحة 323 - الجزء 14

  وما زِلْتُ أَفْعَلُهُ، كما تقُولُ: ما برِحْتُ ومُضارِعُهُ⁣(⁣١) أَزالُ وأَزيلُ.

  قالَ الأَزْهَريُّ: وقلَّما يُتَكَلَّم به إِلَّا بحرفِ النَّفْي.

  قالَ ابنُ كَيْسان: ليسَ يُرادُ بما زَالَ ولا يَزالُ الفعلُ من زَالَ يَزُولُ إِذا انْصَرَفَ من حالٍ إلى حالٍ، وزالَ عن مَكَانِه، ولكنّه يُرادُ بهما مُلازَمَةُ الشيءِ والحالُ الدّائِمَةُ، انتَهَى.

  فهي والتامَّةُ مُخْتَلِفانِ في المادَّةِ تِلْكَ مُرَكَّبَةٌ من «زول»، وهذه من «ز ي ل»، أَو النَّاقِصَةُ مُغَيَّرَةٌ من التَّامَّةِ بَنَوْها على فَعِلَ بكسرِ العَيْنِ بعدَ أَنْ كانَتْ مَفْتوحَةً، أَو هي من زالَهُ يَزيلُهُ إِذا مازَهُ.

  وقالَ الرَّاغِبُ: قَوْلُهم: ما زَالَ ولا يَزالُ أُجْرِيا مَجْرَى كانَ في رَفْعِ الاسمِ ونَصْبِ الخَبَرِ، وأَصْلُه من الياءِ لقَوْلِهم: زَيَّلْتُ أَي ما بَرِحْتُ، ولا يصح أَنْ يقالَ: ما زَالَ زَيْدٌ إِلَّا مُنْطلقاً كما يقالُ: ما كانَ زَيْدٌ إِلَّا مُنْطلقاً، وذلِكَ أَنَّ زَالَ يَقْتَضِي معْنَى النَّفْي إِذ هو ضِدُّ الثَّباتِ، وما ولا يَقْتَضِيان النَّفْي، والنَّفْيان إِذا اجْتَمَعَا اقْتَضَيَا الإِثْبات، فصارَ قَوْلُهم: ما زَالَ يَجْرِي مَجْرَى كانَ في كوْنِه إِثْباتاً، وكمالا يقال: كانَ زَيْدٌ إِلَّا مُنْطلقاً، لا يقالُ: ما زَالَ زَيْدٌ إِلَّا مُنْطلقاً. وما زِلْتُ بزَيْدٍ وما زِلْتُ وزَيْداً حتى فَعَلَ ذلِكَ زِيالاً أَي بزَيْدٍ حَكَاه سِيْبَوَيْه.

  وحَكَى بعضُهم: زِلْتُ أَفْعَلُ بمعْنَى ما زَلْتُ أَفْعَلُ، وهو قَليلٌ.

  ويقالُ: ما زِيلَ فلانٌ يَفْعَلُ وكذا، لُغَةٌ في ما زَالَ، حَكَاهُ أَبُو الخَطَّاب الأَخْفَش، وهذا كما يقالُ في كاد: كِيْدَ، ومنه قَوْلُ الهُذَليَّ:

  وكِيدَ ضِباعُ القُفِّ يأْكُلْنَ جُثَّتي ... وكِيدَ خِراشٌ يَوْمَ ذلك يَيْتَم!⁣(⁣٢)

  وقَوْلُه: عنه أَي عن الأَخْفَش، ولم يتقدَّمْ له ذِكْرٌ فهو مُسْتَدركٌ زائِدٌ فتنبَّه لذلِكَ.

  * وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه:

  المُتَزَايِلَةُ من النِّساءِ، التي تَسْتُروَجْهَها عنك.

  وزِيلَ زَوِيلُه: أَي ذَهَبَتْ حركتُه. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَي استفز من الفرق وهو من إِسْنادِ الفِعْلِ إِلى مَصْدَرِهِ، ومنه قَوْلُ ذي الرُّمَّةِ السابِقِ:

  زِيْلَ مِنَّا زَوِيْلُها⁣(⁣٣).

  أَي زِيلَ قَلْبُها من الفَزَعِ.

  قالَ ابنُ بَرِّي: ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ زِيلَ في البيتِ مَبْنيّاً للمَفْعولِ من زالَهُ الله.

  والزَّوِيلُ بمعْنَى الزَّوالِ، وأَنْ يكونَ زِيلَ لُغَة في زَالَ، ويدلُّ على صحةِ ذلِكَ أَنَّه يُرْوَى: زِيلَ مِنَّا زَوَالُها، وزَالَ مِنَّا زَوِيلُها. قالَ: فهذا يدلُّ على أَنَّ زِيلَ بمعْنَى زَالَ المَبْني للفاعِلِ دُوْنَ المبْنِي للمَفْعولِ.

فصل السين المُهْملةِ مع اللامِ

  [سأل]: سَأَلَهُ كذا وعن كذا وبكَذا بمعنًى واحِدٍ، يقالُ: سَأَلَهُ الشيءَ وعن الشيء.

  وقالَ الأَخْفَشُ: يقالُ خَرَجْنا نَسْأَلُ عن فلانٍ وبفلانٍ؛ وفي اسْتِعْمَالِه مُتَعدِّياً بنَفْسِه وبهذه الحُرُوفِ بمعنًى واحِدٍ كما هو ظاهِرُ كَلامِه، وهو الذي ذَهَبَ إِليه الأَخْفَشُ اختلافٌ.

  ففي شرْحِ خطْبةِ الشَّفاء للخَفَاجيِّ أَنَّه يَتَعدَّى بنَفْسِه وبعَنْ ومِنْ وفي، إِذا كانَ بمعْنَى الرَّجَاء لا الاسْتِعْطاف.

  وفي تعْلِيقِ الفَرَائدِ على تَسْهيلِ الفَوَائدِ للبَدْرِ الدمَامِيْني


(١) في القاموس: «مضارعُهُ» بدون واو العطف.

(٢) البيت في شرح أشعار الهذليين في شعر أبي خراش ٣/ ١٢٢٠ وروايته:

فتقعد أو ترضى مكاني خليفة ... وكاد خراشٌ يوم ذلك بيتمُ

قال أبو سعيد: وسمعت من ينشد:

وكيدت ضباع القف يأكلن جثتي ... وكيد خراش يوم ذلك ييتم

والمثبت كرواية اللسان.

(٣) تقدم في مادة «زول».