تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[قلفح]:

صفحة 177 - الجزء 4

  وأَقمَحَ أَقمَحَ السُّنْبُلُ: جَرَى فيه الدَّقِيقُ، تقول: قد جَرَى القَمْحُ في السُّنْبُل وقد أَقمَحَ البُرُّ. قال الأَزهَرِيّ: وقد أَنضَجَ ونَضِجَ.

  ومن المجاز: أَقمَحَ الغُلُّ الأَسِيرَ، إِذا تَرَكَ رأْسَه مَرفُوعاً لِضيقِه، فهو مُقْمَح، وذلك إِذا لم يَترُكه عَمودُ الغُلّ الذي يَنخُس ذَقَتَهُ أَن يُطأْطئ رأْسَه، كما في الأَساس. وقال ابن الأَثير: قوله تعالى: {فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ} هي كِنايةٌ عن الأَيدِي لا عنِ الأَعناقِ، لأَنّ الغُلّ يَجْعَل اليدَ تلي الذَّقنَ والعُنُقَ وهو مُقاربٌ للذَّقن. قال الأَزهريّ: وأَراد ø أَنّ أَيديَهم لما غُلّتْ عند أَعناقهم رَفعَت الأَغلالُ أَذقَانَهم ورؤسَهم صُعُداً كالإِبل الرّافعةِ رُؤُوسها.

  وشَهْرَا قُمَاحٍ، ككِتَاب وغُرَابِ: شَهْرَا الكانُونِ، لأَنَّهما يُكْرَه فيهما شُرْبُ الماءِ إِلّا عَلَى ثُفْلٍ، قال مالك بن خالدٍ الهُذَلّي:

  فَتًى ما ابْنُ الأَغرِّ إِذَا شَتَوْنَا

  وحُبَّ الزّادُ في شَهْرَيْ قُمَاحٍ

  رُوي بالوَجهين، وقيل سُمِّيَ بذلك لأَنّ الأَبِلَ فيهما تُقَامِحُ عن الماءِ فلا تَشْربُه. قال الأَزهريُّ: هُمَا أَشَدُّ ما يَكُونُ من البَرْدِ، سمِّيا بذلك لِكَراهَة كلِّ ذي كَبِد شُرْبَ الماءِ فيهما، ولأَنّ الإِبل لا تَشرب فيهما إِلّا تعذيراً، وقال شمِرٌ: يقال لشَهْرَيْ قُماح: شَيْبَانُ ومِلْحَانُ.

  والقِمْحَى والقِمْحَاة، بكسرِهما: الفَيْشَةُ، بالفَتْح، والقِمْحَانَةُ، بالكسر: ما بينَ القَمَحْدُوَةِ ونُقْرَةِ القَفَا.

  ومن المجاز قَمَّحَهُ تَقميحاً، إِذا دفعَه بالقَلِيل عَنْ كثيرٍ مما يَجِبُ له. كما يفعل الأَميرُ الظالمُ بمن يَغْزُو معه، يَرْضَخُه أَدنى شيْءٍ ويَستأْثر عليه بالغَنِيمَة. كذا في الأَساس⁣(⁣١).

  والقامحُ: الكَارهُ للماءِ لأَيَّةِ عِلَّةٍ كانت، كالعِيافة له، أَو قِلّة ثُفْلٍ في جَوْفه أَو غيرِ ذلك مّما ذكرَ.

  وعن الأَزهريّ: قال الليث: القامِح من الإِبلِ ما اشْتَدّ عَطشُه حتّى فَتَرَ شَديداً. وبَعيرٌ مُقمَحٌ وقد قَمَحَ يَقْمَحٌ من شِدّة العَطش قُموحاً، وأَقْمحَه العَطشُ فهو مُقمَح. قال الله تعالى: {فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ}: خاشعون لا يَرفَعُون أَبصارَهم.

  قال الأَزهريّ: كلُّ ما قالَه الليَّث في تفسير القَامح والمُقَامِحِ، وفي تفسير قوله ø {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} فهو خَطأٌ، واهل العربيّة والتفسيرِ على غيرِه. فأَمّا المُقامِح فإِنّه رُوِي عن الأَصمعيّ أَنه قال⁣(⁣٢): بعيرٌ مُقَامِحٌ وناقَةٌ مُقَامِحٌ، إِذَا رَفَعَ رأْسَه عن الحَوْضِ ولم يَشْرَبْ وجمعه قِمَاحٌ. وروي عن الأَصمعيّ أَنّه قال: التَّقَمُّح: كراهَةُ الشُّرْب قال وأَما قوله تعالى {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} فإِنّ سَلمةَ روَى عن الفرّاءِ أَنّه قال: المُقْمَح الغاضُّ بصرَه بعد رَفْعِ رأْسه. وقد مرّ شيءٌ منه.

  واقْتَمَحَ البُرُّ: صار قَمْحاً نَضِيجاً هكذا في سائر النسخ، والذي في اللسان وغيره: أَقمَحَ البُرُّ، كما تقول أَنضَجَ، صَرَّحَ به الأَزهريّ وغيرُه، فلينظر ذلك.

  واقتَمحَ النَّبِيذَ والشَّرَابَ واللَّبنَ والماءَ: شَرِبَه كقَمِحَه.

  وقال ابن شُميل: إِنّ فُلاناً لقَمُوحٌ للنَّبِيذ، أَي شَرُوبٌ له.

  وإِنّه لقَحُوفٌ للنَّبيذ. وقَمِحَ السّوِيقَ قمْحاً، وأَمّا الخُبْز والتّمر فلا يقال فيهما قَمِحَ، إِنّمَا يُقَال القَمْحُ فيما يُسَفّ.

  وفي الحديث «أَنّه كانَ إِذا اشتَكَى تَقَمَّحَ كَفًّا من حَبَّةِ السَّوداء».

  * ومما يستدرك عليه:

  قال اللَّيْث: يقال في مثَلٍ «الظمأُ القَامح خيرٌ من الرِّيِّ الفاضِح». قال الأَزهريّ: وهذا خلافُ ما سمِعناه من العرب، والمسموع منهم: «الظمأُ الفادِحُ خير من الرِّيِّ الفاضِح» ومعناهُ العطش الشّاقّ خيرٌ من رِيٍّ يفضَح صاحبَه.

  وقال أَبو عُبَيْدٍ في قول أُمِّ زَرْع: «وعِندَه أَقُولُ فلا أقَبَّح، وأَشرَبُ فأَتقمَّح»، أَي أروى حتّى أَدَعَ الشُّرْبَ. أَرادَتْ أَنّهَا تَشْرب حتّى تروَى وتَرْفَعَ رَأْسَهَا. ويُرَوَى بالنُّون. قال الأَزهَريّ: وأصْل التقَمُّح في الماءِ، فاستعارَتْه للّبَنِ، أرادَت أَنَّهَا تَرْوَى من اللبَن حتى تَرفَع رأْسَها عن شُرْبِه كما يَفْعَلُ البَعِيرُ إِذا كرِهَ شُرْبَ الماءِ.


(١) عبارة الأساس: كما يفعل الأمراء الظلمة بمن يغزو معهم يرضخونه أدنى شيء أو يستأثرون بالغنائم.

(٢) كذا بالأصل واللسان، وفي التهذيب: فأما المقامح فإِن الإِيادي أقرأني لشمر عن أبي عبيد عن الأصمعي أنه قال.