[سكر]:
  وَصَرْعَى؛ لأَنه شُبّه بالنَوْكَى والحَمْقَى والهَلْكَى؛ لزوالِ عَقْلِ السُّكْرَان، وأَما النَّشْوَانُ فلا يُقَال في جَمْعِه غير النَّشاوَى.
  وقال الفرَّاءُ: لو قِيلَ: سَكْرَى، على أَنَّ الجَمْعَ يقعُ عليهِ التَّأْنِيثُ، فيكون كالواحِدَةِ، كان وَجْهاً، وأَنشد بعضُهم:
  أَضْحَتْ بَنُو عامِرٍ غَضْبَى أُنُوفُهمُ ... إِني عَفَوْتُ فلا عارٌ ولا بَاسُ
  وقال ابنُ جِنِّي - في المُحْتَسِب -: أَمّا السَّكَارَى بفتح السين فتَكْسِيرٌ لا مَحَالَة، وكأَنّه مُنْحَرَفٌ به عن سَكَارِينَ، كما قالوا: نَدْمَانُ ونَدَامَى، وكأَنَّ أَصْلَه نَدَامِين، كما قالوا - في الاسم -: حَوْمانَة وحَوامِينَ، ثم إِنَّهُم أَبدَلُوا النّون ياءً، فصار في التَّقْدِير سَكَارِيُّ كما قالوا: إِنْسَانٌ وأَناسِيّ، وأَصلُها أَناسِينُ، فأَبْدَلُوا النونَ ياءً، وأَدْغَمُوا فيها ياءَ فَعاليل، فما صار سَكَارِيّ حذَفُوا إِحدَى الياءَيْن تخفيفاً، فصار سَكارِي، ثم أَبدلوا من الكسرةِ فَتْحَةً، ومن الياءِ أَلفاً، فصار سَكَارَى، كما قالوا في مدارٍ وصحارٍ ومعايٍ مدارَا وصَحارَا ومَعايَا.
  قال: وأَما سُكارى بالضّم، فظاهرُه أَن يكون اسماً مُفْرَداً غير مُكَسَّرٍ، كحُمَادَى وسُمانَى وسُلامَى، وقد يجوزُ أَن يكون مُكَسَّراً، ومِمّا جاءَ على فُعال، كالظُّؤارِ والعُرَاقِ والرُّخالِ، إِلّا أَنَّه أُنِّثَ بالأَلفِ، كما أُنِّثَ بالهاءِ في قولهم: النُّقاوَة. قال أبو عليّ: هو جمع نَقْوَة، وأُنِّث كما أُنِّثَ فِعَالٌ، في نحو حِجَارَة وذِكَارَةٍ وعِبَارَة، قال: وأَمّا سُكْرَى، بضمّ السين فاسمٌ مُفْرَدٌ على فُعْلَى، كالحُبْلَى والبُشْرَى، بهذا أَفتانِي أَبو عليّ وقد سأَلْتُه عن هذا. انتهى.
  وقوله تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى}. قال ثعلب: إِنَّمَا قِيلَ هذا قَبْلَ أَنْ يَنْزِل تَحْرِيمُ الخَمْرِ. وقال غيره: إِنَّمَا عَنَى هنا سُكْرَ النَّوْم، يقول: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ رَوْبَى.
  والسِّكِّيرُ، كسِكِّيت، والمِسْكِيرُ، كمِنْطِيقٍ، والسَّكِرُ، ككَتِف، والسَّكُورُ، كصَبُورٍ، الأَخِيرَةُ عن ابن الأَعرابيّ: الكَثِيرُ السُّكْرِ.
  وقيل: رَجُلٌ سِكِّيرٌ، مثل سِكِّيتٍ: دائِمُ السُّكْرِ، وأَنشدَ ابنُ الأَعرابِيّ: لعَمْرِو بنِ قَميئَةَ:
  يا رُبَّ من أَسْفَاهُ أَحْلامُه ... أَنْ قِيلَ يَوْماً: إنَّ عَمْراً سَكُورْ
  وأَنشد أَبو عَمْرٍو له أَيضاً:
  إِن أَكُ مِسْكِيراً فلا أَشرَبُ الوَغْ ... لَ ولا يَسْلَمُ منِّي البَعِيرْ
  وجَمْعُ السِّكِر، ككَتِفٍ، سُكَارَى، كجمْع سَكْرَان؛ لاعْتقابِ فَعِل وفَعْلَان كَثِيراً على الكلمة الواحدة.
  وفي التنزيل العزيز: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً}(١).
  قال الفَرّاءُ: السَّكَرُ، مُحَرَّكَةً: الخَمْرُ نفسُها قبل أَن تُحَرَّم، والرِّزْقُ الحَسَنُ: الزَّبِيبُ والتَّمْرُ وما أَشبَهَهُمَا، وهو قولُ إِبراهِيم، والشَّعْبِيّ وأَبي رُزَيْن.
  وقَولهم: شَرِبْتُ السَّكَرَ: هو نَبِيذُ التَّمْرِ، وقال أَبو عُبَيْد: هو نَقِيعُ التَّمرِ الذي لم تَمَسّه النّارُ، ورُوِيَ عن ابن عُمَر، أَنّه قال: السَّكَرُ من التَّمْر، وقيل: السَّكَرُ شرابٌ يُتَّخَذُ من التَّمْرِ والكَشُوثِ والآسِ، وهو مُحَرَّم، كتَحْرِيمِ الخَمْر.
  وقال أَبو حَنيفة: السَّكَرُ يُتَّخَذُ من التمر والكَشُوثِ، يُطْرَحَان سافاً سافاً، ويُصَبُّ عليه الماءُ، قال: وزعمَ زاعمٌ أَنه رُبَّمَا خُلِطَ به الآسُ فزادَهُ شِدَّةً. وقال الزَّمَخْشَرِيّ في الأَساس: وهو أَمَرُّ شرابٍ في الدُّنْيَا.
  ويقال: السَّكَرُ: كُلّ ما يُسْكِرُ ومنه قول رسول الله ﷺ: «حُرِّمَت الخَمْرُ بعَينِها والسَّكَرُ من كُلِّ شَرَابٍ»، رواه أَحمد، كذا في البصائر للمُصَنّف، وقال ابنُ الأَثِيرِ: هكذا رواه الأَثْباتُ(٢)، ومنهم من يَرْوِيه بضَمّ السِّين وسكون الكاف؛ يريدُ حالةَ السَّكْرَان، فيجعلون التَّحْرِيم للسُّكْرِ لا لنفْس المُسْكِر، فيُبِيحُون قليلَه الذي لا يُسْكِرُ، والمشهور الأَوّل.
  ورُوِيَ عن ابنِ عبّاس في هذه الآية السَّكَر: ما حُرِّمَ من ثَمَرَةٍ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّم، وهو الخَمْرُ، والرِّزْقُ الحَسَن: ما أُحِلَّ من ثَمَرَةٍ، من الأَعْنَابِ والتُّمُورِ، هكذا أورده المصنِّف في البصائر. ونصّ الأَزهريّ في التهذيب عن ابنِ عَبّاس:
(١) سورة النحل الآية ٦٧.
(٢) وفسر السَّكَر: بالخمر المعتصر من العنب.