فصل الواو مع الهمزة
  ويقال: هذه أَرض مُسْتَوِيَةٌ(١) لا رِبَاءَ فيها ولا وِطَاءَ، أَي لا صُعودَ فيها ولا انخفاض. وقَدْ وَطَّأَها اللهُ تَعَالى وفي حديث القَدَر «وَآثَارٍ مَوْطُوءَةٍ» أَي مَسْلُوك عليها بما سَبَق به القَدَرُ مِن خَيرٍ أَو شَرّ.
  وَوَاطَأَهُ على الأَمْرِ مُواطَأَةً وَوِطَاءً: وَافَقَهُ، كَتَواطَأَهُ، وتَوَطَّأَهُ، وفُلانٌ يُواطِئُ اسمُه اسمى، وتَوَاطؤوا عليه: تَوافَقُوا، وقوله تعالى {لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ}(٢) هو من وَاطَأْتُ. وتَوَاطَأْنَا عليه وتَوَاطَأْنَا(٣): تَوَافَقْنَا، والمُتواطِئُ: المُتوافِقُ، وفي حَدِيث لَيْلَة القَدْرِ «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَواطَتْ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ» قال ابنُ الأَثير: هكذا رُوِيَ بترْكِ الهمزِ، وهو من المُوَاطَأَةِ، وحقيقتُه كأَنَّ(٤) كُلًّا منهما وَطِئَ ما وَطِئَه الآخرُ، وفي الأَساس: وكُلُّ أَحَدٍ يُخْبِرُ بِرسولِ الله ÷ بِغَيْرِ تَوَاطُؤٍ ونقل شيخُنا عن بعض أَهلِ الاشتقاق أَن أَصْلَ المُواطَأَةِ أَن يَطَأَ الرَّجُلُ بِرِجْله مَكَان رِجْلِ صاحبِه، ثم اسْتُعمِلَ في كلِّ مُوافقةٍ. انتهى.
  قلت: فتكون المُواطَأَةُ على هذا مِن المَجاز.
  وفي لِسان العرب: ومن ذلك قولُه تَعالى إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وِطَاءً(٥) بالمدّ أَي مُواطَأَةً، قال: وهي المُوَاتاةُ، أَي مُواتَاةُ السَّمْعِ والبَصرِ إِيَّاهُ، وقُرِئَ {أَشَدُّ وَطْئاً} أَي. قِيَاماً. وفي التهذيب: قَرَأَ أَبو عمرٍو وابنُ عامِر وِطَاءً، بكسر الواو وفتح الطاءِ والمدّ والهمز، من المُواطَأَةِ والموافقة(٦) وقرأَ ابنُ كَثِير ونافِعٌ وعاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: وَطْئاً [بفتح الواو ساكنة الطاءِ] مقصورة مهموزة، والأَول اختيارُ أَبي حاتمٍ، وروى المُنْذِرِيُّ عن أَبي الهَيْثَم أَنه اختارها أَيضاً.
  والوَطِيئَةُ، كسَفِينَة قال ابن الأَعرابيّ: هي الحَيْسَةُ، وفي الصحاح أَنها ضَرْبٌ من الطعامِ، أَو هي تَمْرٌ يُخْرَجُ نَوَاهُ ويُعْجَنُ بِلَبَنِ، وقيل: هي الأَقِطُ بِالسُّكَّرِ. وفي التهذيب: الوَطِيئَةُ: طَعَامٌ للعرب يُتَّخَذُ مِن التَّمْرِ، وهو أَن يُجْعَل في بُرْمَةٍ ويَصَبَّ عليه الماءُ والسَّمْنُ إِن كان، ولا يُخْلَطُ به أَقِطٌ، ثم يُشْرَبُ كَمَا تُشْرَبُ الحَيْسَةُ. وقال ابنُ شُمَيْلٍ: الوَطِيئَةُ: مثلُ الحَيْسِ، تَمْرٌ وأَقِطٌ يُعْجَنانِ بالسَّمْنِ. وروي عن المفضَّل: الوَطِيءُ والوَطِيئَةُ: العَصِيدَةُ الناعِمَةُ، فإِذا ثَخُنَتْ فهي النَّفيتَةُ، فإِذا زادَتْ قَلِيلاً فهي النَّفِيثَةُ فإِذا زادَتْ فهي اللَّفِيتَةُ، فإِذا تَعَلَّكَتْ فهي العَصِيدَةُ، وقيل: الوَطِيئَةُ شَيْءٌ كالغِرَارَةِ أَو هي الغِرَارَةُ يكون فِيها القَدِيدُ والكَعْكُ وغيرُهما(٧)، وفي الحديث «فأَخْرَجَ إِلَيْنَا ثَلَاثَ أُكَلٍ مِنْ وَطِيئَةٍ» أَي ثَلَاث قُرَصٍ مِن غِرَارة.
  وَوَاطَأَ الشاعِرُ في الشِّعْرِ، وَأَوْطَأَ فيه، وأَوْطَأَهُ إِيطاءً وَوَطَّأَ، وَآطَأَ على إِبدالِ الأَلف من الواو وأَطَّأَ: كَرَّرَ القَافِيَةَ لَفْظاً ومَعْنًى مع الاتحاد في التعريف والتنكير، فإِن اتفق اللفظُ واختلف المعنى فليس بإِيطءٍ(٨)، وكذا لو اختلفا تعريفاً وتنكيراً، وقال الأَخفش: الإِيطاءُ: رَدُّ كلمةٍ قد قَفَّيْتَ بها مَرَّةً، نحو قافيةٍ على رَجُل، وأُخرى على رَجُل، في قصيدةٍ، فهذا عَيْبٌ عند العَرب، لا يختلفون فيه، وقد يقولونه مع ذلك، قال النابغة:
  أَو أَضَعُ البَيْتَ فِي سَوْدَاءَ مُظْلِمَةٍ ... تُقَيِّدُ العَيْرَ لا يَسْرِي بها السَّارِي
  ثم قال:
  لا يَخْفِضُ الرِّزَّ عَنْ أَرْضٍ أَلَمَّ بِهَا ... وَلَا يَضِلُّ عَلَى مِصْبَاحِهِ السَّارِي
  قال ابنُ جِنّي: ووجهُ استقباحِ العَربِ الإِيطاءَ أَنَّه دَالٌّ عِنْدَهم على قِلَّةِ مادَّةِ الشاعِر، ونَزَارَةِ ما عِنْدَه حتى اضطُرَّ(٩) إِلى إِعادةِ القافِيةِ الواحدةِ في القصيدةِ بلفْظِها ومَعناها، فيَجْرِي هذا عِندَهم لِمَا ذَكَرْناه مَجْرَى العِيِّ والحَصَرِ، وأَصلُه أَن يَطَأَ الإِنسانُ في طَرِيقه على أَثَرِ وَطْءٍ قَبْلَه، فيُعِيدَ الوَطْءَ على ذلك الموضع، وكذلك إِعادةُ القافِيةِ من هذَا. وقال أَبو عمرو بن العلاءِ: الإِيطاءُ ليس بِعَيْبٍ في الشِّعر عند العرب، وهو إِعادَةُ القافِيَة مرَّتَيْن. ورُوِيَ عن ابن سَلّامٍ الجمحي أَنه قال: إِذا كَثُرَ الإِيطاءُ فِي قَصيدةٍ مَرَّاتٍ فهو عَيْبٌ عندهم.
(١) عن اللسان، وبالأصل «شتوية».
(٢) سورة التوبة الآية ٣٧.
(٣) كذا، وفي اللسان: توطَّأنا.
(٤) عن النهاية، وبالأصل «أن».
(٥) سورة المزمل الآية ٦.
(٦) بالأصل: هو الموافقة، ما أثبتناه عن اللسان.
(٧) اللسان: وغيره.
(٨) اللسان: بإِيطاء.
(٩) اللسان: يُضطر.