تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[صأر]:

صفحة 71 - الجزء 7

  وقال الجَوْهَرِيّ: الصَّبْرُ: حَبْسُ النَّفْسِ عندَ⁣(⁣١) الجَزَعِ، وقد صَبَرَ فلانٌ عند المُصِيبَةِ يَصْبِرُ صَبْراً، وصَبَرْتُه أَنا: حَبَسْتُه، قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ}⁣(⁣٢) أَي احْبِسْ نفْسَكَ معهم.

  وفي البصائر للمصنّف: الصَّبْرُ في اللُّغَةِ: الحَبْسِ والكَفُّ في ضِيق⁣(⁣٣)، ومنه قيل: فُلانٌ صُبِر، إِذا أُمْسِك وحُبِسَ للقَتْلِ، فالصَّبْرُ: حَبْسُ النَّفْسِ عن الجَزَعِ، وحَبْسُ الّلسَانِ عن الشَّكْوَى، وحبْسُ الجوارِحِ عن التَّشْوِيشِ.

  وقال ذُو النُّون: الصَّبْرُ: التّبَاعُدُ عن المُخَالَفاتِ، والسُّكُونُ عندَ تَجَرُّعِ غُصصِ البَلِيّاتِ، وإِظْهَارُ الغِنى مع طُولِ الفقْرِ بسَاحاتِ المَعِيشَةِ.

  وقيل: الصَّبْرُ: الوُقُوفُ مع البَلاءِ بحُسْنِ الأَدَبِ.

  وقيل: هو الفَنَاءُ في البَلْوى بلا ظُهورِ شكْوى.

  وقيل: إِلْزامُ النَّفسِ الهُجُومَ على المكَارِه.

  وقال عَمْرُو بنُ عثمان: هو الثَّبَاتُ مع الله، وتَلقِّي بَلائِه بالرّحْبِ والسَّعَةِ.

  وقال الخَوّاصُ: هو الثَّبَاتُ على أَحكامِ الكِتَابِ والسُّنَّة.

  وقيل: الصَّبْرُ: أَنْ تَرْضَى بتَلَفِ نَفْسِكَ في رِضَا من تُحِبّه.

  وقال الحَرِيرِيّ: الصَّبْرُ: أَن لا يَفْرِقَ بينَ حَالِ النَّعْمَةِ وحالِ المِحْنَةِ، مع سكونِ الخاطِرِ فيهما.

  وتَصَبَّر الرَّجُلُ واصْطَبَرَ: جعَلَ له صَبْراً، واصَّبَرَ، بقلبِ الطّاءِ صاداً، ولا تقول اطَّبر، لأَنّ الصّادَ لا تُدْغَمُ في الطَّاءِ.

  وقيل: التَّصَبُّرُ: تَكَلُّفُ الصَّبْرِ، ومنه قَولُ عُمَر: «أَفْضَلُ الصَّبْرِ التَّصَبُّرُ»، قاله ابنُ الأَعرابيّ.

  وقيل: مَراتِبُ الصَّبْرِ خَمْسَةٌ، صابِرٌ، ومُصْطَبِرٌ، ومُتَصَبِّرٌ، وصَبُورٌ، وصَبَّارٌ.

  فالصّابِرُ: أَعمُّها، والمُصْطَبِرُ المُكْتَسِبُ للصَّبْر المُبْتَلي به. والمُتَصَبَّرُ: مُتَكَلِّفُ الصَّبْرِ حامِلُ نَفْسِه عليه.

  والصَّبُورُ: العَظِيمُ الصَّبْرِ الذي صبْرُه أَشدُّ من صَبْرِ غيرِه.

  والصَّبّارُ: الشَّدِيدُ الصَّبْرِ.

  فهذا في القَدْرِ والكَمّ، والذي قبله في الوصْفِ والكيْفِ.

  وأَصْبرَه: أَمَرَه بالصَّبْرِ، كصَبَّرهُ تَصْبِيراً وقال الصاغانيّ: صَبَّرْتُه تَصْبِيراً: طَلَبْتُ منه أَن يصْبِرَ.

  وأَصْبَرَه: جَعَلَ له صَبْراً، كاصْطَبَرَه.

  وَصَبَرَ به، كنَصَرَ، يَصْبُرُ صَبْراً وصَبارَةً، بالفَتْح فيهما، أَي كَفَلَ به، وتقُولُ منه: اصْبُرْنِي يا رجُل، كانْصُرْنِي، أَي أَعْطِنِي كَفيلاً.

  وهو به صَبِيرٌ، الصَّبِيرُ كأَمِيرٍ: الكَفِيلُ، وقد جاءَ في حديثِ الحَسنِ: «مَنْ أَسْلَفَ سَلَفاً فلا يَأْخُذَنَّ بهِ رَهْنَاً ولا صَبِيراً».

  والصَّبِيرُ، أَيضاً. مُقَدَّمُ القَوْمِ وزَعِيمُهُم، الذِي يَصْبرُ لهم ومَعَهُم في أُمُورِهِمْ.

  والصَّبِيرُ: الجَبَلُ، قاله الصّاغانيّ: وقيل: هو جَبَلٌ بعَيْنِه، وقد جاءَ ذِكْرُه في حَدِيثِ مُعاذٍ.

  ج: صُبَرَاءُ ككُرَماءَ.

  والصَّبِيرُ: السَّحَابَة البَيْضاءُ، أَو الكَثيفَةُ التي فَوْقَ السّحابَةِ، أَو هو السَّحابُ الأَبيضُ الذي يصِيرُ⁣(⁣٤) بَعْضُه فوق بعضٍ، درجاً، قال يَصِفُ جَيْشاً:

  ككِرْفئَةِ الغَيْثِ ذاتِ الصَّبِير

  قال ابنُ بَرِّيّ: هذا الصَّدْرُ يحتمل أَن يكون صَدراً لِبَيتِ عامِرِ بنِ جُوَيْنٍ الطّائِيّ من أَبيات:

  وجارِيَةٍ من بَنَاتِ المُلُو ... كِ قَعْقَعْتُ بالخَيْلِ خَلْخَالَهَا

  ككِرْفِئَة الغَيْثِ ذاتِ الصَّبِي ... رِ تَأْتِي السَّحاب وتَأْتَالَهَا

  قال: أَي رُبَّ جارِيةٍ من بَناتِ المُلُوكِ فَعْقَعْتُ خَلْخَالَها


(١) الصحاح: «عن الجزع».

(٢) سورة الكهف الآية ٢٨.

(٣) وفي المفردات: الصبر: الإمساك في ضيق.

(٤) الصحاح واللسان: «يصبر» وضبطت في الصحاح بالبناء للمجهول وفي اللسان بالبناء للمعلوم.