[نهأ]:
  وقال تعالى {ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ}(١) أَي تُثْقِلهم، والمعنى أَنَّ مفاتِحَه تَنُوءُ بالعُصْبَةِ، أي تُمِيلُهم مِن ثِقْلِهَا، فإِذا أَدْخَلْت البَاءِ قُلْتَ تَنُوءُ بهم، وقال الفراءُ: لَتُنِيءُ بالعُصْبَةِ: تُثْقِلُها، وقال:
  إِنِّي وَجَدِّك لَا أَقْضِي الغَرِيم وَإِنْ ... حَانَ القَضَاءُ وَمَا رَقَّتْ لَهُ كَبِدِي
  إِلَّا عَصَا أَرْزَنٍ طَارَتْ بُرَايَتُهَا ... تَنُوءُ ضَرْبَتُهَا بِالكَفِّ والعَضُدِ
  أَي تُثْقِلُ ضَرْبَتُها الكَفَّ والعَضُدَ.
  وقيل: ناءَ فُلانٌ إِذا أُثْقِلَ فَسَقَط، فهو ضِدٌّ، صَرَّح به ابنُ المُكرَّم وغيرُه، وقد تَقدَّم في س وأَ قولهم ما ساءَك وَنَاءَك بإِلقاءِ الأَلف لأَنه متبع لساءَك(٢)، كما قالت العرب: أَكلْتُ طَعَاماً فَهَنَأَني وَمَرَأَني، ومعناه إِذا أُفْرِد: أَمْرَأَني. فحُذِف منه الأَلف لَمَّا أُتْبع ما ليس فيه الأَلف، ومعناه ما سَاءَك وأَنَاءَك. وقالوا(٣): له عندي ما سَاءَهُ ونَاءَه. أَي أَثقله، وما يَسُوءُه وما يَنوُءُه، وإِنما قال ناءَهَ وهو لا يَتَعَدَّى لأَجل ساءَه، وَلِيَزْدَوِجَ الكلامُ، كذا في لسان العرب.
  والنَّوْءُ: النَّجْم إِذا مَالَ للغرُوبِ وفي بعض النُّسخ: للمَغِيب ج أَنْوَاءٌ ونُوآنٌ مِثل عَبْد وعُبْدان وبَطْنٍ وبُطْنَان، قال حسَّانُ بن ثابتٍ ¥:
  وَيَثْرِبُ تَعْلَم أَنَّا بِهَا ... إِذَا أَقْحَطَ الغَيْثُ نُوآنُهَا
  أَو هو سُقوطُ النَّجْم من المَنَازِل في المَغْرِب مع الفَجْرِ وطُلُوعُ رَقِيبه وهو نجم آخَرَ يُقَابِلُه مِنْ سَاعَتِه(٤) في المَشْرِق في كل ليلةٍ إِلى ثلاثةَ عَشَرَ يوماً، وهكذا كلَّ نَجْمٍ مِنها إِلى انْقِضَاءِ السَّنة ما خلا الجَبْهَةَ فإِنَّ لها أَربعةَ عَشرَ يوماً، فَتَنْقضِي جميعُها مع انْقِضَاءِ السَّنةِ، وفي لسان العرب: وإِنما سُمِّي نَوْءاً لأَنه إِذا سَقط الغارِبُ ناءَ الطالِعُ، وذلكَ الطُّلوعُ هو النَّوْءُ، وبعضُهم يَجعلُ النَّوْءَ هو السُّقوط، كأَنه من الأَضدادِ، قال أَبو عُبيدٍ: ولم يُسْمع في النَّوْءِ أَنه السُّقوط إِلا في هذا الموضع، وكانت العربُ تُضِيفُ الأَمطارَ والرِّياحَ والحَرَّ والبَرْدَ إِلى الساقط منها. وقال الأَصمعيُّ: إِلى الطالعِ منها في سُلْطانِه، فتقول: مُطِرْنَا بِنَوْء كذا، وقال أَبو حَنيفةَ: نَوْءُ النجْمِ: هو أَوَّل سُقوطٍ يُدْرِكُه بالغَداةِ، إِذا هَمَّت الكواكبُ بالمُصُوحِ، وذلك في بَياض الفَجْر المُسْتَطِير.
  وفي التهذيب: ناءَ النجْمُ يَنُوءُ نَوْءاً، إِذا سَقَط.
  وقال أَبو عُبَيْدٍ: الأَنواءُ ثَمانِيَةٌ وعشرونَ نجماً، واحدُها نَوْءٌ، وقد(٥) ناءَ الطالع بالمَشْرِق يَنُوءُ نَوْءاً، أَي نَهضَ وطَلَع، وذلك النُّهوضُ هو النَّوْءُ، فسُمِّيَ النجمُ به، وكذلك كلُّ ناهضٍ بِثِقَلٍ وإِبْطَاءٍ فإِنَّه يَنوءُ عند نُهُوضه، وقد يكون النَّوْءُ السُّقُوطَ، قال ذو الرُّمَّةِ:
  تَنُوءُ بِأُخْرَاها فَلأْياً قِيَامُها ... وَتَمْشِي الهُوَيْنَى عَنْ قَرِيبٍ فَتَبْهَرُ
  أُخْراها: عَجِيزَتُها تَنِيئُها إِلى الأَرض لِضِخَمِهَا وكَثْرَة لَحْمِها في أردافها.
  وقد نَاءَ النجمُ نَوْءاً واسْتَنَاءَ واستَنْأَى الأَخيرةُ على القَلْبِ قال:
  يَجُرُّ وَيَسْتَنْئِي نَشَاصاً كَأَنَّهُ ... بِغَيْقَةَ لَمَّا جَلْجَلَ الصَّوْتَ حَالِبُ
  قال أَبو حَنيفَةَ: اسْتَنَاءُوا الوَسْمِيَّ: نَظرُوا إِليه، وأَصلُه من النَّوْءِ، فقَدَّم الهمزةَ.
  وفي لسان العرب: قال شَمِرٌ: ولا تَسْتَنِئُ العَربُ بالنُّجوم كلِّها(٦)، إِنما يُذْكَرُ(٧) بالأَنواءِ بعضُها، وهي معروفةٌ في أَشعارِهم وكلامِهم، وكان ابنُ الأَعرابيّ يقول: لا يكون نَوْءٌ حتى يَكون معه مَطَرٌ، وإِلا فلا نَوْءَ. قال أَبو منصورٍ: أَوَّل المَطَرِ الوَسْمِيُّ، وأَنْوَاؤُه العَرْقُوَتانِ المُؤَخَّرَتانِ، هما الفَرْغُ المُؤَخَّرُ، ثم الشَّرَطُ، ثم الثُّرَيَّا، ثم الشَّتَوِيّ، وأَنواؤُه
(١) سورة القصص الآية ٧٦.
(٢) بالأصل: ما سأك ونأك بألقاء الألف لأنه متبع أسأك. وبهامش المطبوعة المصرية: «قوله ما سأك ونأك هكذا بخطه وبالنسخ أيضاً والصواب: ما ساءك وناءك كما في الصحاح، وقوله بالقاء الألف يعني ألف أناءك بدليل ما بعده».
(٣) هو قول ابن السكيت، (الصحاح).
(٤) في نسخة أخرى: في ساعته.
(٥) العبارة في اللسان: «وإنما سمي نوءاً لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع ...».
(٦) يريد الثمانية والعشرين نجماً، وهي منازل القمر.
(٧) اللسان: تُذكرُ.