تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[بونت]:

صفحة 20 - الجزء 3

  قلت: قال ابنُ سيدَهْ: وعندي أَنَّ بُهوتاً جمعُ باهتِ، لا جمعُ بَهُوت، لأَنّ فاعِلاً ممّا يُجْمَعُ على فُعُولٍ، وليس فَعُولٌ ممّا يُجمع على فُعُولٍ. قال: فأمّا ما حكاه أَبو عُبَيْدٍ، من أَنَّ عُذُوباً جمعُ عَذُوبٍ، فَغَلَطٌ، إنّمَا هو جمع عاذِبٍ. فأَمّا عَذُوبٌ، فجمعُه عُذُبٌ، اه.

  وابْنُ بَهْتَةَ، بتسكين الهَاء، وقَدْ يُحَرَّكُ: أَبو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ بَهْتَةَ مُحَدِّث، عن أَبي مسلمٍ الكَجِّيّ وابنه أَبو الحسن محمّد بن عُمَرَ، عن المَحَامِليّ⁣(⁣١)، هكذا قيَّدَهُ الأَمير بَهْتَة بالفتح، ومثلُه للصّاغانيّ، وهو في تاريخ الخَطيب بالتَّحْريك مُجَوَّدُ الضَّبْط.

  وقَوْلُ الجَوْهَرِيّ: فابْهَتِي عليها⁣(⁣٢)، أَي: فابْهَتِيها، لأَنَّهُ لا يُقال: بَهَتَ عَلَيْه عَلى ما تقدَّم تَصْحِيفٌ وتحريف، والصَّوابُ: فانْهَتِي عَلَيْهَا بالنُّونِ، لا غَيْرُ⁣(⁣٣). ولنذكر أَوَّلاً نصَّ عبارةِ الجَوْهَرِيّ، ثم نتكلّم عليه. قال: وأَمّا قولُ أَبي النَّجْم:

  سُبِّي الحمَاةَ وابْهَتِي عَلَيْهَا

  فإِنَّ «عَلى» مُقْحَمَةٌ، لا يُقَال: بَهَتَ عليه، وإِنّما الكلامُ بَهَتَه، انتهى. فبَيَّنَ أَنَّه قولُ أَبي النَّجْمِ، وأَنه «وابْهَتِي» بالواو دُونَ الفَاءِ.

  قال شيخنا: قد سبقه إِليه ابنُ بَرّيّ، والصّاغانيُّ، وغيرُهما. ورواه المصنِّف على ما أَثبت في صِحاحه. فإن كانت روايةً ثابتةً، فلا يُلْتَفَتُ لِدَعوَى التَّصحيف؛ لأَنّها في مثله غير مسموعة والحذف والإيصال بابٌ واسع لمُطْلَق النحَاة وأَهل اللّسَان، فضلاً عن العرب الّذين هم أَئمّة الشّأْن. وإِنْ لم تَثْبُت الرِّواية كما قال، وصَحَّت الرّواية معهم، ثبتَ التَّصحِيفُ حينئذٍ بالنَّقْل، لا لأَنّه يُقَالُ، كما قال: وليس عندي جَزْمٌ في الرِّواية حتى أُفصِّلَ قوليهما، وأَنظُرَ ما لهما وما عليهما؛ وإِنما ادِّعَاءُ التَّحْرِيف بمُجَرَّد أَنَّه لا يَتعدَّى بَهَتَ بعلَى، دَعوَى خاليةٌ عن الحُجَّة، انتهى.

  قلت: وأَمَّا نصُّ ابْنِ بَرِّيّ في حواشيه على ما نقلَه عن ابنُ منظور وغيره: زعم الجوهَرِيّ أَنّ «على» في البيت مُقْحَمَةٌ، أَي زائدة؛ قال: إنّما عَدَّى ابْهَتِي بعَلَى، لأَنّه بمعنى: افْتَرِي عليها، والبُهْتَانُ: افتراءٌ، وقال: ومثلُه ممّا عُدِّيَ بحرف الجَرّ، حَمْلاً على معنَى فِعْلٍ يُقَارِبُه بالمعنى، قولُه ø: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}⁣(⁣٤) تقديرُه: يَخْرجونَ عن أَمْرِه؛ لأَن المخَالفةَ خُروجٌ عن الطّاعة.

  قال: ويجب على قول الجوهريّ أَنْ تُجْعَلَ «عَنْ» في الآية زائدة، كما جعل «على» في البيت زائدة. وعن، وعلى: ليستا ممّا يزدادُ كالباءِ، انتهى. وهو قولُ أَبي النَّجْمِ يُخَاطب امرأَتَه⁣(⁣٥)، وبعدَه:

  فإِنْ أَبتْ فازْدَلِفي إِلَيْهَا ... وأَعْلِقِي يديْكِ في صُدْغَيْهَا⁣(⁣٦)

  ثمّ اقْرَعِي بالوَدِّ مِرْفَقَيْهَا ... ورُكْبتَيْهَا واقْرَعِي كَعْبَيْهَا

  وظاهِري النَّذْرَ به عَلَيْهَا⁣(⁣٧) ... لا تُخْبري الدهْرَ به إِبْنَيْهَا⁣(⁣٨)

  هكذا أَنشده الأَصمعيّ: * وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه: بَهَتَ الفَحْلَ عن النَّاقَة: نَحَّاه، لِيَحْمِلَ عليهَا فَحْلٌ أَكرمُ منه.


(١) هو أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي قاضي الكوفة مات سنة ٣٣٠ (الأنساب للسمعاني).

(٢) يريد قول أبي النجم:

سُبّي الحماة وابهتي عليها.

وسيرد بعد أسطر، وقد نقله الجوهري في الصحاح وعقّب عليه، وهي ليست عبارته. وانظر اللسان والتكملة. قال المبرد في الكامل: إنما يريد ابهتيها، فوضع ابهتي في موضع اكذبي ثم وصلها بعلى. والذي يستعمل في صلة الفعل اللام، لأنها لام الإضافة تقول: لزيد ضربت ولعمرو أكرمت وإنما تقديره إكرامي لعمرو وضربي لزيد، فأجري الفعل مجرى المصدر. وأحسن ما يكون ذلك إذا تقدّم المفعول، لأن الفعل إنما يجئ وقد عملت اللام.

(٣) قال في التكملة: النهيت: وهو الصوت.

(٤) سورة النور الآية ٦٣.

(٥) في الكامل للمبرد ٢/ ٩٩٧ قالها ويوصي ابنته لما أهداها إلى زوجها.

(٦) بهامش المطبوعة المصرية: «وفي رواية ذكرها الصاغاني بدل هذا المشطور:

وانتزعي من خصل صدغيها

(٧) في الكامل للمبرد:

وجددي الحلف به عليها

(٨) في الكامل للمبرد: بذاك ابنيها. وبهامش المطبوعة المصرية: «قوله به ابنيها كذا بخطه، والذي في التكملة: بذاك ابنيها، وعلى رواية الشارح يتعين قطع الهمزة من ابنيها ليستقيم الوزن».