تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الصاد المهملة مع الحاء المهملة

صفحة 112 - الجزء 4

  والمِصْبَاح: السِّرَاج، وهو قُرْطُه الّذِي تَراه في القِنْدِيل وغيرِه. وقد يُطْلَق السِّرَاجُ على مَحلِّ الفَتِيلةِ مَجَازاً مشهوراً؛ قاله شيخُنَا. وقال أَبو ذُؤَيب الهُذليّ:

  أَمِنْكِ بَرْقٌ أَبيتُ اللَّيلَ أَرْقُبُه

  كأَنّهُ في عِراضِ الشّامِ مِصْبَاحُ⁣(⁣١)

  والمِصْبَاح من الإِبل: الّذِي يَبْرُك في مُعَرَّسه فلَا يَنْهض⁣(⁣٢) حتّى يُصْبح وإِنْ أُثِيرَ. وقيل: المِصْبَاح: النّاقَةُ الّتي تُصْبح في مَبْرَكِهَا لا تَرْعَى⁣(⁣٣) حتّى يَرتفِع النّهَارُ، وهو ممّا يُسْتَحبّ من الإِبل، وذلك لقُوَّتِهَا وسِمَنِها، جَمْعُه مَصابِيحُ.

  أَنشد ابن السِّيد في الفَرْق:

  مَصَابِيحُ لَيستْ باللَّوَاتِي يَقودُهَا

  نُجومٌ ولا بالآفلاتِ الدَّوالِكِ

  والمِصْباح: السِّنَانُ العَرِيض وأَسِنَّةٌ صَبَاحِيَّة. والمِصْباح: قَدَحٌ كَبِيرٌ، عن أَبي حَنيفةَ، كالمِصْبَح كمِنْبَر، في الأَربعة. وعلى الثّاني قولُ المُزَرِّد أَخي الشّمَّاخ:

  ضَرَبْتُ له بالسَّيْفِ كَوْمَاءَ مِصْبَحاً

  فشُبَّتْ عليها النّارُ فهْي عَقِيرُ

  والصَّبُوحةُ: النَّاقَةُ المحْلُوبةُ بالغَداةِ، كالصَّبوحِ، عن اللِّحْيَانيّ. وقد تَقَدّم ذِكْرُ الصَّبُوح آنِفاً. ولو قال هناك: كالصَّبُوحة، سَلِمَ من التَّكرار. وحكَى اللِّحْيَانيّ عن العرب: هذه صَبُوحِي وصَبُوحتَي.

  والصَّبَاحَةُ: الجَمَالُ، هكذا فَسّره غيرُ واحدٍ من الأَئمّة، وقَيّده بعضُ فقهاءِ اللُّغَة بأَنه الجَمالُ في الوَجْهِ خاصَّةً. ونقل شيخنا عن أَبي منصور: الصَّبَاحةُ في الوَجْهِ، والوَضَاءَةُ في البَشَرَة، والجَمال في الأَنْف والحَلاوةُ في العَيْن، والمَلاحَةُ في الفَمِ، والظَّرْفُ في اللّسَان، والرَّشاقَةُ في القَدّ، واللَّبَاقة في الشَّمَائل، وكَمالُ الحُسْنِ في الشَّعرِ.

  وقد صَبُحَ ككَرُمَ صَبَاحَةً: أَشْرَقَ وأَنارَ؛ كذا في المصباح. فهو صَبِيحٌ، وصُبَاحٌ، نقله الجوهَرِيّ عن الكِسَائيّ، واقتصر عليهما، وصُبّاحٌ، وصَبْحَانُ، كشَريفٍ وغُرَابٍ ورُمّانٍ وسكْرَانَ، وافقَ الّذِين يقولون فُعَالٌ الَّذِين يقولون فَعِيلٌ، لاعْتِقَابِهما كثيراً، والأُنثَى فيهما بالهاءِ والجمع صِبَاحٌ. وافقَ مُذَكَّرَه في التكسير، لاتفاقهما في الوَصْفِيّة. وقال اللّيث: الصَّبِيح: الوَضِيءُ الوَجْهِ.

  وَرَجلٌ صَبَحَانٌ، محرَّكَةً: يُعَجِّل الصَّبُوحَ، وهو ما اصْطُبحَ بالغَدَاةِ حاراًّ.

  وقَرِّبْ تَصْبِيحَنَا. وقَرَّبَ إِلى الضُّيُوفِ تَصَابِيحَهم، التَّصْبِيحُ الغَدَاءُ، وفي حديثِ المَبْعَثِ «أَنّ النّبيّ ÷ كان يَتِيماً في حِجْرِ أَبي طالبٍ، وكان يُقرَّبُ إِلى الصِّبْيَان تَصْبِيحُهم فيَخْتَلسون ويَكُفّ» وهو اسمٌ بُنِيَ على تَفْعِيلٍ، مثل التَّرْعِيب للسَّنامِ المُنْقَطع⁣(⁣٤)، والتَّنْبِيت اسمٌ لما يَنْبُت⁣(⁣٥) من الغرَاس، والتَّنْوِير اسمٌ لنَوْر الشَّجر.

  ويقال: صُبَّتْ عليهم الأَصْبَحِيَّة. الأَصْبَحيّ: السَّوْطُ، وهي السِّيَاطُ الأَصْبَحِيَّة، نِسْبَةٌ إِلى ذي أَصْبَحَ، لمَلِك من مُلوكِ اليَمنِ من حِمْيَر؛ قاله أَبو عُبيدَةَ. وذو أَصْبَحَ هذا، قِيلَ: هو الحارثُ بنُ عَوفِ بنِ زَيدِ بن سَدَدِ بن زُرْعةَ. وقال ابن حزمْ: هو ذو أَصْبَحَ⁣(⁣٦) مالِكُ بن زَيد بن الغَوْث من وَلدِ سَبَإِ الأَصغرِ، من أَجْدَادِ سيِّدنا الإِمامِ الأَقْدَمِ والهُمَامِ الأَكْرَمِ عالِمِ المدينة مالِكِ بنِ أَنَسٍ الفقيهِ، وجَدُّه الأَقْرَبُ أَبو عامرِ بنُ عَمْرِو بن الحارِثِ بن غَيْمَانَ⁣(⁣٧) الأَصبَحِيّ الحمْيَريّ، تابِعيّ. وذكر الحازميّ في كتاب النَّسب: أَن ذا أَصْبَحَ من كَهْلَان، وأَنّ منهم الإِمامَ مالكاً. والمشهور هو الأَوّلُ، لأَنّ كَهْلانَ أَخو حِمْيَر، على الصّحِيح، خلافاً للجوهَريّ، كما سيأْتي.

  واصْطَبَحَ: أَسْرَجَ، كأَصْبَحَ؛ وهذا من الأَساس⁣(⁣٨).

  والشَّمعُ مَّما يُصْطَبَح به، أَي يُسْرَجُ به. واصْطَبَحَ: شَرِبَ الصَّبُوحَ - وصَبَحه يَصْبَحُه صَبْحاً: سقاه صَبُوحاً - فهو مُصْطَبِحٌ، وقال قُرْط بن التَّوْأَم اليَشْكُريّ:


(١) ورد شاهداً في اللسان على تشبيه البرق بالمصباح. قال: فكأن البرق مصباح إِذ المصابيح إِنما توقد في الظلم.

(٢) في التهذيب: فلا يثور وإِن أثير حتى يصبح.

(٣) في الصحاح: «لا ترتعي». وفي اللسان فكالأصل.

(٤) في التهذيب واللسان والتكملة: المقطّع.

(٥) التهذيب واللسان والتكملة: نبت.

(٦) في جمهرة ابن حزم ص ٤٣٥ ذو أصبح واسمه الحارث بن مالك بن زيد ..

(٧) في جمهرة ابن حزم: عثمان.

(٨) عبارة الاساس: وأَصْبحْ لنا مصباحاً: أَسْرجه.