تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[فهت]:

صفحة 105 - الجزء 3

  اسْتَبَدَّ به⁣(⁣١)، قال الأَزهريّ: قد صَحَّ الهمزُ عنهما في هذا الحرف، وما عَلِمْتُ الهَمْزَ فيه أَصْلِيّاً.

  قلت: وقد تَقَدَّم ذلك بعينه في أَوَّل الفصل، فراجعْه.

  وافْتَاتَ الكَلَامَ: ابْتَدَعَهُ وارْتَجلَه، كافْتَلَتَه. نقله الصاغانيّ.

  وافْتَاتَ عَلَيْه في الأَمرِ: حَكَمَ، وكلُّ من أَحْدَثَ دونَكَ شَيْئاً فقد فَاتَكَ به، وافْتَاتَ عَلَيْكَ فِيه⁣(⁣٢).

  ويقال: افْتَاتَ عليه، إِذا انْفَرَدَ برأْيه دُونَه في التَّصَرُّفِ في شَيْءٍ، ولَمَّا ضُمِّنَ معنَى التَّغَلُّبِ عُدِّيَ بعلَى.

  وتَفَاوَتَ الشَّيئانِ، أَي تَبَاعَدَ ما بَيْنَهُمَا، تَفاوُتاً، مُثَلَّثَةَ الوَاوِ حكاهما ابنُ السِّكِّيتِ، وقد قال سيبويه: ليس في المصادر تَفَاعِلٌ. وقالَ الكِلَابِيُّون في مصدره: تَفَاوَتاً، ففتحوا الواو، وقال العَنْبَرِيُّ: تَفَاوِتاً، بكسرِ الواو، وحكى أَيضاً أَبو زيد تَفَاوَتاً وتَفَاوِتاً - بفتح الواو وكسرها - وهو على غير قياس، لأَن المصدرَ من تَفَاعَل يَتَفَاعَلُ: تَفَاعُلٌ، مضمُوم العينِ، إِلّا ما رُوِي من هذا الحرفِ، كذا في الصحاح.

  قال شيخنا، أَما الضَّمُّ فهو القياسُ، وعليه اقْتَصَرَ الفيّوميُّ في المصباح، وأَما الكسرُ فقالُوا: إِنه مَحمولٌ على المُعْتَلّ من هذا الوزنِ كالتوابي⁣(⁣٣) والتَّوَانِي، ولا يعرف في الصحيح في غير هذا المصدر، وأَما الفَتْحُ فإِنه على جِهَةِ التخفيف، والتَّثْلِيثُ حكاه ابنُ قُتَيْبَةَ في أَدَبِ الكاتِبِ، وصَرَّحَ بأَنَّهُ لا نَظِيرَ له، وصرَّحَ به ابنُ سِيدَه وابنُ القطّاع.

  والفُوَيْتُ، كزُبَيْرٍ: المُتَفَرِّدُ برَأْيِهِ لا يُشَاوِرُ أَحَداً، وفي بعض النسخ المُنْفَرِد، للمُذَكَّرِ والمُؤَنَّثِ، يقال: رَجُلٌ فُوَيْتٌ، وامرأَة فُوَيْتٌ، كذلك، عن الرِّيَاشيّ، وهَمزهما أَبو زيد.

  وفي التَّنْزِيل العَزِيز: ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ⁣(⁣٤) المَعْنَى: مَا تَرَى في خَلْقِهِ تعالى السَّماءَ اخْتِلافاً ولا اضْطِراباً، وعن الَّليْثِ: فَاتَ يَفُوتُ فَوْتاً فهو فَائِتٌ، كما يَقُولون بَوْنٌ بَائِنٌ⁣(⁣٥)، وبَيْنَهُم تَفَاوُتٌ وتَفَوُّتٌ، وقُرِئَ: {ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ} وَتَفَوُّتٍ، فالأَوّلُ: قِرَاءَةُ أَبي عَمْرو، قال قَتَادَةُ: المَعْنَى: من اختلافٍ، وقال السُّدِّيُّ: من تَفَوُّتٍ، وهو في قراءَة حَمْزَة والكسائيِّ، أَيْ من عَيْبٍ، يقُول النّاظر: لوْ كان كَذَا وكذَا لكَانَ أَحْسَنَ، وقال الفَرّاءُ: هما بمعنًى واحدٍ.

  ويُقَال: تَفَوَّتَ عَلَيْه في مالِهِ أَي فَاتَه به، وفي الحديث: «أَنَّ رَجُلاً تَفَوَّتَ علَى أَبيهِ في مَالِهِ، فَأَتَى أَبُوهُ النبيَّ ، فذَكَر له ذلِكَ، فقَالَ: ارْدُدْ عَلَى ابْنِكَ مالَهُ، فإِنّمَا هو سَهْمٌ من كِنَانَتِك» قوله: تَفَوَّتَ: مَأْخُوذٌ من الفَوْتِ، تَفَعَّلَ منه، ومعناه⁣(⁣٦) أَنَّ الابْنَ لم يَسْتَشِرْ أَباهُ، ولم يستَأْذِنْه في هِبَة مالِ نَفسِه، فأَتى الأَبُ رسولَ الله ، فأَخْبَرَه، فقَالَ: ارْتَجِعْه من المَوْهوبِ له، وارْدُدْهُ على ابْنِك، فإِنه وما في يَدِه تحتَ يَدِك، وفي مَلَكَتكَ، ولَيْسَ له أَنْ يَسْتَبِدّ بأَمْرٍ دُونَك، فضَرَبَ، كونَه سَهْماً من كنانَته، مَثَلاً لكونه بعضَ كَسْبِه، وأَعْلَمَه أَنه ليس للابنِ أَن يَفْتَاتَ على أَبِيهِ بمالِه، وهو من الفَوْتِ: السَّبْقِ، تقول: تَفَوَّت فلانٌ على فلانٍ في كَذَا، وافْتَاتَ عَلَيْهِ، إِذا انفَرَدَ برأْيِه دونه في التَّصَرُّف فيه، ولَمَّا ضُمِّن معنى التَّغَلُّبِ عُدِّيَ بعلَى، وقد تقدم.

  * ومِمّا يُسْتَدرَكُ عَليْه:

  افْتَاتَ برأْيِه: اسْتَبَدّ به.

  وفاته في كذا: سَبَقَه، وقد سبق ذكرهما.

  وزعموا أَنّ رَجُلاً خرج من أَهلِه فَلما رَجَعَ، قالَت له امرأَتُه: لو شَهِدْتَنَا لأَخْبَرْنَاكَ وحَدَّثْنَاكَ بما كان، فقالَ لها: لم تُفاتِي⁣(⁣٧)، فَهَاتِي.


(١) عبارة ابن شميل: افتأت فلان علينا يفتئت: أي استبد علينا برأيه. وعبارة ابن السكيت: افتأت بأمره إذا استبد به.

(٢) التهذيب نقله عن أبي عبيد.

(٣) كذا، وفي المطبوعة الكويتية «كالتداني».

(٤) سورة الملك الآية ٣.

(٥) عن التهذيب. وبالأصل «بون ما بيني».

(٦) في التهذيب - وهي عبارة أبي عبيد - ومعناه أن الابن فات أباه بمال نفسه فوهبه وبذّره.

(٧) في اللسان: «لن تفاتي» وشاهد في التهذيب قول معن بن أوس يعاتب امرأته:

فإن الصبح منتظر قريبٌ ... وإنك بالملامة لن تُفاتي

أي لا أفوتك ولا يفوتك ملامي إذا أصبحت فدعيني ونومي إلى أن تصبحي.