تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[بكي]:

صفحة 212 - الجزء 19

  تَسْتَأْصِلُونا؛ ومنه قَوْلُ الأعْشى:

  قالوا البَقِيَّة والخَطْيُّ تَأْخُذُهم⁣(⁣١)

  وهو أَبْقَى الرَّجُلَيْن، فينا: أَي أَكْثَر إبْقاء على قَوْمِه.

  وبَقِيَ من الشيءِ بَقِيَّةٌ.

  وأَبْقَيْتُ على فلانٍ إذا رَعَيْتَ⁣(⁣٢) عليه ورَحِمْتَه.

  يقالُ: لا أَبْقَى اللهُ عليك إنْ أَبْقَيْتَ عليَّ؛ ومنه حدِيثُ الدُّعاءِ: «لا تُبْقِي على مَنْ تضرعُ⁣(⁣٣) إليها» أَي لا تُشفقُ أَي النَّار.

  والباقِي: حاصِلُ الخرَاجِ ونحوِهِ؛ عن اللَّيْثِ.

  والمُبْقِياتُ: الأَماكِنُ التي تُبْقِي فيها مِن مَناقِعِ الماءِ ولا تَشْربه؛ قالَ ذو الرُّمَّة:

  فلما رَأَى الرَّائي الثُّرَيَّا بسُدْفةٍ ... ونَشَّتْ نِطافُ المُبْقِياتِ الوَقائِع

  واسْتَبْقَى الرجلَ وأَبْقَى عليه: وجبَ عليه قَتْل فعَفَا عنه.

  واسْتَبْقَيْتُ في مَعْنَى العَفْو عن زَللِه واسْتِبْقاء مودَّته؛ قالَ النابِغَةُ:

  ولَسْتُ بمُسْتَبْقٍ أَخاً لا تَلُمُّه ... على شَعَثٍ أَيُّ الرِّجالِ المُهَذَّبُ؟⁣(⁣٤)

  والبَقِيَّة: المُراقَبَةُ والطاعَةُ، والجَمْعُ البَقايا.

  [بكي]: ي بَكَى الرَّجُلُ يَبْكِي بُكاءً وبُكىً، بضَمِّهما، يُمَدُّ ويُقْصَرُ؛ قالَهُ الفرَّاءُ وغيرُهُ. وظاهِرُه أنَّه لا فَرْقَ بَيْنهما وهو الذي رَجَّحَه شُرَّاحُ الفَصِيحِ والشَّواهِدِ.

  وقالَ الرَّاغبُ: بُكًى يُقالُ في الحُزْنِ وإسالَةِ الدَّمْع مَعاً، ويُقالُ في كلِّ واحِدٍ منهما مُنْفرداً عن الآخرِ؛ فقَوْلُه تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً}⁣(⁣٥) إشارَة إلى الفَرَحِ والتَّرَحِ وإنْ لم يكنْ مَعَ الضحكِ قَهْقَهَه ولا مَعَ البُكاءِ إسالَة دَمْعٍ؛ وكَذلِكَ قَوْله: {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ}⁣(⁣٦)؛ وقد قيل: إنَّ ذلِكَ على الحَقيقَةِ وذلك قَوْل مَنْ يَجْعَل له حياةً وعِلْماً، وقيلَ على المجازِ وتَقْديرُه: فما بَكَتْ عليهم أَهْلُ السّماءِ.

  وذَهَبَ ابنُ القَطَّاع وغيرُهُ بأنَّه إذا مَدَدْتَ أَرَدْتَ الصَّوْتَ الذي يكونُ مَعَ البُكاءِ، وإذا قَصَرْتَ أَرَدْتَ الدُّموعَ وخُروجَها؛ كما قالَهُ المبرِّدُ ومِثْله في الصِّحاحِ.

  وقالَ الرَّاغبُ: البُكاءُ، بالمدِّ: سَيَلانُ الدُّموعِ عن حُزْنٍ وعَويلٍ، يقالُ إذا كانَ الصَّوْت أَغْلَب كالرّغاءِ والثُّغاءِ وسَائرِ هذه الأبْنِيَة المَوْضُوعَة للصَّوّتِ؛ وبالقَصْرِ يُقالُ إذا كانَ الحُزْن أَغْلَب، انتَهَى.

  وقالَ الخَلِيلُ: مَنْ قَصره ذَهَبَ به إلى مَعْنى الحُزْنِ، ومَنْ ذَهَبَ به إلى مَعْنى الصَّوْتِ. وشاهِدُ المَمْدودِ الحَدِيثُ: «فإنْ لم تَجِدُوا بُكاءَ فَتَبَاكَوْا»، وقَوْلُ الخَنْساءِ تَرْثي أَخَاها:

  إذا قَبُحَ البُكاء على قَتِيل ... رأَيْتُ بُكاءَكَ الحَسَنَ الجَمِيلا⁣(⁣٧)

  وشاهِدُ المَقْصورِ أَنْشَدَه الجَوْهرِيُّ لابنِ رَواحَةَ:

  بَكَتْ عَيْنِي وحقَّ لها بُكَاها ... وما يُغْني البُكاءُ ولا العَويلُ⁣(⁣٨)

  وقالَ ابنُ بَرِّي: الصَّحيحُ أنَّه لكَعْبِ بنِ مالِكٍ.

  فهو باكٍ، ج بُكاةٌ، وهو مقيسٌ ومَسْموعٌ كقاضٍ وقُضاةٍ وفي العِنايَةِ: هو شائِعٌ في كُتُبِ اللُّغَةِ والقياسُ يَقْتَضيه لكنَّه قالَ في مَرْيَم عن السَّمين: إنَّه لم يُسْمَع.


(١) البيت في ديوانه ط بيروت ص ١١٢ وتمامه:

قالوا البقية والهندي يحصدهم ... ولا بقية إلا النار، فانكشفوا

وصدره في اللسان والتهذيب.

(٢) في اللسان: إذا أرعيت.

(٣) في اللسان يَضرعُ.

(٤) ديوانه ط بيروت ص ١٨ واللسان والتهذيب والأساس، والمقاييس ١/ ٢٧٧ وفيها «فلست».

(٥) سورة التوبة، الآية ٨٢.

(٦) سورة الدخان، الآية ٢٩.

(٧) ديوانه ط بيروت ص ١١٩ واللسان.

(٨) اختلفوا في نسبته، قيل لحسان بن ثابت وقيل لعبد الله بن رواحة وقيل لكعب بن مالك، وهذا ما ذهب إليه ابن بري. والبيت في اللسان والصحاح والتهذيب والمقاييس ١/ ٢٨٥.