[حيث]:
  الشَّرْطِ(١)، كما في البَيْتِ، ولها أَحكامٌ مَبْسُوطَةٌ في المُغْنِي وغيرِهِ.
  ويُثَلَّثُ آخِرُه قال شيخُنَا: أَي مع كُلٍّ من الياءِ والواوِ والأَلف عند بعضِهم، فهي تسعُ لُغَاتٍ، ذَكَرَها ابنُ عُصْفُورٍ وغيرُه، وبه تَعْلَم قُصورَ كلامِ المُصَنِّف.
  قلت: هذا الذِي ذكَره شيخُنا إِنما هُو في قولهم: تركتُه حاثِ باثِ، وحَوْثَ بَوْثَ، وحَيْثَ بَيْثَ - بالواو، والياءِ، والأَلف، مع التَّثْلِيثِ في آخِرِهِ - وأَما فيما نَحْنُ فِيهِ، فلم يَرِدْ فِيه إِلا حَوْثُ وحَيْثُ، ولم يرد حاثَ، ولم يَقُلْ أَحدٌ: إِن الأَلِفَ لغةٌ فيه، وسَنَذْكُرُ في ذلك كلامَ الأَئِمَّةِ. حتَّى يَظْهَرَ أَنّ ما ذكرَه شيخُنَا إِنّمَا هو تَحَامُلٌ فقط.
  ففي التكملة: حَيْثِ - مبنيّاً على الكسْر -: لُغَةٌ في الضمّ والفتح(٢).
  وفي اللسانِ: حَيْثُ: ظرفٌ مُبْهَمٌ من الأَمْكنَة، مضمومٌ، وبعضُ العربِ يَفْتَحُه، وزعموا أَنَّ أَصْلَها الواو، قال ابنُ سِيده: وإِنمَا قَلَبُوا الواوَ ياءً طلبَ الخفَّة، قال: وهذا غيرُ قَوِيٍّ.
  وقال بعضهم: أَجْمَعَتِ العربُ على رفع حيثُ في كل وَجْهٍ، وذلك أَنَّ أَصلَها حَوْثُ فقُلِبت الواو ياءً؛ لكثرةِ دُخُولِ اليَاءِ على الوَاو، فقيل: حَيْثُ، ثمّ بُنِيَتْ على الضَّمّ، لالتقاءِ السَّاكِنَينِ، واختِيرَ لها الضَّمُّ ليُشْعِرَ ذلك بأَن أَصلَهَا الواو، وذلك لأَنَّ الضَّمةَ مُجَانِسَةٌ للواوِ، فكأَنهم أَتْبَعُوا الضَّمَّ الضَّمّ(٣) قال الكِسَائِيّ: وقد يكون فيها النَّصْبُ يَحْفِزُهَا(٤) ما قبلَهَا إِلى الفَتْح.
  قال الكِسَائِيّ: سَمِعْتُ في بني تَميمٍ - من بَنِي يَرْبُوعٍ وطُهَيَّةَ - من يَنْصِبُ الثاءَ على كلِّ حالٍ: في الخفْضِ، والنصْبِ، والرفْع، فيقول: حَيْثَ الْتَقَيْنَا، ومن حَيْثَ لا يَعْلَمُون، ولا يُصِيبُه الرَّفْعُ في لُغَتِهم، قال: وسمعتُ في بني الحَارِثِ(٥) بنِ أَسَدِ بنِ الحارِثِ بنِ ثَعْلَبَةَ وفي بَنِي فَقْعَسٍ كُلِّهَا يَخْفِضُونَهَا في موضع الخَفْضِ، ويَنْصِبُونَها في موضع النَّصْب فيقول: من حيثِ لا يَعْلَمُونَ، وكَانَ ذلك حَيْثَ التَقَيْنَا.
  وحكى اللِّحْيَانيّ، عن الكِسَائيّ أَيضاً: أَنّ مِنْهُم مَن يَخْفِضُ بحيْثُ، وأَنشد:
  أَمَا تَرَى حَيْثُ سُهَيْل طَالِعَا
  قال: وليْسَ بالوَجْهِ.
  وقال الأَزْهَرِيّ - عن اللَّيْث: للعَرَبِ في حَيْثُ لُغَتَان: فاللُّغَةُ العَالِيَةُ حَيْثُ، الثَّاء مَضْمُومَةٌ، وهو أَداةٌ للرَّفْع يرفَعُ(٦) الاسم بَعدَهُ، ولُغَةٌ أُخْرَى حَوْثُ، روايةٌ عن العَرَبِ لبَنِي تَمِيمٍ: [يَظنّون حيثُ في موضع نَصْبٍ يقولون الْقَهُ حيثُ لَقِيتَه ونحو ذلك كذلك](٧).
  وقال ابنُ كَيْسَانَ: حَيْثُ حَرفٌ مبْنِيٌّ على الضَّمِّ وما بعدَهُ صِلَةٌ له، يرتفعُ الاسمُ بعدَه على الابتداءِ: كقولك: قُمْتُ حَيْثُ زَيدٌ قائِمٌ، وأَهلُ الكُوفَةِ يُجِيزُونَ حَذفَ قائم، ويرفَعُونَ بحيثُ زَيْداً، وهو صِلةٌ لها، فإِذَا أَظْهَرُوا قائماً بعدَ زيْدٍ أَجَازُوا فيه الوَجْهَيْنِ: الرفع، والنصْبَ [فَيرفعون الاسمَ أَيضاً وليس بِصِلَةٍ لها، ويَنصبون خَبَره ويرفعونه، فيقولون: قامت مقام صِفَتين، والمعنى: زيدٌ في مَوضع فيه عمرٌو.
  فَعَمْرٌو مُرْتَفِعٌ بفيه، وهو صِلَةٌ للموضِع، وزَيدٌ مرتفع بفي الأُولَى وهي خَبرُه، وليست بصِلةٍ لشيءٍ](٨).
  قال: وأَهلُ البَصْرَةِ يقُولون: حيثُ مُضَافَةٌ إِلى(٩) جُمْلَةِ فلذلك لم تَخْفِضْ وأَنشد الفرَّاءُ بيتاً أَجازَ فِيهِ الخَفْضَ(١٠).
  وقال أَبو الهَيْثَمِ: حَيْثُ(١١) من حروفِ المَوَاضِع، لا من
(١) جزمت الفعلين «حيثما تستقمْ وتقدّرْ ...».
(٢) قال في المغني ص ١٧٦: ومن العرب من يعرب حيث، وقراءة من قرأ (من حيثِ لا يعلمون) بالكسر تحتملها وتحتمل لغة البناء على الكسر.
(٣) عن اللسان، وبالأصل «للضم».
(٤) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله يحفزها، الحفز: الدفع من خلف كما في القاموس، وهو مجاز هنا».
(٥) في اللسان: في بني أسد بن الحارث بن ثعلبة.
(٦) في التهذيب: ترفع.
(٧) زيادة عن التهذيب.
(٨) زيادة عن التهذيب واللسان.
(٩) عن التهذيب، والعبارة بالأصل: «إلى الجملة لم يخفض لذلك».
(١٠) زيد في التهذيب:
«أما ترى حيثَ سهيلٍ طالعا
فلما أضافها فتحها كما يفعل بعند وخلفَ»
(١١) ثمة نقص هنا في أول كلام أبي الهيثم تستدركه من التهذيب وفيه: وقال أبو الهيثم: حيث ظرفٌ من الظروف يحتاج إلى اسم وخبر، وهي -