تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الفاء مع الهمزة

صفحة 215 - الجزء 1

  قال: وهو خارج عن القياس، وقال قبل هذه العبارة بقليل: وبقِي على المُصنّف:

  فاءَت الظّلالُ، وقد أَشار الجوهريُّ لِبعضها فقال: فيَّأت الشجرة تَفْيِئَةً، وتَفَيَّأْتُ أَنا في فَيْئِها وَتَفَّيأَت الظِّلَالُ. انتهى. قلت: أَي تَقَلَّبَتْ⁣(⁣١) وفي التنزيل العزيز: {يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ}⁣(⁣٢) والتَّفَيُّؤُ تَفَعُّلٌ من الفَيْءِ، وهو الظِّلُّ بالعَشِيِّ، وتَفَيُّؤُ الظِّلال: رُجوعُها بعدَ انتصافِ النهارِ والتَّفَيُّؤُ لا يكون إِلَّا بالعَشِيّ، والظِّلُّ بالغَدَاة، وهو ما لم تَنَلْه الشمْسُ.

  وَتَفَّيأَتِ الشجرةُ وَفَيَّأَتْ وفَاءَت تَفْيئَةً: كَثُر فَيْؤُها، وتَفَيَّأْتُ أَنا في فَيْئِها.

  وفَيَّأَتِ المرأَةُ شَعَرَها: حَرَّكَتْه من الخُيَلَاءِ.

  والريح تُفَيِّئُ الزرعَ، والشجَرَ: تُحَرّكهما. وفي الحديث: «مَثَلُ المُؤْمِنِ كَخَامَةِ الزَّرْعِ تُفَيِّئُها الرِّيحُ مَرَّةً هُنَا وَمَرَّةً هُنَا» وفي رواية «كالخَامَةِ من الزَّرْعِ، مِنْ حَيْثُ أَتَتْها الريحُ تُفَيِّئُهَا» أَي تُحرَّكُها وتُمِيلُها يميناً وشَمالاً، ومنه الحديث: «إِذَا رَأَيتُم الفَيْءَ على رُؤُسهنَّ - يعني النساءَ - مِثْلَ أَسْنِمَةِ البُخْتِ فَأَعْلِمُوهُنَّ أَنْ لا تُقْبَلَ لهنَّ صلاةٌ»⁣(⁣٣) شبَّه رؤوسهنّ بِأَسْنِمَة البُخْتِ لِكَثْرَة ما وَصَلْن به شُعُورَهن، حتى صارَ عليها من ذلك ما يُفَيِّئُها، أَي يُحَرِّكها خُيَلَاءَ وعُجْباً. وقال نافعٌ [بن لقيط]⁣(⁣٤) الفَقعسِيُّ:

  فَلَئِنْ بَلِيتُ فَقَدْ عَمِرْتُ كأَنَّنِي ... غُصْنٌ تُفَيِّئُهُ الرِّياحُ رَطِيبُ

  وتَفَيَّأَت المرأَةُ لِزوجها: تَثَنَّتْ عليه وَتَكَسَّرَتْ له تَدَلُّلاً وأَلقَتْ نَفْسَها عليه. من الفَيْءِ. وهو الرُّجوع، ويقال تَقَيَّأَت، بالقاف، قال الأَزهريُّ: وهو تصحيفٌ، والصواب الفاءُ، ومنه قولُ الراجز:

  تَفَيَّأَتْ ذَاتُ الدَّلالِ والخَفَرْ ... لِعَابِسٍ حَافِي⁣(⁣٥) الدَّلَالِ مُقْشَعِرّ

  وسيأْتي إِن شاءَ الله تعالى، وأَفَأْتُ إِلى قَوْمٍ⁣(⁣٦) فَيْئاً، إِذا أَخَذْتَ لهم سَلَبَ قومٍ آخرينَ فجِئْتَهم به. وأَفأْتُ عليهم فَيْئاً، إِذا أَخَذْتَ لهم فَيْئاً أُخِذَ منهم.

  والفَيْءُ: التَّحَوُّلُ فاءَ الظِّلُّ: تَحَوَّل.

  والفِئَةُ، كَجِعَةٍ: الفِرْقَةُ من الناس في الأَصل، والطَّائِفَةُ هكذا في الصحاح وغيره، وفي المصباح: الجَمَاعَةُ، ولا واحدَ لها من لفْظِهَا، وقيل: هي الطائفة التي تُقَاتِل وراءَ الجَيْشِ، فإِن كان عليهم خَوْفٌ أَو هزيمةٌ التَجَئوا إِليهم، وقال الراغب: الفِئَة: الجماعةُ المُتظاهِرة، التي يَرجِعُ بعضُهم إِلى بعضٍ في التعاضُدِ. قاله شيخُنا. والهاءُ عِوَضٌ من الياء التي نَقصَتْ من وَسطه، وأَصْلُها فِيءٌ كَفِيعٍ لأَنه من فَاءَ وج فِئُون على الشذوذ⁣(⁣٧)، وفِئَاتٌ مثل شِيَاتٍ وَلِدَاتٍ على القياس، وجعل المكودِي كِلَيْهِما مَقِيسَيْن، قال الشيخ أَبو محمد بن بَرّيّ، هذا الذي قاله الجوهريُّ سَهْوٌ، وأَصله فِئْوٌ مثل فِعْوٍ، فالهمزة⁣(⁣٨) عَيْنٌ لا لَامٌ، والمحذوفُ هو لامُها وهو الواو، قال: وهي من فَأَوْتُ، أَي فرَّقْتُ، لأَن الفِئَة كالفِرقَة، انتهى، كذا في لسان العرب.

  وفي الحديث - كذا في النهاية، وعِبارة الهَروِيّ في غَرِيبه نقلاً عن القُتيبيّ في حديث بعض السلف - لا يُؤَمَّرُ، كذا في النسخ، وفي بَعضها بالنون، وهو غلطٌ وفي عبارة الفائق: لا يَحِلُّ لامرِيءٍ أَن يُؤَمِّر، وفي لسان العرب والنهاية: لَا يَلِيَنَّ مُفَاءٌ: على مُفِيءٍ أَي مَوْلًى على عَرَبِيٍّ المُفاءُ: الذي افتُتِحَتْ بَلدَتُه وكُورَتُه فصارَت فَيْئاً للمسلمين. يقال: أَفأْتُ كذا، أَي صَيَّرُتُه فَيئاً فأَنا مُفِيءٌ، وذلك الشيءُ مُفَاءٌ، كأَنه قال: لا يَلِيَنَّ أَحدٌ من أَهلِ السَّوادِ على الصَّحابة والتابعين الذين افتتحوه عَنْوَةً، فصار السَّوَادُ لهم فَيْئاً.

  والعرب تقول: يا فَيْءَ مالي كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ على قول بعضهم، أَو كلمة تَأَسُّفٍ وهو الأَكثر، قال:

  يا فَيْءَ مَالِي مَنْ يُعَمَّرْ يُبْلِهِ ... مَرُّ الزَّمَانِ عَلَيْهِ والتَّقْلِيبُ


(١) في اللسان: وتفيأت الظلال أي تقلبت.

(٢) سورة النحل: ٤٨.

(٣) عبارة النهاية: أن الله لا يقبل لهن صلاة.

(٤) عن اللسان.

(٥) اللسان: جافي.

(٦) في اللسان: وأفأت على القوم.

(٧) في المصباح: والفئة ... وجمعها فئات وقد تجمع بالواو والنون جبراً لما نقص.

(٨) بالأصل «فالهمز» وما أثبتناه عن اللسان.