تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[هندب]:

صفحة 499 - الجزء 2

  كخَافَهُ يَخَافُهُ، هَيْباً، وهَيْبَةً، ومَهَابَةً: خَافَهُ وراعَهُ، كاهتَابَهُ، قال:

  وَمرْقَبٍ تَسْكُنُ العِقْبَانُ قُلَّتَهُ ... أَشْرفْتُهُ مُسْفِراً والشَّمْسُ مُهْتَابَهْ

  وفي كتاب الأَفعال هابَه من باب تَعِبَ: حذِرَه، ويُقال: هَابَه يَهِيبُه، نقله الفَيُّوميّ في المصباح.

  ونقل شيخُنا عن ابنِ قَيِّم الجَوْزِيَّةِ، فِي الفرْق بين المَهَابَة والكِبْر، ما نَصُّه: بانّ المَهابةَ أَثرُ امتلاءِ القلبِ بمهابةِ الرَّبّ ومحبَّته، وإِذا امتلأَ بذلك، حلَّ فيه النُّورُ، ولَبِس رِداءَ الهَيْبة، فاكتسَى وَجهُهُ الحَلاوةَ والمَهَابَةَ فحَنَّت إِليهِ الأَفئدةُ، وقَرَّتْ بها العُيُونُ. وأَمّا الكِبْرُ، فهو أَثَرُ العُجْبِ في قلْبٍ مملوءٍ جهلاً وظُلُمات، رانَ عليه المَقْتُ، فنَظَرُه شَزْرٌ، ومِشْيتُهُ تَبخْتُرٌ، لا يبْدأُ بسَلام، ولا يَرى لِأَحدٍ حَقّاً عليه، ويَرى حَقَّهُ على جميع الأَنامِ، فلا يزدادُ من اللهِ إِلّا بُعْداً، ولا من النّاس إِلا حَقاراً وبُغْضاً. انتهى.

  وهو هائِبٌ، وهو أَصلُ الوصْف. والأَمْر فيه: هَبْ، بفتح الهاءِ، لأَنّ الأَصل فيه: هابْ، سقطت الأَلفُ، لاجتماع السّاكنَيْن. وإِذا أَخبرتَ عن نفسك، قُلْتَ: هِبْتُ، وأَصلُه: هَيِبْتُ، بكسر الياءِ، فلما سُكِّنت، سقطت، لاجتماع السّاكنين، ونُقِلَتْ كسرتُها إِلى ما قَبْلَهَا. فقِسْ عليه، كذا في الصّحاح.

  ورَجُلٌ هَيُوبٌ، كصَبُورٍ: هو ومَا بَعْدَهُ يأْتي للمُبَالَغَة، وفي حديثِ عُبَيْدِ بنِ عُميْر: «الإِيمانُ هَيُوبٌ» أَي يُهابُ أَهلُه، فَعُولٌ بمعنى مفعول، وهو مَجاز، على ما في الأَساس، والنّاسُ يَهابون أَهلَ الإِيمان، لِأَنّهم يَهابون اللهَ ويَخافونَهُ. وقيلَ: هو فَعُولٌ بمعنى فاعلٍ، أَي: أَنَّ المؤمنَ يَهابُ الذُّنوبَ والمَعَاصِيَ، فيَتَّقِيها. ويُقَالُ: هَبِ النّاسَ يَهابُوكَ، أَي: وَقِّرْهُم، يُوَقِّرُوكَ. وقد ذَكرَ الوجْهين الأَزهريُّ⁣(⁣١) وغيرُه، وهَيَّابٌ كشَدَّادٍ، وَهَيِّبٌ كسيّد، وجُوِّز فيه التَّخفيف كبين وهيْبَانٌ كشَيْبَان، وهَيِّبانٌ، بكَسْرِ المُشَدَّدِة مع⁣(⁣٢) فَتْحِها، هكذا في النُّسَخ الصَّحِيحة، وسقط من بعضها، وهَيَّابَةٌ بزيادة الهاءِ، لتأْكيد المُبَالغة، كما في: عَلّامة، كُلُّ ذلك بمعنى يَخَافُ النّاسَ زاد في اللّسان: وهَيُّوبَةٌ.

  ورجلٌ مَهُوبٌ، وكذلك مَكَانٌ مَهُوبٌ، ويأْتي للمصنِّف، ورجل مهِيبٌ كَمَقِيلٍ، وَهَيُوبٌ كصَبُورٍ، وَهَيْبَان كَشَيْبَان: إِذا كان يَخافُه النّاسُ، أَمّا هَيُوب فقد يكونُ الهائبَ، وقد يكون المَهِيب. ومَهِيبٌ واردٌ على القياس، كمَبِيع. وأَمّا هَيْبَان، فلم يَذْكُرْهُ الجوهريُّ، وبالغَ في إِنكاره شيخُنا، وهو منه عجيبٌ، فإِنه قال ثعلب: الهَيَّبَانُ: الذِي يُهابُ، فإِذا كان ذلك كان الهَيَّبَان في مَعْنَى المفعول، ونقله ابْنُ منظورٍ وغيرُهُ، فكيف يسوغُ لشيخنا الإِنكارُ، واللهُ حليمٌ سَتَّار؟: وتَهَيَّبَنِي الشَّيءُ: بمعنى تَهَيَّبْتُه أَنا. وقال ابْنُ سِيدَه: تَهَيَّبَنِي الشَّيْءُ، وتَهَيَّبْتُهُ: خِفْتُهُ، وخَوَّفَنِي، قال ابْنُ مُقْبِلٍ:

  وما تَهَيَّبُنِي المَوْماةُ أَرْكَبُها ... إِذَا تَجاوَبَتِ الأَصْدَاءُ بالسَّحَرِ

  قال ثعلب: أَي لا أَتَهَيَّبُها أَنا، فَنَقَل الفِعْلَ إِليْها. وقال الجَرْمِيّ: لا تَهيَّبُنِي المَوْماةُ، أَي: لا تَمْلأُنِي مَهابَةً.

  والهَيَّبانُ، مُشَدَّدَةً أَي ياؤُه مع فَتْحِها، كما نقله أَقوامٌ عن سِيبَوَيْهِ في الصَّحِيح، وهو الَّذي في نسختنا ونَقَل قومٌ الكسرَ: الكَثِيرُ من كُلِّ شَيْءٍ.

  والهَيَّبَانُ: الجَبَانُ المُتَهَيِّبُ الذي يَهابُ النّاسَ، كالهَيُوبِ. ورجلٌ هَيُوبٌ: يَهَابُ من كلِّ شَيءٍ. قال الجَرْميّ: هو فَيْعَلان، بفتح العين، وضَبْط الجَوْهَريِّ بِكَسْرِهَا. وقال بعضُ العلماءِ: لا يجوزُ فيه الكسرُ، لأَنَّ فَيْعِلان، لم يجئ⁣(⁣٣) في الصَّحيح، وإِنَّمَا جاءَ فيه فَيْعَلان كقَيْقَبَان. والوجْهُ أَن يُقَاسَ المُعْتَلّ بالصّحيح. قال شيخنا: هو قِياسٌ غيرُ صحيح، ولا يُعْرَفُ الفتحُ في المعتلِّ، كما لا يُعْرَفُ الكسر في الصَّحِيح، إِلّا في نَوَادِرَ.

  والْهَيَّبَانُ: التَّيْسُ، نقله الصّاغانيُّ⁣(⁣٤).

  وقيل: الْهَيَّبانُ: الخَفِيفُ النَّحِزُ⁣(⁣٥).


(١) عبارة التهذيب: وله وجهان: أحدهما: المؤمن يهاب الذنب فيتقيه.

والآخر: المؤمن هيوب أي مهيوب لأنه يهاب الله فيها به الناس، أي يعظمون قدره ويوقرونه.

(٢) في القاموس: وفتحها.

(٣) بالأصل «لم يجز» وبهامش المطبوعة المصرية: «قوله لم يجز كذا بخطه ولعله لم يجئ بدليل ما بعده.

(٤) ومثله في التهذيب.

(٥) عن اللسان، وبالأصل: «النخر».