تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[قطع]:

صفحة 378 - الجزء 11

  وقال أَبُو جَعْفَرِ بنُ حَبِيب النَّسّابَةُ: لم تَزَلْ قُضَاعَةُ في الجاهِلِيَّةِ والإِسْلام تُعْرَفُ بمَعَدٍّ، حَتّى كانَت الفِتْنَةُ بالشّامِ بينَ كَلْبٍ وقَيْسِ عَيْلانَ أَيّامَ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، فمالَ كَلْبٌ يَوْمَئذٍ إِلى اليَمَنِ، وانْتَمَتْ إِلى حِمْيَر اسْتِظْهَاراً مِنْهُم بِهم إِلى قَيْسٍ، وذَكَرَ ابنُ الأَثِيرِ في الأَنْسَابِ هذا الاخْتِلافَ، ثم قالَ: ولِهذَا قالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلّامٍ البَصْرِيُّ النَّسّابَةُ لَمّا سُئلَ: أَنِزارٌ أَكثرُ أَم اليَمَن؟ فقالَ: إِنْ تَمَعْدَدَتْ قُضَاعَةُ فنِزَارٌ أَكثَرُ، وإِنْ تَيَمَّنَتْ فاليَمَنُ. أَو لُقِّبَ به لانْقِضاعِهِ عن قَوْمِهِ مع أُمِّه، وهو انْقِطَاعُه عنهم. وإِخْوَتُه لِامُّه بنُو مَعَدِّ بنِ عَدْنَانَ، أَو من قَضَعَهُ، كمَنَعَ: قَهَرَه، قالَهُ الخَلِيل. وكانُوا أَشَدَّ⁣(⁣١) الكَلْبِيِّين في الحُرُوبِ.

  مِنْهُم القاضِي أَبو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بنِ سَلامَةَ بنِ جَعْفَرٍ القُضاعِيُّ، صاحبُ كِتابِ الشِّهَابِ، وسَمِيُّه أَبو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ بنِ عَبْدِ السَّلامِ القُضاعِيُّ، صاحبُ «المُخْتَارِ في الخِطَطِ والآثَارِ» تُوُفّيَ سنة أَرْبَعِمَائةٍ وأَرْبَعَةٍ وخَمْسِين.

  وِالقَضْعُ، بالفَتْحِ، عن ابْنِ دُرَيْدٍ، والقُضَاعُ، بالضَّمِّ، عن اللِّحْيَانِيِّ، وكذلِكَ التَّقْضِيعُ: وَجَعٌ فِي بَطْنِ الإِنْسَانِ.

  وِالتَّقْضِيعُ: تَقْطِيعٌ فيه وداءٌ.

  وِانْقَضَعَ عَنْه: بَعُدَ.

  وِتَقَضَّعَ الشَّيْءُ: تَقَطَّعَ.

  وِانْقَضَعَ، وتَقَضَّعَ: تَفَرَّقَ، وقالَ ابنُ فارِسٍ: الانْقِضَاعُ والتَّقَضُّع، من باب الإِبْدَالِ، أَي من الانْقِطَاعِ والتَّقَطُّعِ.

  [قطع]: قَطَعَه، كمَنَعَه، قَطْعاً، ومَقْطَعاً، كمَقْعَدٍ، وتِقِطّاعاً، بكَسْرَتَيْنِ مُشَدَّدَةَ الطّاءِ، وكَذلِكَ التِّنِبّالُ والتِّنِقّامُ، والتِّمِلّاقُ، هذِه المَصَادِرُ كُلُّهَا جاءَتْ على تِفِعّالٍ، كَمَا في العُبابِ. وفاتَه قَطِيعَةً وقُطُوعاً، بالضَّمِّ، ومن الأَخِيرِ قَوْلُ الشّاعِرِ:

  فما بَرِحَتْ حَتَّى اسْتَبانَ سقابُهَا ... قُطُوعاً لِمَحْبُوكٍ مِنَ اللِّيفِ حادِرِ⁣(⁣٢)

  : أَبَانَهُ من بَعْضِه فَصْلاً، وقالَ الرّاغِبُ: القَطْعُ قد يكونُ مُدْرَكاً بالبَصَرِ، كقَطْعِ اللَّحْمِ ونحوِه، وقد يكونُ مُدْرَكاً بالبَصِيرَةِ، كقَطْعِ السَّبِيلِ، وذلك⁣(⁣٣) على وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا يُرَادُ به السَّيْرُ والسُّلُوكُ، والثّانِي يُرَادُ بهِ الغَصْبُ من المارَّةِ والسّالِكِينَ، كقَوْلهِ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ}⁣(⁣٤) سُمِّيَ قَطْعَ الطّرِيقِ، لأَنَّه يُؤَدِّي إلى انْقِطَاعِ النّاسِ عن الطَّرِيقِ⁣(⁣٥)، وسَيَأْتِي.

  وِمِنَ المَجَازِ: قَطَعَ النَّهْرَ قَطْعاً وقُطُوعاً بالضمِّ: عَبَرَهُ: كما في الصّحاح، واقْتَصَرَ علَى الأَخِيرِ من المَصَادِرِ أَو شَقَّهُ وجازَهُ، والفَرْقُ بين العُبُورِ والشَّقِّ: أَنَّ الأَوّلَ يَكُونُ بالسَّفِينَةِ ونَحْوِهَا، وأَمّا الثّانِي فبالسَّبْحِ فيه والعَّوْمِ.

  وِقَطَعَ فُلاناً بالقَطِيعِ، كأَمِيرٍ - السَّوْطِ أَو القَضِيبِ، كَمَا سَيَأْتِي -: ضَرَبَهُ به، حَكاهُ الفَارِسيُّ قالَ: كما يُقَالُ: سُطْتُه بالسَّوْطِ.

  وِمن المَجَازِ: قَطَعَ خَصْمَهُ بالحُجَّةِ، وفي الأَساسِ بالمُحَاجَّةِ⁣(⁣٦): غَلَبَه وبَكَّتَه فَلَمْ يُجِبْ، كَأَقْطَعَهُ ويُقَالُ: أَقْطَعَ الرَّجُلُ أَيْضاً، إِذا بَكَّتُوه، كما سَيَأْتِي.

  وِمِنَ المَجَازِ: قَطَعَ لِسَانَهُ قَطْعاً: أَسْكَتَه بإِحْسانِه إِلَيْهِ، ومنه الحَدِيثُ: «اقْطَعُوا عَنِّي لِسَانَه» قالَهُ للسّائِلِ. أَي: أَرْضُوهُ حَتَّى يَسْكُتَ. وقالَ أَيْضاً لِبِلالٍ: «اقْطَعْ لِسَانَه» أَي العَبّاسِ بنِ مِرْداسٍ، فكَسَاهُ حُلَّتَه، وقِيلَ: أَعْطَاهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَماً، وأَمَرَ علِيًّا ¥ في الكَذّابِ الحِرْمَازِيِّ بمِثْلِ ذلِكَ، وقالَ الخَطّابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هذا مِمّنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ المالِ، كَابْنِ السَّبِيلِ. وغَيْره، فتَعَرَّضَ لَهُ بالشِّعْرِ، فأَعْطَاهُ بحَقِّهِ، أَو لحاجَتِه لا لشِعْرِهِ.

  وِمِنَ المَجَازِ: قَطَعَ ماءُ الرَّكِيَّةِ قُطُوعاً، بالضَّمِّ، وقِطَاعاً، بالفَتحِ والكَسْرِ: ذَهَبَ، وقَلَّ، كانْقَطَعَ، وأَقْطَعَ، الأَخِيرُ عن ابنِ الأَعْرَابِيّ.


(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: وكانوا أَشد الكلبيين عبارة اللسان: أشداء كلبين وليحرر» ومثله في التهذيب «قضع» ١/ ١٧٣.

(٢) ويروى:

فما رويت حتى استبان سُقاتها

(٣) عبارة المفردات: القطع فصل الشيء مدركاً بالبصر كالأجسام أو مدركاً بالبصيرة كالأشياء المعقولة فمن ذلك قطع الأعضاء ... وقطع الطريق يقال على وجهين

(٤) سورة العنكبوت الآية ٢٩.

(٥) عبارة المفردات: وإنما سمي ذلك قطع الطريق لأنه يؤدي إلى انقطاع الناس عن الطريق.

(٦) في الأساس: في المحاجة.