تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[فصد]:

صفحة 165 - الجزء 5

  لِكَذا، أَي فيه فَسادٌ، قال الشاعر:

  إِنَّ الشَّبَابَ والفَرَاغَ والجِدَهْ ... مَفْسَدةٌ للعَقْلِ أَيُّ مَفْسَدهْ

  وفي الخَبَرِ أَنَّ عبْدَ المَلِكِ بنَ مَرْوانَ أَشْرَف على أَصحابه، وهم يَذكُرون سيرَةَ عُمَرَ، فغاظَهُ ذلك، فقال: «إِيهاً عن ذِكْرِ عُمَرَ، فإِنه إِزراءٌ على الوُلاةِ، مَفْسَدةٌ للرَّعِيَّة».

  وعدَّى إِيهاً بِعَنْ لأَنْ فيه معنَى: انتهُوا.

  وفَسَّدَه تَفْسِيداً أَفْسَدَهُ وأَبارَهُ، قال أَبو جُنْدَبٍ الهُذَليُّ:

  وقلتُ لَهُمْ قدْ أَدْرَكَتْكُمْ كَتِيبَةٌ ... مُفْسِّدَةُ الأَدبارِ ما لمْ تُخَفَّرِ

  أَي إِذا شَدَّت على قَومٍ قَطَعَتْ أَدْبَارَهم، ما لم تُخَفَّرِ الأَدْبَارُ، أَي ما لم تُمْنَع.

  وتفاسَدُوا: قَطَعُوا الأَرْحَامَ وتَدَابَرُوا، قال:

  يَمْدُدْنَ بالثُّدِيِّ في المَجَاسِد ... إِلى⁣(⁣١) الرِّجَالِ خَشْيَةَ التَّفَاسُدِ

  يقول: يُخْرِجْنَ ثُدِيَّهُنَّ، يَقُلْن: نَنْشُدُكُم اللهَ إِلَّا حَمَيْتُمُونَا، يُحَرِّضْنَ بذلكَ الرِّجالَ.

  واسْتفْسَدَ فلانٌ إِلى فلانٍ: ضِدُّ استصْلَحَ، واستَفْسَدَ السُّلطانُ قائِدَه، إِذا أَساءَ إِليه⁣(⁣٢)، حَتِّى استَعْصَى عليه.

  وفي الحديث: «كَرِه عَشْرَ خِلالٍ، منها إِفسادُ الصَّبِيِّ، غَيْرَ مُحَرِّمِهِ» هو أَن يطأَ المَرْأَةَ المُرْضِعَ فإِذا حَمَلَتْ فَسَدَ لَبَنُهَا، وكان من ذلك فَسادُ الصَّبِيِّ، وتُسمَّى الغِيلَة وقوله: غير مُحَرِّمِهِ، أَي أَنه كَرِهَهُ ولم يَبْلُغْ به حَدَّ التَّحْرِيم.

  وبَقِيَ من الأُمورِ المشهورةِ: حَرْبُ الفَسَادِ، وهي حَرْبٌ كانت بين بني شك⁣(⁣٣) وغَوْث من طيّئ، سُمِّيَت بذلك لأَن هؤلاءِ خَصَفُوا نِعَالَهُم بآذان هؤلاءِ، وهؤلاءِ شَرِبُوا الشَّرَابَ بأَقْحافِ هؤلاءِ. ومن سَجَعَات الأَساس: من كَثُرتْ مَفَاسِدُه، ظَهَرَتْ مَسَافِدُه⁣(⁣٤).

  وفلانٌ يُفَاسِدُ رَهْطَهُ.

  [فصد]: فَصَد يَفْصِد، بالكسر، فَصْداً، بفتح فسكون، وفِصَاداً، بالكسر، وهذه عن الصاغانيّ - قال شيخُنَا: وقولُ العامّةِ: الفِصَادَة بالهاءِ، ليسَ من كلامِ العرب - وافْتَصَدَ: شَقَّ العِرْقَ، وهو مَفْصُودٌ وفَصِيدٌ، وفَصَد النَّاقَةَ: شَقَّ عَرْقَها ليَسْتَخْرِجَ دَمَهُ فَيَشْرَبَه.

  وقال الليثُ: الفَصْد قطعُ العُروقِ، وافتَصَد فلانٌ، إِذا قَطَعَ عِرْقَه فَفَصَدَ، وقد فَصَدَتْ وافتَصَدَتْ.

  ويقال: فَصَدَ له عَطَاءً، أَي قَطَع له وأَمْضَاهُ يَفْصِده فَصْداً.

  ويُحْكَى أَنه باتَ رَجُلانِ عِنْدَ أَعْرَابِيٍّ فالْتَقَيَا صَباحاً، فسأَلَ أَحدُهما صاحِبَهُ عن القِرَى، فقال: ما قُرِيتُ، وإِنَّمَا فُصِدَ لي، فقال الرَّجُلُ: لم يُحْرَمْ مَنْ فُصْدَ له، بسكون الصاد، فجَرَى ذلك مَثَلاً وسَكَّنَ الصادَ تَخْفِيفاً، كما قالوا في ضُرِب: ضُرْب، وفي قُتِلَ: قُتْلَ، كقول أَبي النَّجْم:

  لَوْ عُصْرَ منه البَانُ والمِسْكُ انعَصَرْ

  ويروَى مَنْ فُزْدَ لَه، بالزَّايِ، بدلَ الصَّادَ لَمَّا سَكَنَتْ ضَعُفَتْ، فضارَعُوا بها الدَّال الّتي بعدَهَا بأَن قَلَبُوها إِلى أَشْبَهِ الحُرُوف بالدَّال من مخْرَج الصَّادِ، وهو الزّاي، لأَنَّها مجهورةٌ، كما أَنّ الدَّال مجهورةٌ، فإِن تَحَرَّكت الصّادُ هُنا لم يَجُز البدلُ فيها، وذلك نحو: صَدَر وصَدَف، لا تقولُ فيه زَدَرَ، ولا زَدَفَ، وذلك أَنَّ الحَرَكَةَ قَوَّت الحَرْفَ وحَصَّنَتْه فأَبْعَدَتْه من الانْقِلاب، بل قد يجوز فيها إِذا تَحَرَّكتْ أَشمامُها رائحةَ الزّايِ، فأَمّا أَنْ تَخْلُسَ زاياً، وهي متحرِّكةٌ، كما تَخلُص، وهي ساكنة فلا. وإِنَّمَا تُقْلَب الصّادُ زاياً، وتُشَمُّ رائِحتَها إِذا وقَعَتْ قبلَ الدَّالِ، فإِن وَقَعَتْ قبلَ غيرِهَا لم يَجُزْ ذلك فيها، وكلُّ صادٍ وَقَعَتْ قبلَ الدَّال فإِنه يَجُوز أَن تُشِمَّها رائحةَ الزّايِ إِذا تَحَرَّكت، وأَن تقلِبَهَا زاياً مَحْضاً إِذا سَكَنَتْ.


(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: الّ الرجال كذا بالنسخ والذي في اللسان: إلى» وهو ما أثبتناه.

(٢) عن اللسان وبالأصل «عليه».

(٣) بهامش المطبوعة المصرية: «كذا بالنسخ، وليحرر». وهو أيضاً يوم اليحاميم، بين جديلة والغوث من قبائل طيء، وكانت للغوث على جديلة حيث لم تبق لجديلة بقية بعد الحرب، فدخلوا بلاد كلب فحالفوهم (ابن الاثير ١/ ٦٣٦ ومجمع الميداني حرف الياء).

(٤) عبارة الأساس: من كثرت مسافده ظهرت مفاسده. ونبه إلى رواية الأساس بهامش المطبوعة المصرية.