تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[حوج]:

صفحة 333 - الجزء 3

  لَقَدْ طَالَمَا ثَبَّطْتَنِي عَنْ صَحَابَتِي ... وعَنْ حِوَجٍ قِضَّاؤُهَا مِنْ شِفَائِيَا

  وَحَوائِجُ غيرُ قِيَاسِيٍّ، وهو رأْي الأَكثَرِ أَو مُوَلَّدَةٌ، وكان الأَصمعيّ يُنكرِه ويقول: هو مُوَلَّدٌ، قال الجَوهريّ، وإِنما أَنكَره بخُروجه عن القياس، وإِلّا فهو في كَثيرٍ من كلامِ العرب، وينشد:

  نَهَارُ المَرْءِ أَمْثَلُ حِينَ تُقْضَى⁣(⁣١) ... حَوَائجُهُ مِنَ اللَّيْلِ الطَّوِيلِ

  أَوْ كَأَنَّهمْ جَمَعُوا حَائِجَةً، ولم يُنْطَقْ به، قال ابن بَرِّيّ، كما زعمه النّحويُّونَ، قال: وذَكر بعضُهم أَنه سُمعَ حائِجةٌ لُغَةً في الحاجَة، قال: وأَمّا قولُه: إِنّه مُولَّد، فإِنه خَطأٌ منه، لأَنَّهُ قد جاءَ ذلك في حديثِ سيِّدِنا رسولِ الله، ، وفي أَشعارِ العربِ الفُصحاءِ.

  فممّا جاءَ في الحديث، ما رُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ أَنّ رسولَ الله قال «إِن للهِ عِباداً خَلَقَهم لحَوائِجِ النَّاسِ، يَفْزَعُ الناسُ إِليهم في حوائِجهم، أُولئكَ الآمِنُونَ يوم القِيامةِ» وفي الحديث أَيضاً أَنّ رسولَ الله، ، قال: «اطْلُبُوا الحَوائِجَ عِنْدَ⁣(⁣٢) حِسَان الوُجوهِ» وقال «اسْتَعِينوا علَى نَجاحِ الحَوائجِ بالكِتْمَانِ لها».

  ومما جاءَ في أَشعارِ الفُصحاءِ قول أَبي سَلَمَةَ المُحارِبِيّ:

  ثَمَمْتُ حَوَائِجي وَوَذَأْتُ بِشْراً ... فَبِئْسَ مُعَرِّسُ الرَّكْبِ السِّغَابِ⁣(⁣٣)

  وقال الشمّاخ:

  تَقَطَّعُ بَيْنَنَا الحَاجَاتُ إِلَّا ... حَوَائِجَ يَعْتَسِفْنَ مَعَ الجَرِيءِ

  وقال الأَعشى:

  النَّاسُ حَوْلَ قِبَابِهِ ... أَهْلُ الحَوَائِجِ والمَسَائِلْ

  وقال الفَرزدق

  وَلِيَ بِبِلَادِ السِّنْدِ عِنْدَ أَمِيرِهَا ... حَوَائجُ جَمَّاتٌ وعِنْدِي ثَوَابُهَا

  وقال هِمْيَانُ بنُ قُحَافَةَ:

  حَتَّى إِذَا ما قَضَتِ الحَوَائِجَا ... وَمَلأَتْ حُلَّابُها الخَلَانِجَا

  قال ابنُ بَرِّيّ: وكنت قد سُئِلت عن قَوْلِ الشيخِ الرَّئِيس أَبي محمد القَاسِمِ بن عليٍّ الحَرِيريّ في كتابِه دُرَّة الغَوّاص: إِن لَفظَةَ حَوَائجَ ممّا تَوهّمَ في استعمالِها الخَوَاصّ، وقال الحَريريُّ: لم أَسمع شاهداً على تَصحيح لفظةِ حَوائجَ إِلَّا بيتاً واحداً لبدِيع الزّمانِ، وقد غَلِطَ فيه، وهو قوله:

  فَسِيَّانِ بَيْتُ العَنْكَبُوتِ وجَوْسَقٌ ... رَفِيعٌ إِذا لمْ تُقْضَ فِيه الحَوَائجُ

  فأَكثرْتُ الاستشهادَ بشعْرِ العَرِبِ والحَدِيث، وقد أَنشدَ أَبو عمرِو بْنُ العلاءِ أَيضاً:

  صَرِيعَيْ مُدَامٍ مَا يُفَرِّقُ بَيْنَنَا ... حَوائجُ مِنْ إِلْقَاحِ مَالٍ ولا نَخْلٍ

  وأَنشد ابن الأَعرابيّ أَيضاً:

  مَنْ عَفَّ خَفَّ عَلَى الوُجوهِ لِقَاؤُهُ ... وأَخُو الحَوائجِ وَجْهُهُ مَبذُولُ

  وأَنشد ابنُ خَالَوَيه:

  خَلِيلِيَّ إِنْ قَامَ الهَوَى فَاقْعَدَا بِهِ ... لَعَنَّا نُقَضِّي مِنْ حَوَائِجِنا⁣(⁣٤) رَمَّا

  وقال: وممّا يَزِيد ذلك أَيضاحاً مَا قاله العُلماءُ قال الخليلُ في العينِ في فصل «راح»: يقال: يَوْمٌ رَاحٌ عَلَى التخفيفِ مِن رائحٍ بِطْرح⁣(⁣٥) الهمزةِ وكما خَفَّفُوا الحَاجَةَ مِن الحائِجةِ،


(١) الصحاح: حبن يُقضى.

(٢) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله عند الخ كذا في النسخ وهو المشهور، ووقع في اللسان المطبوع: اطلبوا الحوائج إلى».

(٣) قال ابن بري: ثممت أصلحت، وفي هذا البيت شاهد على أن حوائج جمع حاجة، قال: ومنهم من يقول جمع حائجة لغة في الحاجة.

(٤) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله لعنا، لعن لغة في لعلّ أدخلت عليها نا فحذفت إحدى النونات تخفيفاً».

(٥) عن اللسان، وبالأصل «فطرح» وشاهده قول أبي ذؤيب الهذلي:

وسود ماء المرد فاها فلونه ... كلون النؤور وهي أدماء سارُها

أي سائرها.