تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[صخد]:

صفحة 51 - الجزء 5

  لمعروفُ في اللُّغَة. قال: وَيَتَّجِه عندي قَوْلُ الكِسَائيِّ على مَذْهَبِ مَن يَرى أَنَّ قولَهُم: مُشَيَّدة: مُجَصَّصة بالشِّيد، فيكون مُشَيَّدٌ ومَشِيدٌ بمعنى، إِلَّا أَنَّ مَشِيداً لا تَدخلُه الهاءُ للجماعةِ فيقالَ⁣(⁣١) قُصُورُ مَشِيدةٌ، وإِنَّمَا يقالُ: قُصورٌ مُشَيَّدَةٌ، فيكون من باب ما يُسْتَغْنَى فيه عن اللفظة بغيرِها، كاستغنائِهم بتَرَك عن وَدَعَ، وكاستغنائهم عن واحِدةِ المَخَاضِ بقولهم: خَلِفَة، فعلَى هذا يَتَّجِهُ قولُ الكسائيّ.

  وقال الفرّاءُ: يشدَّد ما كان في جَمْعٍ، مثل قولك: مررت بثياب مُصَبَّغة، وكِباش مُذَبَّحةٍ، فجاز التشديد، لأَن الفعل مُتَفَرِّقٌ في جَمْعٍ، فإِذا أَفْردتَ الواحِدَ من ذلِك، فإِن كان الفعلُ يَتردَّد في الواحِدِ ويكثُر، جاز فيه التشديدُ والتخفيفُ، مثل قولك: مررت برجلٍ مشَجَّجٍ⁣(⁣٢)، وبثَوبٍ مُخَرَّقٍ، وجاز التشديدُ، لأَن الفعلَ قد تَردَّد فيه وكَثُرَ، ويقال: مَررْت بكبْش مَذْبُوحٍ، ولا تقل: مُذَبَّح. فإِن الذَّبْح لا يَتردَّدُ كتَرَدُّد التَّخَرُّقِ. وقوله: وقَصْر مَشِيد يجوز فيه التشديدُ، لأَن التَّشْيِيد بِنَاءٌ، والبِنَاءُ يَتطاوَلُ ويَتَرَدَّدُ. ويُقَاسُ على هذا ما ورد. كذا في اللِّسَان.

  ومن المَجَاز: الإِشادةُ: رَفْعُ الصَّوتِ⁣(⁣٣) بما يَكْرَهُ صاحِبُه، وهو شِبْه التَّنْديد؛ كما قالَهُ اللَّيْثُ. ويقال: أَشادَ بذِكْرِه، في الخَيْر والشّرّ، والمدْح والذَّمّ، إِذا شَهَّره ورَفَعَه.

  وأَفردَ به الجوهريُّ الخَيْرَ فقال: أَشادَ بِذِكْرِه، أَي رَفَعَ من قَدْرِه. وفي الحديث: «مَن أَشَادَ على مُسْلِمٍ عَوْرَةً يَشِينُه بها بغَيْرِ حَقٍّ شانَهُ الله يومَ القِيَامَة». ويقال: أَشادَه وأَشَادَ بِه، إِذا أَشاعَه ورَفَع ذكْرَه، من أَشَدْتُ البُنْيَانَ فهو مُشَادٌ، وشَيَّدْته، إِذا طَوَّلْته، فاستُعِير لرفْع صَوتِكَ بما يَكْرَهُه صاحِبُك.

  ومن المجاز أَيضاً: الإِشادة: تَعْرِيفُ الضَّالَّةِ، يقال: أَشادَ بالضَّالَّةِ: عَرَّفَ⁣(⁣٤). وأَشَدْتُ بها عَرَّفْتُهَا، وأَشَدت بالشَّيءِ: عَرَّفْتُه. وقال الأَصمعيُّ، كُلُّ شيْءٍ رَفَعْتَ به صَوْتَك، فقد أَشَدْتَ به، ضالَّةً كانت أَو غير ذلك.

  والإِشادة الإِهلاكُ، وهو مَجاز مستعارٌ من التَّنْدِيدِ، على المُبَالغة.

  والشِّيادُ، بالكسر الدُّعاءُ بالإِبلِ، وهو رَفْعُ الصَّوْت بهِ، مأْخوذٌ من كلام الأَصمعيّ.

  والشِّيَادُ: دَلْكُ الطِّيبِ بالجِلْدِ، كالتَّشَيُّد، وفي بعض النُّسخ: كالتَّشْيِيد⁣(⁣٥).

  وشَادَ الرَّجلُ يَشِيد شَيْداً، إِذا هَلَكَ، نقلَه الصَّاغَانيّ.

فصل الصاد المهملة مع الدال

  [صخد]: صَخَدَتْه الشَّمْسُ، كنَفَع، تَصْخَدُه صَخْداً: أَصابَتْه وأَحرقَتْه، أَو حَمِيَتْ عليه. والصَّخْد: صَوْتُ الهَامِ والصُّرَدِ، وقد صَخَدَ الهامُ والصُّرَدُ يَصْخَد صَخْداً وصَخيداً: صَوَّتَ وصاحَ. وهامٌ صَواخِدُ، وأَنشد:

  وصاحَ مِنَ الإِفراطِ هَامٌ صَواخِدُ⁣(⁣٦)

  وصَخَدَ فُلانٌ إِليه يَصْخَدُ صُخُوداً كقُعودٍ: استَمَعَ منه، ومال إِليه، فهو صاخِدٌ، قال الهُذَليُّ:

  هَلَّا عَلِمْتَ أَبا إِياسٍ مَشْهَدِي ... أَيَّامَ أَنتَ إِلى المَوالِي تَصْخَدُ

  وصَخِدَ النَّهَارُ، كفَرِحَ، صَخَداً، فهو صاخِدٌ: اشتَدَّ حَرُّهُ، وحَرٌّ صاخِدٌ: شَدِيدٌ. وكذلك صَخَدَ يومُنا يَصْخَد صَخَدَاناً. ويومٌ صَيْخُودٌ، على فَيْعُول، وصَيْخَدٌ، وصَخْدَانٌ، بفتح فسكون ويُحَرَّك، عن ثَعْلب⁣(⁣٧): شدِيدُ الحَرِّ، ولَيْلة صَخْدَانَةٌ. ويقال: أَتيتُه في صَخَدَانِ الحَرِّ، أَي في شِدَّتِه.

  والصاخِدةُ: الهاجِرَةُ، وهاجرةٌ صَيْخُودٌ.


(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله فيقال: هكذا عبارة اللسان، والصواب فلا يقال كما هو واضح».

(٢) عن التهذيب، وبالأصل: مشجمج.

(٣) في القاموس: الإشادة رفع الصوت بالسيء» وفي نسخة ثانية منه بالشيء بدل بالسيء. وما أورده الشارح يوافق سياق التهذيب وفيه: بما يكره صاحبك.

(٤) في الأساس: عرّفها.

(٥) وهي التي وردت في القاموس المطبوع.

(٦) في اللسان (فرط) ورد البيت منسوباً لابن براقة وتمامه:

إذا الليل أدجى واكفهرت نجومه ... وصاح من الأفراط هام صواخدُ

ونسب ابن بري هذا البيت للأجدع الهمداني.

(٧) قوله عن ثعلب يعني «صَخْدان» كما في اللسان.