تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[أقر]:

صفحة 32 - الجزء 6

  وفي الأَساس: وائْتَمَرْتُ ما أَمرْتَنِي به: امْتَثَلْتُ.

  ووَقَعَ أَمرٌ عظيمٌ، أي الحادثةُ، ج أُمُورٌ، لا يُكَسَّر على غير ذلك، وفي التَّنزِيل العزيز: {أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}⁣(⁣١).

  ويقال: أَمْرُ فلانٍ مستقيمٌ، وأُمُورُه مستقيمةٌ.

  وقد وَقَعَ في مُصَنَّفات الأُصُول الفَرْقُ في الجَمْع، فقالوا: الأَمر إِذا كان بمعنَى ضِدِّ النهي فجمعُه أَوَامِرُ، وإِذا كان بمعنَى الشَّأْنِ فجمعُه أُمُور، وعليه أَكثرُ الفُقَهاء، وهو الجارِي في ألْسِنَة الأَقوام.

  وحقَّق شيخُنَا في بعض الحَوَاشِي الأُصولِيَّة ما نصُّه: اختلفوا في واحدِ أُمورٍ وأَوامِرَ؛ فقال الأُصولِيُّون: إِنّ الأَمرَ بمعنَى القولِ المخصَّصِ يُجمَع على أَوامِرَ، وبمعنَى الفِعْلِ أَو الشأْن يُجمَع على أُمُورٍ، ولا يُعْرَف مَن وافقَهم إِلا الجوهريّ في قوله: أَمَرَه بكذا أَمْراً وجمعُه أَوامِرُ، وأَما الأَزهريُّ فإِنه قال: الأَمْرُ ضِدُّ النَّهْيِ واحدُ الأُمُور. وفي المُحكَم: لا يُجمَع الأَمرُ إِلّا على أُمور، ولم يَذْكُر أَحدٌ من النُّحاة أَنَّ فَعْلاً يُجمَع على فَوَاعِلَ، أَو أَنَّ شيئاً مِن الثُّلاثِيَّاتِ يُجْمَع على فَوَاعِلَ، ثم نَقَلَ شيخُنَا عن شرح البُرْهَان كلاماً ينبغي التَّأَمُّلُ فيه.

  وفي المِصباح: جَمْعُ الأَمْرُ أَوامرُ، هكذا يَتكلَّم به النَّاس، ومِن الأَئِمَّةِ مَنْ يُصحِّحه ويقول في تَأْوِيله: إِنّ الأَمْرَ مَأْمُورٌ به، ثم حُوِّلَ المفعولُ إِلى فاعل، كما قيل أَمْرٌ عارِفٌ وأَصلُه معرُوفٌ، وعيشةٌ راضيةٌ وأَصلُه مَرْضِيَّة، إِلى غير ذلك، ثم جُمِع فاعلٌ على فَوَاعِلَ، فأَوامِرُ جمعُ مَأْمورٍ.

  وبعضُهُم يقول: جُمِعَ⁣(⁣٢) على أَوامِرَ فَرْقاً بينه وبين الأَمْرِ بمعْنَى الحالِ، فإِنه يُجمَع على فُعُول.

  والأَمْرُ: مَصْدَرُ أَمَرَ فلانٌ علينا يَأْمُر، وأَمِرَ، وأَمُرَ مُثَلَّثَة، إِذا وَلِيَ، قال شيخُنا: اقتصرَ في الفَصِيح على الفتْح، وحَكَى ابنُ القَطّاع الضَّمَّ، ورَوَى غيرُهم الكسرَ، وأَنكره جماعةٌ.

  قلتُ: ما ذَكَره عن الفَصِيح، فإِنه حَكَى ثعلبٌ عن الفَرّاء: كان ذلك إِذْ أَمَرَ عَلَيْنَا الحَجّاجُ. بفتحِ المِيمِ.

  وأَما بالكسرِ والضَّمِّ فقد حكاهما غيرُ واحِدٍ من الأَئِمَّة، قالوا: وقد أَمِرَ فلانٌ - بالكسر - وأَمُرَ بالضمِّ، أَي: صار أَمِيراً، وأَنشدُوا على الكسر:

  قد أَمِرَ المُهَلَّبُ ... فَكَرْنِبُوا ودَوْلِبُوا

  وحيثُ شِئْتُمْ فاذْهَبُوا

  والاسمُ الإِمْرَةُ، بالكسر، وهي الإِمارة، ومنه حديثُ طَلْحَةَ: «لعلَّكَ ساءَتْكَ إِمْرَةُ ابنِ عَمِّكَ».

  وقولُ الجوهريِّ: مَصْدرٌ، وَهَمٌ، قال شيخُنا: وهذا ممّا لَا يَنْبَغِي بمثلهِ الاعتراضُ عليه: إِذْ هو لعلَّه أَراد كَوْنَه مَصدَراً على رَأْي مَن يقولُ في أَمثاله بالمصدريَّة، كما في النِّشْدَةِ وأَمثالِهَا، قالوا: إِنّه مصدرُ نَشَدَ الضَّالَّةَ، أَو جاءَ به على حذْفِ مضافٍ، أَي اسم مصدر الإِمرة بالكسر، أَو غير ذلك مما لا يخفَى عَمَّن له إِلمامٌ باصطلاحهم.

  ويقال: له عليَّ أَمْرَةٌ مُطَاعَةٌ، بالفتح، لا غير؛ للمَرَّةِ الواحِدةِ منه، أَي من الأَمْر، أَيْ له عليَّ أَمْرَةٌ أُطِيعُه فيها ولا تَقُل: إِمْرَةٌ، بالكسر؛ إِنما الإِمْرَةُ مِن الولاية، كذا في التَّهْذِيب والصّحاح وشُرُوح الفَصِيح، وفي الأَساس: ولكَ عليَّ أَمْرَةٌ مُطاعةٌ، أَي أَنْ تَأْمُرَنِي مَرَّةً واحِدَةً فأُطِيعَكَ.

  والأَمِيرُ المَلِكُ؛ لِنَفَاذِ أَمْرِه، وهي أَي الأُنْثَى أَمِيرَةٌ، بهاءٍ، قال عبدُ الله بنُ هَمّام السَّلُولِيُّ:

  ولَوْ جاءُوا بِرَمْلَةَ أَو بِهِنْدٍ ... لَبَايَعْنَا أَمِيرَةَ مُؤْمِنِينَا

  قال شيخُنَا: وهو بناءً على ما كان في الجاهليَّةِ مِن تَوْلِيَةِ النِّسَاءِ، وإِنْ مَنَعَ الشَّرْعُ ذلك، على ما تَقَرَّر؛ بَيِّنُ الإِمارةِ، بالكسرِ؛ لأَنّها من الوِلَايَات، وهي ملحقةٌ بالحِرَف والصَّنائع، ويُفْتَحُ وهذا ممّا أَنكرُوه وقالوا: هو لا يُعرَف، كما في الفَصِيح وشُرُوحه، قاله شيخُنَا، وقد ذَكَرَهما صاحبُ اللِّسَان وغيره، فَتَأَمَّلْ، ج أُمَرَاء والأَميرُ: قائدُ الأَعْمَى؛ لأَنه يَملِكُ أَمْرَه، ومنه قول الأَعشى:


(١) سورة الشورى الآية ٥٣.

(٢) يريد الأمر بمعنى الطلب، كما في المصباح.