تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[وغد]:

صفحة 320 - الجزء 5

  إِسحَاقَ، اخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِن أَهلِ اللغةِ: «وإِذا وَعَدْنَا» بغير أَلفٍ وقالوا: إِنما اخْتَرْنَا هذا لأَن المُوَاعَدَة إِنما تَكُونُ مِن الآدمِيّينَ، فاختارُوا «وَعَدْنا» وقالُوا: دليلنا قولُ الله تعالى: {إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ}⁣(⁣١) وما أَشبَهَه، قال: وهذا الذي ذَكَرُوه ليس مِثْلَ هذا. وأَمّا {واعَدْنا} هذا فَجيِّدٌ، لأَن الطَّاعَةَ في القَبُولِ بمَنْزِلةِ المُوَاعَدَةِ فهو من الله وَعْدٌ ومِن مُوسى قَبُولٌ واتِّبَاعٌ، فَجَرَى مَجْرَى المُواعَدَة، وقد أَشارَ له في التهذيبِ والمُحكم، ونُقِل مثلُ ذلك عن ثَعْلَبٍ.

  تكميل: قالوا: إِذا وَعَد خَيْراً فلم يَفْعَلْه قالوا: أَخْلَفَ فُلانٌ، وهو العَيْبُ الفاحِش، وإِذا أَوْعَدَ ولم يَفْعَلْ فذلك عندهم العَفْوُ والكَرَمُ، ولا يُسَمُّون هذا خُلْفاً، فإِن فَعَلَ فهو حَقُّه، قال ثَعلبٌ: ما رَأَيْنَا أَحَداً إِلَّا وقولُه إِن اللهَ جلَّ وَعَلَا إِذا وَعَدَ وَفَى وإِذا أَوْعَدَ عَفَا، وله أن يُعَذِّب. قاله المُطرّز في الياقُوت، وحَكَى صاحبُ المُوعب عن أَبي عمرِو بنِ العَلَاءِ أَنه قال لعَمْرِو بن عُبَيْدٍ إِنّك جاهِلٌ بلُغةِ العَرَب، إِنهم لا يَعُدُّونَ العَافِيَ مُخْلِفاً، إِنما يَعُدُّون مَن وَعَدَ خَيْراً فلم يَفْعَلْ مُخْلِفاً، ولا يَعُدُّونَ مَن وَعَدَ شَرًّا فعَفَا مُخْلِفاً، أَمَا سَمِعْت قولَ الشاعرِ:

  وَلَا يَرْهَبُ المَوْلَى ولَا العَبْدُ صَوْلَتِي ... وَلَا اخْتَتِي مِنْ صَوْلَةِ المُتَهَدِّدِ

  وأَنِّي وإِنْ أَوْعَدْتُه أَوْ وَعَدْتُه ... لَمُخْلِف إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي

  وقد أَوْسَع فيه صاحبُ المُجْمل في رِسَالةٍ مُخْتَصَّةٍ بالفَرْق بين الوَعْد والوَعِيد، فراجِعْهَا.

  واختُلِف في حُكْم الوفَاءِ بالوَعْد، هل هو واجِبٌ أَو سُنَّة؟

  أَقوالٌ. قال شيخُنَا: وأَكثرُ العلماءِ على وُجوبِ الوفَاءِ بالوَعْدِ وتَحْرِيمِ الخُلْفِ فيه، وكانَت العرَبُ تَستَعِيبه وتَسْتقْبِحه، وقالوا: إِخْلافُ الوَعْد من أَخلاق الوَغْد، وقيل: الوَفَاءُ سُنَّة، والإِخلاف مكروهٌ، واستَشْكَلَه بعضُ العلماءِ، وقال القاضي أَبو بكر بن العَرَبيّ بعد سَرْدِ كلامٍ: وخُلْفُ الوَعدِ كَذِبٌ ونِفاقٌ، وإِن قَلَّ فهو مَعْصِيَةٌ، وقد أَلَّف الحافِظُ السَّخَاويُّ في ذلك رِسَالَةً مستقِلَّة سمَّاهَا «الْتِمَاس السَّعْد في الوَفَاءِ بالوَعْد» جمعَ فيها فأَوْعَى، وكذَا الفقيه أَحمد بن حَجَر المَكِّيّ أَلَمَّ على هذا البَحْثِ في «الزَّواحر»، ونَقلَ حاصِلَ كلامِ السَّخاوِيّ بِرُمَّتِه، فراجِعْه، ثم قال شيخُنَا: وأَمَّا الإِخْلافُ في الإِيعاد الذي هو كَرَمٌ وعَفْوٌ فمُتَّفَقٌ على تَخَلُّفِه والتَمدُّحِ بِترْكه، وإِنما اختَلَفوا في تَخَلُّفِ الوَعِيدِ بالنِّسْبَة إِليه تَعَالَى، فأَجَازَه جَماعَة وقالُوا: هو من العَفْوِ والكَرَمِ اللائقِ به سُبْحَانَه. ومَنَعَه آخَرُونَ، وقالوا: هو كَذِبٌ ومخَالِفٌ لِقَوْلهِ تَعالى: {ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ}⁣(⁣٢) وفيه نَسْخُ الخَبَرِ، وغير ذلك، وصُحِّح الأَوَّلُ وقد أَورَدَهَا مبْسُوطَةً أَبو المُعِين النَّسفيّ في التَّبْصِرَة، فراجِعْهَا، والله أَعلَمُ.

  [وغد]: الوَغْدُ: الأَحمقُ الضَّعِيفُ الخَفيفُ العقْلِ الرَّذْلُ الدَّنِيءُ الخَسِيس، أَو هو الضَّعِيفُ جِسْماً، وقد وَغُدَ، ككَرُمَ، وَغَادَةً فهو وَغْدٌ.

  والوَغْدُ: الصَّبِيُّ.

  والوَغْدُ: خادِمُ القَوْمِ وقد وَغَدَهم يَغِدُهُم وَغْداً: خَدَمَهم، وقيل: هو الذي يَخْدُم بِطَعَامِ بَطْنِه. كذا في الأَساس⁣(⁣٣) واللسان، وفي شَرْحِ لامِيَّة الطغْرائِيّ عند قَوْله:

  مَا كُنْتُ أُوثِرُ أَنْ يَمْتَدَّ بِي زَمَنِي ... حَتَّى أَرَى دَوْلَةَ الأَوْغَادِ والسَّفَلِ

  قال: الأَوْغَاد: جَمْعُ وَغْدٍ، وهو الدَّنِيءُ الذي يَخْدُم بِطَعَامِ بَطْنِه. وقيل: هو الذي يأْكُلُ ويَحْمِل، وأَمّا الوَغْلُ، باللام، فهو الضعيفُ الخَامِلُ الذي لا ذِكْرَ لَه، ج أَوْغَادٌ ووُغْدَانٌ بالضمّ، وهذه عن الصاغانيّ، ووِغْدَانٌ بالكَسْر، يقال: هو من أَوْغَادِ القَوْمِ ووُغْدَانِهم ووِغْدانِهم، أَي من أَذِلَّائِهم وضُعَفائهم.

  والوَغْدُ: ثَمرُ البَاذِنجَانِ كالمَغْدِ، وقد تقدَّم مِراراً أَن المُصنِّف لم يَذْكر الباذِنْجَان في مَوْضِعه، كأَنّه لشُهْرَته، وفيه تَأَمُّلٌ.

  والوَغْدُ قِدْحٌ مِن سِهَام المَيْسِر لا نَصِيبَ له، ومُقْتَضَى عِبَارَةِ الأَساس أَنه الأَصل وما عَدَاه مِن المعاني رَاجِعَةٌ إِليه، كالدَّنِيءِ والخَسِيسِ والذَّلِيلِ والصَّبِيِّ.

  ومن ذلك الوَغْدُ: العَبْدُ، قال أَبو حاتمٍ: قلت لأُمِّ


(١) سورة ابراهيم الآية ٢٢.

(٢) سورة ق الآية ٢٩.

(٣) كذا، والعبارة ليست في الأساس، ولعله يريد «في الصحاح واللسان».