تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[مكد]:

صفحة 261 - الجزء 5

  المُشْرِف على الغَوْرِ، فهؤلاءِ جُمْلةُ مَن ذهب إِلى التَّشديد، وقال أبو الطَّيِّبُ اللغَويّ: هو بتخفيف الدالِ لا غيرُ، مَنْسُوبٌ إِلى مَقَدَ، قال: وإِنما شدَّده عَمرُو بن مَعديكربَ للضّرورة، قال: وكذا يَقْتَضِي أَن يكون عنده قولُ عَدِيِّ بن الرِّقاع في تَشديد الدال أَنه للضرورة، وهو:

  فَظَلْتُ كأَنِّي شارِبٌ لَعِبَتْ بِهِ ... عُقَارٌ ثَوتْ فِي سِجْنِها حِججاً تِسْعَا

  مَقَدِّيَّةٌ صَهْبَاءُ بَاكَرْتُ شُرْبَهَا ... إِذَا مَا أَرَادُوا أَنْ يَرُوحُوا بِهَا صَرْعَى

  قال: والذي يَشْهَد بِصِحَّة قول أَبي الطَّيْبِ قول أَبي الأَحْوَص⁣(⁣١):

  كَأَنَّ مُدَامَةً مِمَّا ... حَوَى الحَانُوتُ مِنْ مَقَدِ

  يُصَفَّقُ صَفْوُهَا بِالمِسْ ... كِ والكَافُورِ والشَّهَدِ

  وكذلك قَوْلُ العَرْجِيّ:

  كَأَنَّ عُقَاراً قَرْقَفاً مَقَدِيَّةً ... أَبَى بَيْعَها خَبٌّ مِنَ التَّجْرِ خَادِعُ

  وأَنشد الليث:

  مَقَدِيًّا أَحَلَّهُ اللهُ لِلنَّا ... ـسِ شَرَاباً وَمَا تَحِلُّ الشَّمُولُ

  وقال آخر:

  عَلِّلِ القَوْمَ قَلِيلاً ... يَا ابْنَ بِنْتِ الفَارِسِيَّهْ

  إِنَّهُمْ قَدْ عَاقَرُوا اليَوْ ... مَ شَرَاباً مَقْدِيَّهْ

  وقد تقدَّمَ البحث فيه في ق د د فراجِعْه.

  والمَقَدِيَّةُ بالتخفيف: ثِيَابٌ م معروفة، قال ابنُ دُريد⁣(⁣٢): ضَرْبٌ من الثِّيَابِ، ولا أَدرِي إِلى ما يُنْسَب، ويقال ثوْبٌ مَقَدِيٌّ. والمَقَدِيَّةُ: ة بالشام مِن عَمَل الأُرْدُنِّ، وإِليها نُسِب الشَّرَاب، ويقال إِنها مَقَدٌ، وقد جاءَ ذِكْرُهَا في الأَشْعَار.

  [مكد]: مَكَدَ بالمكانِ مَكْداً ومُكُوداً: أَقامَ به، وثَكَم يَثْكُم مِثْلُه، ورَكَدَ رُكُوداً ومَكَتَ مُكُوتاً. وعن الليث: مَكَدَت الناقَةُ إِذا نَقَصَ لَبَنُهَا من طُولِ العَهْدِ وأَنشد:

  قَدْ حَارَدَ الخُورُ وَمَا تُحَارِدُ ... حَتَّى الجِلَادُ دَرُّهُنَّ مَاكِدُ

  ومن ذلك المَكُودُ: الناقَةُ الدائِمَةُ الغُزْرِ، والناقَةُ القَلِيلَةُ اللَّبَنِ، ضِدٌّ، أَو هذه من أَغاليطِ اللَّيْثِ، قال أَبو منصور: وإِنما اعْتَبَرَ الليثُ قولَ الشاعرِ:

  حَتَّى الجِلَادُ دَرُّهُنَّ ماكِدُ

  فظَنَّ أَنه بمعنى الناقِصِ، وهو غَلَطٌ، والمعنى: حَتَّى الجِلادُ اللَّوَاتِي دَرُّهُنّ ماكِدٌ، أَي دائِمٌ قد حَارَدْنَ أَيضاً، والجِلَادُ: أَدْسَمُ الإِبِل لَبَناً، فليْسَتْ في الغَزَارَةِ كالخُورِ، ولكنّها دائمةُ الدَّرِّ، واحدتُها جَلْدَةٌ. والخُورُ في أَلْبَانِهِنَّ رِقَّةٌ مع الكَثْرَة. ومثلُ هذا التفسير المُحَال⁣(⁣٣) الذي فسّره الليثُ في مَكَدَتِ الناقَة مِمّا يَجِبُ على ذَوِي المَعرِفة تَنْبِيهُ طَلَبَةِ هذا البابِ مِن عِلْم اللُّغَة عليه لئلا يتعثَّر فيه مَن لا يَحْفَظ اللُّغَةَ تَقْلِيداً لِلَّيْثِ، قال: والصحيح أَن يقال المَكْدَاءُ، والمَاكِدَةُ والمَكُود، هي الدَّائمةُ الغُزْرِ الكَثِيرَتُهُ، والجَمْعُ مُكُدٌ، وإِبل مَكَائِدُ، وأَنشد:

  إِنْ سَرَّكَ الغُزْرُ المَكُودُ الدَّائِمُ ... فَاعْمِدْ بَرَاعِيسَ أَبُوهَا الرَّاهِمُ

  وناقَة بِرْعِيسٌ، إِذا كانتْ غَزِيرَةً.

  والماكِدُ: الماءُ الدائمُ الذي لا يَنْقَطِعُ، قال:

  ومَاكِدٍ تَمْأَدُه مِنْ بَحْرِهِ ... يَضْفُو وَيُبْدِي تَارَةً عَنْ قَعْرِهِ⁣(⁣٤)

  تَمْأَدُه: تَأْخُذُه في ذلك الوَقْتِ، وقد تَقَدَّم.


(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله أبي الأحوص، الذي في اللسان: الأحوص، بدون أبي».

(٢) الجمهرة ٢/ ٢٨٤.

(٣) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: المحال، كذا في التكملة، وفي اللسان: الخطأ».

(٤) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: تمأده تأخذه في ذلك الوقت. ويضفو: يفيض، ويبدي تارة عن قعره أي يبدي لك قعره من صفائه، كذا في اللسان.