تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الباء الموحدة مع الدال المهملة

صفحة 342 - الجزء 4

  وكَلَمُنْ، بالضبط السابق رَئيسُهم، وقد رُوِي أَنّهم كانوا مُلوك مَدْيَنَ، كما قيل. وفي رَبيعِ الأَبرار للزَّمخشريّ: أَنّ أَبا جَادَ كان مَلِكَ مَكّة، وهَوَّز وحُطِّي بِوَجَّ من الطَّائف، والبَاقِين بِمَدْيَنَ. وقيل: بل إِنّهَا أَسماءُ شَياطينَ، نقلَه سحنونُ عن حَفْص بن غَياثٍ. وقيل: أَولاد سابورَ، وقيل غير ذلك. وهم أَوَّلُ ما وَضَعُوا الكتابَةَ العربيَّةَ على عَدَدِ حُرُوفِ أَسمائِهِم، وقد رُوِيَ عن عبد الله بن عَمْرو بن العاص وعُروةَ بن الزُّبير أَنَّهما قالا: أَوّل مَن وَضَعَ الكِتَابَ العَربيَّ قَومٌ من الأَوائل نَزَلوا في عَدنانَ بن أُدَدَ واستَعْرَبُوا، وأَسماؤُهم: أَبجد وهوَّز وحُطِّي وكَلَمن⁣(⁣١) وسَعْفَص وقَرشَتْ، فوضَعوا الكِتَاب العَربيَّ على أَسمائهم. وهكذا ذكره أبو عبد الله حمزةُ بن الحَسَن الأَصفهَانيّ قال: وقد رُوِيَ أَنَّهُم هَلَكُوا يوم الظُّلَّة مع قَوْم شُعَيْبٍ #، فقَالَتِ ابنةُ كَلَمُنْ، محرَّكَةً، وقيل بالضّمّ، ويقال بسكون الميم مع التّحريك، ومنهم من ضبطه بالواو بعد الميم. وفي أَلف باللبلويّ أَنّها أُخْت كلمن، ترثيه، وفي التكملة: تُؤبِّنه:

  كَلُمْنَ هَدَّمَ رُكْنِي

  وفي أَلف با:

  ابن أُمِّي هَدَّ رُكني⁣(⁣٢).

  هُلْكُه وَسْطَ المحَلَّةْ

  سيِّدُ القَوْمِ أَتَاه ال

  حَتْفُ ناراً وسْطَ ظُلَّه

  جُعلَتْ نَاراً عليْهِمْ⁣(⁣٣)

  دارَهمْ كالمُضمَحِلَّهْ

  وقال رجلٌ من أَهل مَدْينَ يَرثيهم⁣(⁣٤):

  أَلا يَا شُعِيبُ قدْ نَطَقْتَ مَقَالَةً

  سَبَقْتَ بها عَمْراً وَحيَّ بني عَمْرِو

  مُلُوك بنِي حُطِّي وهَوَّازُ منهُمُ

  وسَعْفَصُ أَهْلٌ في المكارمِ والفَخْرِ

  هُم صَبَّحُوا أَهلْ الحجازِ بغارةٍ

  كمِثْلِ شُعاعِ الشّمْس أَو مَطْلَع الفَجْرِ

  وفي شرح شيخنا: ويذكر أَنَّ عُمر بنَ الخطاب ¥ لِقيَ أَعرابياًّ فقال له: هل تُحسِن أَن تقرأَ⁣(⁣٥) الْقرآن؟

  قال: نعم. قال: فاقْرَأْ أُمَّ القرآن. فقال: واللهِ ما أُحسِنُ البنات فكيف الأُمّ. قال: فضَرَبَه ثم أَسلَمهُ إِلى الكُتّاب فمكَثَ فيه [حينا]⁣(⁣٦) ثم هَرَب وأَنشأَ يقول:

  أَتيتُ مهاجرِينَ فعلَّمُوني

  ثلَاثَةَ أَسطُرٍ مُتتابعاتِ

  كتابَ الله في رَقٍّ صَحيحٍ

  وآياتِ القُرَان مفصَّلات

  فخَطُّوا لي أَبَا جَادٍ وقالوا:

  تَعلَّمْ سَعْفَصاً وقُرَيِّشاتِ⁣(⁣٧)

  وما أَنَا والكتَابَةَ والتَّهجِّي

  وما حَظُّ⁣(⁣٨) البَنينَ من البناتِ

  ثم وَجَدُوا بعدَهُمْ أَحْرفاً ليستْ من أَسمائهم، وهي الثاءُ والخاءُ والذال والضاد⁣(⁣٩) والظاءُ والغين، يجمعها قولك ثَخَذْ، محرَّكَةً ساكِنَة الآخِر، ضَظَغْ، بالضَّبط المذكور، وفي بعض الروايات، ظَغَشْ، بالشين بدل الغين فسمَّوهَا الرَّوادف.

  وقال قُطرُب: هو أَبو جاد، وإِنّما حُذفت وَاوه وأَلفه لأَنّه وُضِعَ لدلالة المتعلّم. فكُره التَّطويلُ والتّكرار وإِعادة المِثْل مرّتين، فكتبوا أَبجد بغير واوٍ ولا أَلف، لأَنّ الأَلف في أَبجد والواو في هوّز قد عُرِفَت صُورتُهما، وكل ما مَثِّل من الحروف استُغْنِيَ عن إِعادَتْه. كذا في التكملة وقد سَرَدَ نصَّ هذه العبارة أَبو الحجّاج البَلويُّ في أَلف با أَيضاً.

  ثم الاختلاف في كونها أَعجميّات أَو عَربِيّاتٍ كثير، فقيل إِنّها كلّها أَعجميّات، كما جَوَّزه المبرّد، وهو الظاهِر، ولذلك قال السِّيرافيّ: لا شكّ أَنّ أَصلهَا أَعجميّة، أو بعضها


(١) ضبطت في التكملة بفتحات.

(٢) في ألف باء البلوي ١/ ٧٥:

كلمون هدّ ركني

(٣) في التكملة:

جَعَلت نارٌ عليهم ..

(٤) الأبيات في ألف باء البلوي ١/ ٧٥.

(٥) عند البلوي: تقرأ شيئاً من القرآن.

(٦) زيادة عن البلوي.

(٧) البلوي: وقريشيات.

(٨) البلوي: خط.

(٩) عند البلوي: والشين بدل والضاد. وبهامش المطبوعة المصرية: «قوله ظغش الصواب ضطش بدليل قوله بالشين بدل الغين».