تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[شرد]:

صفحة 43 - الجزء 5

  وقوله تعالى، {وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ}⁣(⁣١) أَي اطْبَع على قلوبهم.

  والشِّدَّةُ: المَجَاعَةُ. والشَّدَائِدُ الهَزاهِزُ. والشِّدَّة: صُعوبَةُ الزَّمنِ، وقد اشْتَدَّ عليهم. والشِّدَّة والشَّدِيدَة⁣(⁣٢): من مكارِهِ الدَّهْر، وجمعها شدائِدُ، فإِذا كان جمْع شديدة فهو على القياس، وإِذا كان جمْع شِدَّة، فهو نادر.

  وشِدَّةُ العَيْش: شَظَفُه.

  وفي المثل: «رُبَّ شَدٍّ في الكُرْز» وذلك أَن رَجلاً خَرجَ يَرْكُضُ فَرَساً له، فَرَمَت بِسَخْلَتِها، فأَلْقَاهَا في كُرْزٍ بين يَدَيْهِ، وهو الجُوَالِق، فقال له إِنسان: لِمَ تَحْمِلُه؟ ما تَصنَع به؟ فقال: «رُبَّ شَدٍّ في الكُرْزِ» يقول هو سَرِيعُ الشَّدِّ كَأُمِّه، يُضرَب للرجلِ يُحْتقَر عندك، وله خَبَرٌ قد علِمْتَه أَنت.

  قال سيبويْه: وقالوا: أَشَدَّ⁣(⁣٣) ما أَنَّك ذاهِبٌ، كقولِك: حَقًّا أَنَّك ذاهِبٌ، قال. وإِن شِئت جَعلْت شَدَّ بمنزلةِ نعْمَ، كما تقول. نِعْمَ العَمَلُ أَنَّك تَقولُ الحَقَّ. وقال أَبو زيد: خِفْت شُدَّى فُلانٍ، أَي شِدَّتَه، وأَنشد.

  فإِنّي لا أَلِينُ لِقَوْلِ شُدَّى ... ولو كانتْ أَشَدَّ من الحَدِيدِ

  والأَشَدُّ: لَقَبُ عَمرو بن أُهْبَان بن دِثَار بن فَقْعَصٍ الأَسديّ، جاهليّ.

  وفي حديث قِيام شهرِ رمضانَ: «أَحيا⁣(⁣٤) اللَّيْلَ وشَدَّ الْمِئْزَرَ»، هو كِنايةٌ عن اجتنابِ النِّساءِ، أَو عن الجِدّ والاجتهادِ في العَمَل، أَو عنهما معاً. وتَشدَّدت القَيْنَة، إِذا جَهَدَتْ نَفْسَها عندْ رفْعِ الصَّوْتِ بالغِنَاءِ، ومنه قول طرفة:

  إِذا نَحْنُ قُلْنَا أَسْمِعِينَا انْبَرتْ لَنا ... عَلَى رِسْلِهَا مَطْروقَةً لم تَشَدَّدِ

  وبنو شَدَّادِ وبنو الأَشدِّ: بَطْنانِ.

  والأَشِدَّاءُ: بَطْنٌ من آلِ عليّ بن أَبي طالبٍ.

  * ومما يُستدرك عليه:

  [شجرد]: شاجِرْدَى. وقد جاءَ في شعر الأَعشى:

  وما كنتُ شاجِرْدَى ولكِنْ حَسِبْتُني⁣(⁣٥) ... إِذا مِسْحَلٌ سَدَّى ليَ القَوْلَ أَنْطِقُ

  شَرِيكَانِ فيمَا بَينَنا من هَوَادَةٍ ... صَبِيَّانِ جِنِّيٌّ وإِنْسٌ مُوَفَّقُ

  قال البكريُّ: ورواه أَبو عبيدة: شاقِرْدَى، وهو المتعلِّم.

  ومِسْحَلٌ: شيطانُه وحَسِبْتُنِي هنا بمعنى اليقين، أَورده شيخُنا هكذا. واستدركه في آخِرِ المادة.

  قلت: وهو معرَّب عن شاكِرْد، بكسر الكاف، بالفارسية، وهو المتعلِّم.

  [شرد]: شَرَدَ البعيرُ والدّابَّةُ يَشردُ شَرْداً، وشُروداً، كقُعُود، وشُرَاداً، كغُرَاب، وشِرَاداً، بالكسر: نَفَرَ، فهو شارِدٌ وشَرُودٌ، كصَبُورٍ، في المذكَّر والمؤَنَّث ج شَرَدٌ وشُرُدٌ، كخَدَمٍ وَزُبُر، في خادِمٍ وزَبُور، قال:

  ولا أُطِيقُ البَكَرَاتِ الشَّرَادَ

  قال ابن سيده: هكذا رواه ابنُ جِنِّي: «شَرَدا»، على مثال عَجَلٍ وكُتُبٍ، استَعْصَى وذَهَب على وَجْهه.

  وفي الصّحاح: وجمع الشَّرُود: شُرُدٌ، مثْلَ زَبُور وزُبُر.

  وأَنشد أَبو عُبَيْدةَ لعبدِ مَناف بن رِبْع الهُذَلِيّ:

  حَتّى إِذا أَسْلكُوهُمْ في قُتَائِدَةٍ ... شَلٌّا كما تَطْرُدُ الجَمَّالَةُ الشُّرُدَا

  ويُروَى: الشَّرَدا.

  وفَرسٌ شَرُودٌ، وهو المستعصِي على صاحِبه.

  وفي الحديث: «لتَدْخُلُنَّ الجَنَّةَ أَجمَعُون أَكْتَعُونَ إِلَّا مَن شَرَدَ عَلَى الله» أَي خَرجَ عن طاعته، وفارقَ الجَماعَةَ.

  وشَرَدَ الرَّجلُ شُرُوداً: ذَهَبَ مَطْروداً، والتَّشْرِيدُ: الطَّرْدُ، والتَّفْرِيقُ، وقوله ø {فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ}⁣(⁣٦) أَي فَرِّق وبَدِّد جَمْعَهم. وقال الفرَّاءُ: نَكِّل بهم مَنْ خَلْفَهم مِمَّن تَخَافُ نَقْضَه للعَهْدِ، {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} فلا يَنْقُضون العَهْدَ.


(١) سورة يونس الآية ٨٨.

(٢) عن اللسان وبالأصل «والشديد».

(٣) في اللسان: شَدّ.

(٤) عن النهاية وبالأصل: إحياء.

(٥) عن الديوان، وبالأصل «حسبتي».

(٦) سورة الأنفال الآية ٥٧.