تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الشين المعجمة مع الهمزة

صفحة 189 - الجزء 1

  القلَّة. الرابع أَنها تُجمَع على أَشَاوَى، وأَفعِلَاء لا يُجْمع على أَفاعلَ، ولا يلزمُ سِيبويهِ من ذلك شَيْءٌ، لأَنّ مَنْعَ الصَّرْفِ لأَجلِ التأْنِيثِ، وتصغيرُها على أُشَيَّاء لأَنها اسمُ جَمْعٍ لا جَمْعٌ، وجَمْعُهَا على أَشَاوَى لأَنها اسمٌ على فَعْلَاءَ فيُجمع على فَعَالَى كصحارٍ أَو صَحَارَى⁣(⁣١)، انتهى.

  قلت: قوله ولا يلزم سيبويهِ شيءٌ من ذلك على إِطلاقه غير مُسَلّم، إِذ يَلزمه على التقرير المذكور مثلُ ما أَورد على الفرّاء من الوجه الثاني، وقد تقدم، فإِن اجتماع هَمزتين بينهما أَلف واقعٌ في كلامِ الفُصحاء، قال الله تعالى: {إِنّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ}⁣(⁣٢) وفي الحديث: «أَنا وأَتْقِياءُ أُمَّتي بُرَآءُ من التَكلُّف» قال الجوهري: إن أَبا عُثمَانَ المازِنيَّ قال لأَبي الحسن الأَخفشِ: كيف تُصَغِّر العَربُ أَشياءَ؟ فقال: أُشَيَّاءَ، فقال له: تَركتَ قولَك، لأَن كلَّ جَمْع كُسِّر على غيرِ واحدِه وهو من أَبنِيَة الجمْعِ فإِنه يُرَدُّ بالتصغير إلى واحده، قال ابنُ برِّيّ: هذه الحكاية مُغَيَّرة، لأَن المازنيّ إِنما أَنكر على الأَخفش تَصغير أَشياء، وهي جَمْعٌ مُكَسَّرٌ للكثير من غيرِ أَن يُرَدَّ إِلى الواحد، ولم يقل له إِن كلَّ جمع كُسِّر على غيرِ واحدِهِ، لأَنه ليس السَّببُ المُوجِبُ لردِّ الجمع إِلى واحده عند التصغير هو كَوْنه كُسِّر على غير واحده، وإِنما ذلك لكونه جَمْعَ كثرة لا قِلَّة.

  وفي هذا القدْرِ مَقْنَعِ للطالب الراغبِ فتأَمَّلْ {وَكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ}، وبعد ذلك نَعود إِلى حَلِّ أَلفاظ المَتْن، قال المؤلف:

  والشَّيِّآنُ⁣(⁣٣) أَي كَشَيِّعَان تَقَدَّم ضبطُه ومعناه، أَي أَنه واوِيُّ العين ويائِيُّها، كما يأْتي للمؤلف في المعتَلّ إِيمَاء إِلى أَنه غير مهموز، قاله شيخُنا، ويُنْعَت به الفَرسُ، قال ثَعْلَبَةُ بن صُعَيْرٍ:

  ومُغِيرَة سَوْمَ الجَرادِ وَزَعْتُها ... قَبْلَ الصَّبَاحِ بِشَيِّآن ضَامِرِ

  وأَشاءَهُ إِليه لُغة في أَجاءَه أَي أَلْجَأَهُ، وهو لُغة تَميمٍ يقولون: شَرٌّ ما يُشِيئُكَ إِلى مُخَّةِ عُرْقُوبٍ، أَي يُجِيئُك ويُلْجِئُك، قال زُهَيْر بن ذُؤَيْب العَدَوِيُّ:

  فَيَالَ تَمِيمٍ صَابِرُوا قَدْ أُشِئْتُمُ ... إِلَيْهِ وكُونُوا كالمُحَرِّبَةِ البُسْلِ

  والمُشَيَّأُ كمُعَظَّم هو المُخْتَلِف الخَلْقِ المُخْتَلّةُ⁣(⁣٤) القبيح، قال الشاعر:

  فَطَيِّئٌ مَا طَيئٌ مَا طَيِّئ ... شَيَّأَهُمْ إِذْ خَلَقَ المُشَيِّئ

  وما نقله شَيخُنا عن أُصول المحكم بالباء الموحَّدة المُشدَّدة وتَخفيف اللام فتصحِيفٌ ظاهرٌ، والصحيح هو ما ضَبطناه على ما في الأُصول الصحيحة وجدناه، وقال أَبو سعيد: المُشَيَّأُ مثلُ المُوَبَّنِ، قال الجعديُّ:

  زَفِيرَ المُتِمِّ بِالمُشَيَّإِ طَرَّقَتْ ... بِكَاهِلِهِ ممَّا يَرِيمُ المَلَاقِيَا

  ويَا شَيْءَ: كَلِمَةٌ يُتَعَجَّبُ بِهَا قال:

  يَا شَيْءَ مَالِي! مَنْ يُعَمَّرْ يُفْنِهِ ... مَرُّ الزَّمانِ عَلَيْهِ والتَّقْليبُ

  ومعناهُ التأَسُّفُ على الشيءِ يفوت وقال اللِّحيانيُّ: معناه: يا عَجَبي، و «ما» في موضع رفعٍ تَقولُ: يا شَيْءَ مَالِي، كَيا هَيْءَ مالِي، وسيأْتي في باب المعتلّ إن شاءَ اللهُ تعالى نظراً إِلى أَنَّهما لا يهمزان، ولكن الذي قال الكسائي يا فَيَّ مَالِي ويَا هَيَّ مالِي، لا يُهْمَزَانِ، ويا شيءَ مالي⁣(⁣٥) يُهْمَز ولا يُهمز، ففي كلام المؤلّف نظرٌ، وإِنما لم يذكر المؤلف يا شَيَّ مالي في المُعتل لما فيه من الاختلاف في كونه يُهمز ولا يُهمز، فلا يَرِد عليه ما نَسبه شيخُنا إلى الغَفْلَة، قال الأَحمر: يا فَيْءَ مالي، ويا شَيءَ مالي، ويا هَيْءَ مالي معناه كُلِّه⁣(⁣٦) الأَسف والحُزن والتَلهُّف، قال


(١) بهامش المطبوعة المصرية: على فعال كصحار لعله فيجمع على فعالِي أو فعالَى كصحاري أو صحارى.

(٢) سورة الممتحنة الآية ٤.

(٣) في نسخة: والشِّيِّئان.

(٤) في اللسان: «المخبّلة» وفي الجمهرة: ورجل مشيأ: قبيح الخلقة لو رأيته تقول شيأ الله وجهه. قال الراجز:

إن بني فزارة بن ذبيان ... قد طرقت قلوصهم بانسان

مشيّأ أعجب بخلق الرحمان.

(٥) بالأصل «ويا شي» وما أثبتناه يوافق اللسان.

(٦) بالأصل دون همزات، أثبتنا ما وافق اللسان.