[عزر]
  في بيان اللغة الصِّرْفة. ثم ما ذكرُه في الصّحاح أَيضاً لا يكون مَعنًى لُغَوِيًّا على ما أَفادَ صاحِبُ «الكَشَّاف» فإِنّه قال: العَزْرُ: المَنعُ، ومنه التَّعْزِير، لأَنه مَنْعٌ عَنْ مُعَاوَدَة القَبِيحِ.
  فعَلى هذا يكون ضَرْباً دُونَ حَدٍّ، مِنْ إِفرادِ المَعنَى الحَقِيقيّ، فلا وُرُودَ على صاحِب القامُوس في هذه المادَّة. انتهى.
  قال شيخُنَا: قُلْتُ: وهذا من ضِيق العَطَنِ وعَدَم التمْيِيز بين المُطْلَقِ والمُقَيَّدِ. فتأَمّل.
  قلتُ: والعَجَبُ منهم كيْفَ سَكَتُوا على قَوْلِ الشَّيْخ ابنِ حَجَر، وهو: فكَيْفَ يُنْسَبُ لأَهْلِ اللُّغَةِ الجاهِلِينَ بذلك مِنْ أَصْله؟: فإِنّه إِنْ أَرادَ بأَهْل اللُّغَة الأَئمةَ الكِبَارَ كالخَلِيلِ والكِسَائيّ وثَعْلَب وأَبِي زَيْدٍ والشَّيْبَانِيّ وأَضْرابهم، فلَمْ يَثْبُت ذلك عَنْهُم خَلْطُ الحَقَائق أَصْلاً، كما هو مَعْلُومٌ عند من طالَع كتاب «العَيْن» و «النوادِر» و «الفَصِيح» وشُرُوحَه وغَيْرَها. وإِنْ أَرادَ بهم مَنْ بَعْدَهُم كالجَوْهرِيّ والفارَابِيّ والأَزْهَرِيّ وابن سِيدَه والصَّاغَانِيّ، فإِنّهُم ذَكَرُوا الحَقَائِقَ الشَّرْعيَّة المُحْتَاجَ إِلَيْهَا، ومَيَّزُوهَا من الحَقَائقِ اللُّغَوِيّة إِمّا بإِيضاح، كالجوهَرِيّ في الصحاح، أَو بإِشارَة، كبيَانِ العِلَّة التي تُمَيِّز بينهما، وتارَةً بِبَيَان المَأْخَذِ والقَيْدِ، كابنِ سِيدَه في المُحْكَم والمُخَصّص، وابنِ جِنِّي في سِرِّ الصناعَةِ، وابنِ رَشِيق في العُمْدَةِ، والزَّمَخْشَرِيِّ في الكَشَّاف. وكَفاكَ بواحدٍ منهم حُجَّةً للمُصَنّف فِيما رَوَى ونَقَل. والمَجْدُ لمَّا سَمَّى كتابه البَحْر المُحِيط تَرَك فيه بَيَانَ المآخِذِ وذِكْر العِلَلِ والقُيُودات الَّتي بها يَحْصُل التَّمْيِيزُ بين الحَقِيقَتَيْن، وكذا بَيْنَ الحَقِيقَةِ والمَجَازِ، لِيَتِمَّ له إِحاطَةُ البَحْرِ فهو يُورِدُ كَلامَهم مُخْتَصَراً مُلْغزاً مَجْمُوعاً مُوجَزاً، اعْتِمَاداً على حُسْنِ فَهْمِ المُتَبَصِّرِ الحاذِق المُمَيِّزِ بين الحقيقة والمَجَازِ وبَيْنَ الحقائقِ، ومُرَاعَاةً لسُلُوك سبِيلِ الاخْتِصَار الذي راعاه، واسْتِغراقِ الأَفْرَاد الّذِي ادَّعَاه.
  وقوله: وهي دَقِيقَةٌ مهمّة تَفطَّنَ لها صاحِبُ الصحاح وغَفَلَ عنها صاحب القاموسِ قلتُ: لم يَغْفَلْ صاحِبُ القامُوسِ عن هذه الدَّقِيقَة، فإِنّه ذَكَرَ في كتابه «بَصائر ذَوِي التَّمْيِيز في لطَائِف كتابِ الله العَزِيز» مُشِيراً إِلى ذلك بقَوْلِه ما نَصُّه: التَّعْزِيرُ: من الأَضْداد، يكونُ بمَعْنَى التَّعْظِيم وبمَعْنَى الإِذْلال، يقال: زمانُنا العَبْدُ فيه مُعزَّرٌ مُوَقَّر، والحُرّ فيه مُعزَّرٌ مُوَقَّر، الأَوّلُ بمعنَى المنْصُورِ المُعَظَّم، والثانِي بمَعْنَى المضْرُوبِ المُهَزَّم. والتَّعْزِيرُ دُونَ الحَدّ، وذلك يَرْجِع إِلى الأَوَّلِ لأَنّ ذلك تأْدِيبٌ، والتَأْدِيب نُصْرَةٌ بقهْر ما. انتهى.
  فالظَّاهِرُ أَنّ الذِي ذَكَرَهُ الشيخُ ابنُ حَجَر إِنّمَا هو تَحامُلٌ مَحْضٌ على أَئمةِ اللُّغَة عُمُوماً، وعلى المَجْدِ خُصوصاً، لتَكْرارِه في نِسْبتهم للجَهْلِ في مَواضِعَ كثيرة من كتابه: التُّحْفَة، على ما مَرَّ ذِكُرُ بَعْضِها. وشَيْخُنا ¦ لمَّا رَأَى سبيلاً للإنكار على المَجْدِ كما هو شِنْشِنَتُه المَأْلُوفَةُ سَكَتَ عنه، ولم يُبْدِ له الانْتِصَارَ، ولا أَدْلَى دَلْوَه في الخَوْضِ، كأَنّه مُرَاعَاةً للاختصار. واللهِ يَعْفُو عن الجَمِيع، ويَتَغَمَّدُهم برَحْمتِه، إِنّه حَلِيمٌ سَتّار.
  والتَّعْزيرُ أَيضاً: التَّفْخِيم والتَّعْظِيمُ فهو، ضِدّ، صَرَّحَ به الإِمامُ أَبو الطَّيِّب في كتاب الأَضداد وغَيْرُه من الأَئمة.
  وقيل: بين التَأْدِيب والتَّفْخِيم شِبْهُ ضِدّ. والتَّعْزِيرُ: الإِعَانَة، كالعَزْرِ، يقال: عَزَرَه عَزْراً وعَزَّرَه تعْزِيراً، أَي أَعانَه.
  والتَّعْزِيرُ: التَّقْوِيَةُ، كالعَزْرِ أَيضاً. يقال: عَزَرَه وعَزَّرَه، إِذا قَوّاهُ. والتَّعْزِير: النَّصْرُ بالسيف، كالعَزْرِ أَيضاً، يقال: عزَرَهُ وعَزَّرَه، إِذَا نَصَرَهُ، قال الله تَعَالَى: {وَتُعَزِّرُوهُ}(١) جاءَ في التَّفْسِير: أَي لِتَنْصُرُوه بالسَّيْف: {وَعَزَّرْتُمُوهُمْ}(٢) عَظَّمْتُموهُم. قال إِبراهيمُ بن السَّريّ: وهذا هو الحقُّ، والله أَعلم، وذلك لأَنْ العَزْر في اللُّغَة الرَّدُّ والمَنْعُ، وتأْويل: عَزَرْتُ فُلاناً، أَي أَدَّبْتُه، إِنّما تأْويلُه فَعلْتُ به ما يَرْدعُهُ عن القَبيح، كما أَنّ نَكَّلْتُ به تَأْويلُه فَعلْتُ به ما يجبُ أَن يَنْكُلَ مَعَهُ عن المُعَاوَدَة، فتَأْويلُ عَزَّرْتُمُوهُم: نَصَرْتُموهم بأَنْ تَرُدُّوا عنهم أَعْداءَهم، ولو كانَ التَّعْزيرُ هو التَّوْقيرَ لكان الأَجْوَدُ في اللّغة الاستغناء به. والنُّصْرَة إِذا وَجَبَتْ فالتَّعْظِيمُ داخلٌ فيها، لأَن نُصْرَةَ الأَنبياءِ هي المُدافَعَةُ عنهم، والذَّبُّ عن دِينهم، وتَعْظيمُهم وتَوْقيرُهم. والتَّعزيرُ في كلامِ العرَب: التَّوْقير، والنَّصْرُ باللّسان والسَّيْف، وفي حديث المبْعَث: قال وَرَقَةُ بنُ نَوْفَل: «إِنْ بُعِث وأَنا حَيٌّ فسَأُعَزِّرُه وأَنْصُرُه»، التَّعزير هنا: الإِعانَةُ والتَّوْقِير والنَّصْر مَرَّةً بعد مَرَّة.
(١) سورة الفتح الآية ٩.
(٢) سورة المائدة الآية ١٢.