تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[حيث]:

صفحة 201 - الجزء 3

  الشَّرْطِ⁣(⁣١)، كما في البَيْتِ، ولها أَحكامٌ مَبْسُوطَةٌ في المُغْنِي وغيرِهِ.

  ويُثَلَّثُ آخِرُه قال شيخُنَا: أَي مع كُلٍّ من الياءِ والواوِ والأَلف عند بعضِهم، فهي تسعُ لُغَاتٍ، ذَكَرَها ابنُ عُصْفُورٍ وغيرُه، وبه تَعْلَم قُصورَ كلامِ المُصَنِّف.

  قلت: هذا الذِي ذكَره شيخُنا إِنما هُو في قولهم: تركتُه حاثِ باثِ، وحَوْثَ بَوْثَ، وحَيْثَ بَيْثَ - بالواو، والياءِ، والأَلف، مع التَّثْلِيثِ في آخِرِهِ - وأَما فيما نَحْنُ فِيهِ، فلم يَرِدْ فِيه إِلا حَوْثُ وحَيْثُ، ولم يرد حاثَ، ولم يَقُلْ أَحدٌ: إِن الأَلِفَ لغةٌ فيه، وسَنَذْكُرُ في ذلك كلامَ الأَئِمَّةِ. حتَّى يَظْهَرَ أَنّ ما ذكرَه شيخُنَا إِنّمَا هو تَحَامُلٌ فقط.

  ففي التكملة: حَيْثِ - مبنيّاً على الكسْر -: لُغَةٌ في الضمّ والفتح⁣(⁣٢).

  وفي اللسانِ: حَيْثُ: ظرفٌ مُبْهَمٌ من الأَمْكنَة، مضمومٌ، وبعضُ العربِ يَفْتَحُه، وزعموا أَنَّ أَصْلَها الواو، قال ابنُ سِيده: وإِنمَا قَلَبُوا الواوَ ياءً طلبَ الخفَّة، قال: وهذا غيرُ قَوِيٍّ.

  وقال بعضهم: أَجْمَعَتِ العربُ على رفع حيثُ في كل وَجْهٍ، وذلك أَنَّ أَصلَها حَوْثُ فقُلِبت الواو ياءً؛ لكثرةِ دُخُولِ اليَاءِ على الوَاو، فقيل: حَيْثُ، ثمّ بُنِيَتْ على الضَّمّ، لالتقاءِ السَّاكِنَينِ، واختِيرَ لها الضَّمُّ ليُشْعِرَ ذلك بأَن أَصلَهَا الواو، وذلك لأَنَّ الضَّمةَ مُجَانِسَةٌ للواوِ، فكأَنهم أَتْبَعُوا الضَّمَّ الضَّمّ⁣(⁣٣) قال الكِسَائِيّ: وقد يكون فيها النَّصْبُ يَحْفِزُهَا⁣(⁣٤) ما قبلَهَا إِلى الفَتْح.

  قال الكِسَائِيّ: سَمِعْتُ في بني تَميمٍ - من بَنِي يَرْبُوعٍ وطُهَيَّةَ - من يَنْصِبُ الثاءَ على كلِّ حالٍ: في الخفْضِ، والنصْبِ، والرفْع، فيقول: حَيْثَ الْتَقَيْنَا، ومن حَيْثَ لا يَعْلَمُون، ولا يُصِيبُه الرَّفْعُ في لُغَتِهم، قال: وسمعتُ في بني الحَارِثِ⁣(⁣٥) بنِ أَسَدِ بنِ الحارِثِ بنِ ثَعْلَبَةَ وفي بَنِي فَقْعَسٍ كُلِّهَا يَخْفِضُونَهَا في موضع الخَفْضِ، ويَنْصِبُونَها في موضع النَّصْب فيقول: من حيثِ لا يَعْلَمُونَ، وكَانَ ذلك حَيْثَ التَقَيْنَا.

  وحكى اللِّحْيَانيّ، عن الكِسَائيّ أَيضاً: أَنّ مِنْهُم مَن يَخْفِضُ بحيْثُ، وأَنشد:

  أَمَا تَرَى حَيْثُ سُهَيْل طَالِعَا

  قال: وليْسَ بالوَجْهِ.

  وقال الأَزْهَرِيّ - عن اللَّيْث: للعَرَبِ في حَيْثُ لُغَتَان: فاللُّغَةُ العَالِيَةُ حَيْثُ، الثَّاء مَضْمُومَةٌ، وهو أَداةٌ للرَّفْع يرفَعُ⁣(⁣٦) الاسم بَعدَهُ، ولُغَةٌ أُخْرَى حَوْثُ، روايةٌ عن العَرَبِ لبَنِي تَمِيمٍ: [يَظنّون حيثُ في موضع نَصْبٍ يقولون الْقَهُ حيثُ لَقِيتَه ونحو ذلك كذلك]⁣(⁣٧).

  وقال ابنُ كَيْسَانَ: حَيْثُ حَرفٌ مبْنِيٌّ على الضَّمِّ وما بعدَهُ صِلَةٌ له، يرتفعُ الاسمُ بعدَه على الابتداءِ: كقولك: قُمْتُ حَيْثُ زَيدٌ قائِمٌ، وأَهلُ الكُوفَةِ يُجِيزُونَ حَذفَ قائم، ويرفَعُونَ بحيثُ زَيْداً، وهو صِلةٌ لها، فإِذَا أَظْهَرُوا قائماً بعدَ زيْدٍ أَجَازُوا فيه الوَجْهَيْنِ: الرفع، والنصْبَ [فَيرفعون الاسمَ أَيضاً وليس بِصِلَةٍ لها، ويَنصبون خَبَره ويرفعونه، فيقولون: قامت مقام صِفَتين، والمعنى: زيدٌ في مَوضع فيه عمرٌو.

  فَعَمْرٌو مُرْتَفِعٌ بفيه، وهو صِلَةٌ للموضِع، وزَيدٌ مرتفع بفي الأُولَى وهي خَبرُه، وليست بصِلةٍ لشيءٍ]⁣(⁣٨).

  قال: وأَهلُ البَصْرَةِ يقُولون: حيثُ مُضَافَةٌ إِلى⁣(⁣٩) جُمْلَةِ فلذلك لم تَخْفِضْ وأَنشد الفرَّاءُ بيتاً أَجازَ فِيهِ الخَفْضَ⁣(⁣١٠).

  وقال أَبو الهَيْثَمِ: حَيْثُ⁣(⁣١١) من حروفِ المَوَاضِع، لا من


(١) جزمت الفعلين «حيثما تستقمْ وتقدّرْ ...».

(٢) قال في المغني ص ١٧٦: ومن العرب من يعرب حيث، وقراءة من قرأ (من حيثِ لا يعلمون) بالكسر تحتملها وتحتمل لغة البناء على الكسر.

(٣) عن اللسان، وبالأصل «للضم».

(٤) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله يحفزها، الحفز: الدفع من خلف كما في القاموس، وهو مجاز هنا».

(٥) في اللسان: في بني أسد بن الحارث بن ثعلبة.

(٦) في التهذيب: ترفع.

(٧) زيادة عن التهذيب.

(٨) زيادة عن التهذيب واللسان.

(٩) عن التهذيب، والعبارة بالأصل: «إلى الجملة لم يخفض لذلك».

(١٠) زيد في التهذيب:

«أما ترى حيثَ سهيلٍ طالعا

فلما أضافها فتحها كما يفعل بعند وخلفَ»

(١١) ثمة نقص هنا في أول كلام أبي الهيثم تستدركه من التهذيب وفيه: وقال أبو الهيثم: حيث ظرفٌ من الظروف يحتاج إلى اسم وخبر، وهي -