تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[حترف]:

صفحة 127 - الجزء 12

  وذُو الْجِيفَةِ: ع، بيْن الْمَدِينَةِ علَى ساكِنِها الصَّلاةُ وَالسلامُ، وبين تَبُوكَ.

  والجِيافُ، ككِتَابِ: مَاءٌ بَيْن الْبَصْرَةِ، علَى يَسَارِ طَرِيقِ الحَاجِّ منها، بينَهَا وبينَ مَكَّةَ، شَرَّفَهَا الله تعالَى، قال ابنُ الرِّقاعِ:

  إِلى ذِي الْجِيافِ ما بِه اليَوْمَ نَازِلٌ ... وَما حَلَّ مُذْ سَبْتٍ طَوِيلٍ مُهَجِّرُ

  وَقيل: هو بالحاءِ، وهو أَصَحُّ، وسيُذْكَر في مَحَلِّه إِن شاءَ الله تَعَالى.

  والجَيَّافُ. كشَدَّا. النَّبَّاشُ، وَمنه الحديثُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ دَيُّوثٌ⁣(⁣١) ولا جَيَّافٌ» وإِنَّمَا سُمِّيَ به لأَنَّه يَكْشِفُ الثِّيَابَ عن جِيَفِ المَوْتَى ويأْخُذُهَا، وقِيل: سُمِّيَ به لِنَتَنِ فِعْلِهِ، وَقال ابنُ دُرَيْدٍ: أَصلُ الياءِ في الجِيفَةِ وَاوٌ، وذكَرها في تَرْكِيبِ «ج وف».

  وجَافَتِ الْجِيفَةُ، تَجِيفُ: إذا أَنْتَنَتْ، وأَرْوَحَتْ، كجَيَّفَتْ تَجْيِيفاً، واجْتَافَتْ، وَمنه حديثُ بَدْرٍ: «أَتُكَلِّمُ أَنَاساً جَيَّفُوا؟» أي: أَنْتَنُوا.

  وقال ابنُ عَبَّادٍ: جَيَّفَهُ: إِذا ضَرَبَهُ.

  قال: وجَيَّفَ فُلانٌ في كذا، وجُيِّفَ: أي فَزَّعَ وأُفْزِعَ.

  قلتُ: وكأَنَّهُ لُغَةٌ في جُيِفَ، كعُنِيَ.

  * وممّا يُسْتَدْرَكُ عَلَيه:

  انْجَافَتِ الجِيفَةُ: أَنْتَنَتْ.

فصل الحاءِ مع الفاءِ

  [حترف]: الْحُتْرُوفُ، كعُصْفُورٍ، أَهْمَلَه الجَوْهَرِيُّ، وَقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: هو الكَادُّ على عِيَالِهِ، هكذا نَقَلَهُ الصَّاغَانِيُّ، وصاحِبُ اللِّسَانِ، وغيرُهُم.

  [حتف]: الْحَتْفُ الْمَوْتُ، قال الجَوْهَرِيُّ: ولا يُبْنَى منه فِعْلٌ، وكذا صَرَّحَ به ابنُ فَارِسٍ، والمَيْدَانِيُّ، وَالْأَزْهَرِيُّ، قال شيخُنَا: وحَكَى ابنُ القُوطِيَّةِ، وابنُ القَطَّاع - وغيرُهما من أَرْبَاب الأَفْعَالِ - أَنَّه يُقَالُ منه: حَتَفَ، كَضَرَبَ وإِخَالُه في المِصْبَاحِ أَيضاً. انتهى.

  قلتُ: وإِليه يَلْحَظُ كلامُ الزَّمَخْشَرِيُّ في الأَسَاسِ، حيثُ قال: «المَرْءُ يَسْعَى ويَطُوف، وعَاقِبَتُه الحُتُوف» الحُتُوفُ: مَصْدَرٌ بمَعْنَى الحَتْفِ. وهو أَيضاً: جَمْعُ حَتْفٍ، فَتَأَمَّل.

  ويُقال: مَاتَ فلانٌ حَتْفَ أَنْفِهِ، ويُقال أَيضا: مات حَتْفَ فِيهِ، وَهو قَلِيلٌ⁣(⁣٢)، كأَنَّه لِأَنَّ نَفْسَهُ تَخْرُجُ بتَنَفُّسِه منه، كما يَتَنَفَّسُ مِن أَنْفِهِ، ويُقَال أَيضاً: حَتْفَ أَنْفَيْهِ، وَمنه قَوْلُ الشاعِرِ:

  إِنَّمَا المَرْءُ رَهْنُ مَيْتٍ سَوِيٍّ ... حَتْفَ أَنْفَيْهِ أو لِفِلْقٍ طَحُونِ

  وَيَحْتَمِلُ أَن يكونَ المرادُ مِنْخَرَيْهِ، ويَحْتَمِلُ أَن يكونَ المُرَادُ أَنْفَهُ وفَمَهُ، فغَلَّبَ الأَنْفَ للتَّجاوُرِ، ومنه الحَدِيثُ: «ومنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ {فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ}»: أي في سَبِيلِ الله، قال أَبو عُبَيْدٍ: هو أَن يَمُوتَ عَلَى فِرَاشِهِ مِن غَيْرِ قَتْلٍ ولا ضَرْبٍ ولا غَرَقٍ ولا حَرَقٍ، ولا سَبُعٍ. ولا غيرِه، وَفي روايةٍ: «فهو شَهِيدٌ»، قال عبدُ الله بنُ عَتِيكٍ - ¥، وهو رَاوِي هذا الحديث -: والله إِنَّهَا لَكَلِمَةٌ ما سَمِعْتُها مِنْ أَحَدٍ من العَرَبِ قَطُّ قَبْلَ رسولِ الله ، يعني قولَه: «حَتْفَ أَنْفِهِ»، وفي حديثِ عُبَيْدِ⁣(⁣٣) بنِ عُمَيْرٍ، أَنَّه قال في السَّمَك: «ما مَاتَ مِنْها حَتْفَ أَنْفِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ»، يعني السَّمَكَ الطَّافيَ، قال القَطَرِيُّ:

  فإِنْ أَمُتْ حَتْفَ أَنْفي لا أَمُتْ كَمَداً ... علَى الطِّعَانِ وقَصْرُ الْعَاجِزِ الْكَمَدُ

  قال أَبو أحمد الحسنُ بنُ عبدِ الله بنِ سَعِيدٍ العَسْكَرِيُّ: وإِنَّمَا خُصَّ الْأَنْفُ، لِأَنَّه أَرَادَ أنَّ رُوحَه تَخْرُجُ مِن أَنْفِهِ بِتَتَابُعِ نَفَسِهِ؛ لأَنَّ المَيِّتَ علَى فِرَاشِهِ مِن غَيْرِ قَتْلٍ يَتَنَفَّسُ حتى يَنْقَضِيَ رَمَقُهُ، فخُصَّ الأَنْفَ بذلِكَ؛ لأَنَّ مِن جِهَتِهِ يَنْقَضِي الرَّمَقُ، أَو لِأَنَّهُمْ كانُوا يَتَخَيَّلُونَ أنَّ الْمَرِيضَ تَخْرُجُ رُوحُهُ مِن أَنْفِهِ، ورُوحُ الْجَريحِ مِن جِرَاحَتِهِ، قالَه ابن


(١) كذا بالأصل واللسان وفي الفائق ١/ ٣٨٢ «ديبوب ولا قلاع» والديبوب الذي يدب بين الرجال والنساء ويسعى حتى يجمع بينهم.

(٢) يعني قليل الاستعمال.

(٣) في اللسان: عبيد الله.