تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[أحد]:

صفحة 330 - الجزء 4

  المؤنّث بالتاءِ لكنّه جُمِعَ به المؤنَّث بالأَلف حَمْلاً لها على أُختها، أَو يُقدَّر له مُفرَد مُؤنّث بهاءٍ، كما حَقّقَه السُّهَيليّ في ذِكرَى وذِكَرِ.

  وفُلانٌ أَحَدُ الأَحَدِينَ، محرّكةً فيهما، وواحِدُ الأَحَدِينَ، هكذا في النُّسخ، والّذِي في نُسخةِ شيخِنا: واحِدُ الواحِدينَ. وفي التكملة: واحدُ الإِحَدِين بكسْرٍ ففتْح. وهما جمْع أَحَدٍ وواحدٍ وأَنشد قول الكُميت:

  وقدْ رَجَعُوا كحَيٍّ واحِدِينا⁣(⁣١)

  وسُئلَ سُفيانُ⁣(⁣٢) الثَّوْرِيُّ عن سفيانَ بنِ عُيينةَ قال: ذاك أَحَدُ الأَحَدِينَ. قال أَبو الهَيثم: هذا أَبلغُ المَدْح. قال ثمّ الظّاهر أَنَّ هذا الجمعَ مستعملٌ للعُقَلاءِ فقط، وفي شروح التّسهيل خِلافه، فإِنّهم قالوا في هذا التركيب: المرادُ به إِحدَى الدواهي، لكنّهم يَجمعُونَ ما يَستعظمونه جمْع العقلاءِ، ووَجْهُه عند الكوفيّين: حتّى لا يُفرَّقَ بينَ القِلَّة والكثْرة. وفي اللُّباب: ما لا يَعقِل يُجمَع جمْع المذكَّرِ في أَسماءِ الدَّواهِى، تنزيلاً له مَنزِلة العُقَلاءِ في شِدَّة النِّكاية، وواحِدُ الآحادِ، وإِحْدَى الإِحَدِ، هو كالسابِق إِلّا أَن ذاك في الدَّواهِي وهذا في العاقِل الّذِي لا نَظير له. وضبطوه بالوجهين كما مَرّ. قال رجلٌ من غَطفَان.

  إِنّكُمُ لنْ تَنْتَهوا عن الحَسَدْ

  حتَّى يُدَلِّيكُم إِلى إِحْدَى الإِحَدْ

  وتَحْلُبُوا صَرْماءَ لم تَرْأَمْ وَلَدْ

  قال شيخنا: ولم يُفرِّقوا في الإِطلاق ولا في الضَّبط، بل هو بالوجهَين في الدَّواهِي ومَنْ لا نَظير له من العقَلاءِ، والفرْق بينهما من الكلام كما سيأْتي بيانُه. أَيْ لا مِثْلَ له، وهو أَبْلَغُ المدْحِ، لأَنّه جَعلَه داهِيَةً في الدَّواهِي ومُنفرِداً في المنفرِدين، ففضَّله على ذوِي الفضائل لا على المطلَق مع إِبهامِ إِحدَى وأَحَد الدّال على أَنّه لا يَدرِي كُنْهَه. قال الدّمامينيّ في شرح التسهيل: الّذي ثبتَ استعمالُه في المدْح أَحَد وإِحدى مضافَين إِلى جمْعٍ من لَفظهما كأَحد وأَحدِين، أَو إِلى وَصْف، كأَحدِ العلماءِ، ولم يُسمع في أَسماءِ الأَجناس، انتهى. قال ابن الأَعرابيّ: قولهم ذاك أَحَدُ الأَحدِين أَبلغُ المدْح. ويقال: فلانٌ وَاحدُ الأَحدِين، وواحدُ الآحادِ. وقولهم هذا إِحدَى الْآحَادِ، قالوا: التأْنيث للمبالَغة بمعنَى الدّاهيةِ، كذا في مجمع الأَمثال. وفي المحكم: وقوله:

  حتَّى استثارُوا بيَ إِحدى الإِحَدِ

  لَيثاً هِزَبراً ذا سِلاحٍ مُعتدِي

  فسَّره ابن الأعرابيّ بأَنه واحدٌ لا مِثْلَ له.

  والفرْق بين إِحدَى الإِحَد هذا وإِحدَى الإِحدِ السابقِ بالكلام، تقول: أَتَى بإِحْدَى الإِحَدِ، أَي بالأَمْرِ المُنْكَرِ العظيمِ، يقال ذلك عند تَعظيم الأَمرِ وتهويلِه، ويقال فلان إِحْدَى⁣(⁣٣) الإِحَدِ، أَي واحدٌ لَا نظيَر له، قال ابن الأَعرابيّ، فلا فَرْقَ في اللّفظ ولا في الضّبط، وبه تَعلم أَنّه لا تَكرارَ، لأَنّ الإِطلاقَ مختلِفٌ، فهو كالمشترَك، لأَنّه هنا أُريدَ بِه العُقَلاءُ، وهو غير ما أَريدَ به في الأَمْرِ المتفاقِم، وأَنّثوه حَمْلاً على الدّاهِية، فكأَنّه قيل: هو داهِيَةُ الدَّوَاهِي.

  والدَّاهِيَة من الدّهَاءِ وهو العَقْل، أَو ممزوجاً بمكْر وتَدبيرٍ، أَو من الدّاهيَة المعروفَة، لأَنّه يُدْهشُ مَن يُنازِلُه، كذا في شروح الفصيح. قال الشِّهَاب: وظَنّ أَبو حَيَّانَ أَنَّ أَحدَ الأَحَدِينَ وَصْفُ المذكَّرِ وإِحدَى الإِحَدِ وَصْفُ المؤنَّثِ، ورَدَّه الدّمامينيّ في شرْح التَّسهيل. قال في التسهيل: ولا يُستعمل إِحدَى من غير تَنْيِيف دون إِضافَةٍ، وقد يقال لما يُسْتعظَم مما لا نَظيرَ له: هو إِحدَى الأَحَدِين وإِحْدَى الإِحَدِ. قال شيخنا: وهذا لعلّه أَكثرِيٌّ وإِلّا فقد وَرَدَ في الحديث «إِحدى مِن سَبْعٍ»، وفسّروه بلَيالِي عادٍ، أَو سِنِي يُوسفَ #، كما في الفائق وغيره. قلت: وهو في حديث ابن عبّاس ®، وبُسِطَ في النهاية.

  وأَحِدَ، كسَمِعَ: عَهِدَ، يقال: أَحِدْتُ إِليه، أَي عَهِدْت.

  وأَنشد الفرَّاءُ:

  سارَ الأَحِبَّةُ بالأَحْد الّذي أَحِدُوا⁣(⁣٤)

  يريد بالعَهْد الذي عَهِدوا، كما في اللّسان في وح د.

  قال الصّاغانيّ: قَلَبُوا العَيْن هَمزةً والهاءَ حاءً، وحُرُوف


(١) روايته في التهذيب (وحد):

فردّ قواصي الأحياء منهم

فقد أضحوا كحيٍّ واحدينا

(٢) في التهذيب: «وسئل سفيان بن عيينة فقال: ...».

(٣) عن التهذيب، وبالأصل: أحد.

(٤) البيت للراعي النميري، ديوانه ص ٥٤ من قصيدة يمدح عبد الملك بن مروان ويشكو السعاة وروايته فيه:

بان الأحبة بالعهد الذي عهدوا

فلا تمالك عن أرض لها عمدوا