تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[عمر]:

صفحة 259 - الجزء 7

  وقال في العَمْر، بالفَتْح: وفي الحَدِيث: «كَانَ ابنُ أَبي لَيْلَى يَسْتَاكُ بعَراجِينِ العَمْر». قال: والعَمْرُ أَكْثَرُ اللُّغَتَيْنِ، وهذَا أَحَدُ وُجُوهِ اشْتِقَاقِ اسْم عَمْرٍو، وهي، هكذا في النُّسخ كُلّهَا، ولَعَلَّه: «وهو» أَي العَمْرُ تَمْرٌ جَيِّد معروفٌ بالبَحْرَينِ.

  والعَمْريّ، بالفَتْح وياءِ النِّسْبَة. وفي بعض النُّسَخ: «والعَمْرَى» أَي كَسَكْرَى هكذا هو مضبوط، والأُولَى الصَّوُاب: تَمْرٌ آخَرُ، أَي ضَرْبٌ منه عَذْبٌ؛ قاله أَبو حَنِيفَةَ أَيضاً.

  وقالُوا في القَسَم: عَمْرَ الله ما فَعَلْتُ كذا، وعَمْرَكَ الله ما فَعَلْتُ كذا، وعَمْرَكَ الله افْعَلْ كذا، وإِلّا فَعَلْتَ كذا، وإِلّا ما فَعَلْتَ كَذا، على الزيادة بالنَّصْبِ، وهو من الأَسْمَاءِ المَوْضُوعَة مَوْضِعَ المَصادِر المَنْصُوبَة على إِضْمارِ الفِعْل المَتْرُوكِ إِظْهَارُه، وأَصْلُه من عَمَّرْتُكَ الله تَعْمِيراً فحُذِفَتْ زِيَادَتهُ فجاءَ على الفِعْل. وأُعَمِّرُكَ الله أَنْ تَفْعَل كذا، كأَنَّك تُحَلِّفُه بالله وتَسْأَلُه بطُولِ عُمْرِه قال:

  عَمَّرْتُكَ الله الجَلِيلَ فإِنَّنِي ... أَلْوِي عَلَيْكَ لوَ أَنّ لُبَّكَ يَهْتَدِي

  وقال الكِسائيّ: عَمْرَكَ الله لا أَفْعَلُ ذاك، نُصِبَ على معنَى: عَمَّرتُك الله، أَي سَأَلْتُ الله إِيّاكَ. قال: ويُقال إِنَّه يَمِينٌ بغَيْرِ وَاوٍ. وقَدْ يَكُونُ: عَمْرَ الله، وهو قَبِيحٌ. وقال أَبو الهَيْثَم: مَعْنَى عَمْرَكَ الله: عبادَتَك الله، فنُصِبَ، وأَنشد:

  عَمْرَكِ الله ساعةً حَدِّثِينَا ... وذَرِينَا مِن قَوْل مَنْ يُؤْذِينَا

  فأَوْقَعَ الفِعْل على الله ø في قوله: عَمْرَكَ الله.

  وفي الصّحَاح: مَعْنَى لَعَمْرُ الله وعَمْرُ الله: أَحْلِفُ ببَقاءِ الله ودَوامهِ. وإِذا قُلْتَ: عَمْرَكَ الله، فكأَنَّكَ قُلْتَ: بتَعْمِيرِك الله، أَي بإِقْرارِك له بالبَقَاءِ. وقولُ عُمَرَ بنِ أَبي رَبِيعَةَ:

  أَيُّهَا المُنْكِحُ الثُّرَيّا سُهَيْلاً ... عَمْرَكَ الله كَيْفَ يَجْتَمعَانِ

  يريد: سأَلتُ الله أَنْ يُطيلَ عُمْرَكَ، لأَنّه لم يُرِد القَسَم بذلك. أَوْ لَعَمْرُ الله، أَي وبَقاءِ الله. فإِذا سَقَطَ اللامُ نُصِبَ انْتصابَ المَصَادر، قال الأَزْهَرِيّ: وتَدْخُل الّلامُ في «لَعَمْرُكَ»، فإِذا أَدْخَلْتَها رَفَعْتَ بها بالابْتِداءِ فقُلْتَ: لَعَمْرُك، ولَعَمْرُ أَبِيكَ. فإِذا قُلْتَ: لَعَمْرُ أَبِيكَ الخَيْرَ، نَصَبْتَ «الخَيْر» وخَفَضْتَ. فَمَنْ نَصَبَ أَرادَ أَنَّ أَباك عَمَرَ الخَيْرَ يَعْمُرُه عَمْراً وعِمَارةً، فَنَصَبَ الخَيْرَ بوُقُوع العَمْرِ عليه. ومَنْ خَفَضَ الخَيْرَ جعله نَعْتاً لأَبِيكَ. قال أَبو عُبَيْد: سأَلْتُ الفَرّاءَ: لِمَ ارْتَفَعَ «لعَمْرُك»؟ فقال: علَى إِضْمارِ قَسَمِ ثان، كأَنّه قال: وعَمْركَ فلَعَمْرُك عظيمٌ، وكذلك لَحَياتُك مِثلُه. أَو عَمْرَكَ الله، أَيْ أُذكِّرُكَ الله تَذْكِيراً، قال المُبَرِّدُ في قَوْله «عَمْرَكَ الله»: إِنْ شِئْتَ جعلتَ نَصْبَهُ بفِعْل أَضْمَرْتَه، وإِن شِئْتَ نَصَبْتَه بواو حَذَفْتَه، وعَمْرِكَ الله؛ وإِنْ شئْتَ كان على قولك: عَمَّرْتُك الله تَعْميراً، ونَشَدْتُك الله نَشْداً⁣(⁣١)، ثُمَّ وَضَعْتَ عَمْرَك في مَوْضِع التَّعْمِيرِ. وأَنشد فيه:

  عَمَرْتُكِ الله إِلَّا ما ذَكَرْتِ لنَا ... هل كُنْتِ جارتَنَا أَيّامَ ذِي سَلَمِ⁣(⁣٢)

  يريد ذَكَّرْتُكِ الله. قال الأَزهريّ: وفي لُغَةٍ لهم: «رَعَمْلُك» يُرِيدون لَعَمْرُك. قال: وتَقُولُ: إِنّك عَمْرِي لَظَرِيفٌ. قلتُ: وأَنشد الزَّمَخْشَريّ قولَ عُمَارةَ بن عَقِيل الحَنْظَليّ:

  رَعَمْلُكَ إِنَّ الطائرَ الواقِعَ الّذِي ... تعرّضَ لي منْ طائرٍ لَصَدُوقُ

  وقال ابنُ السِّكّيت: لَعَمْرُك، ولَعَمْرُ أَبِيكَ، ولَعَمْرُ الله، مَرْفُوعة. وفي حَدِيث لَقيط: «لعَمْرُ إِلهِك»: هو قَسَمٌ ببَقاءِ الله تعالى ودَوامه.

  وجاءَ في الحَدِيث النَّهْيُ عن قَوْلِ الرَّجُل في القَسَم: لَعَمْرُ الله، لأَنّ المُرادَ بالعَمْرِ عِمَارَةُ البَدَنِ بالحَيَاةِ، فهُوَ دُونَ البَقَاءِ، وهذا لا يَلِيقُ به جَلَّ شَأْنُه وتَعَالَى عُلُوًّا كبيراً. وقد سَبَقَت الإِشارَةُ إِليه في أَوّل المادَّةِ.

  وعَمِرَ الرَّجُلُ، كفَرِحَ ونَصَرَ وضَرَبَ، الأَخيرَةُ عن سيبويه⁣(⁣٣)، عَمْراً، بالفتح، وعَمَارَةً، ككَرَامَة، وعَمَراً، مُحَرَّكَةً؛ عاشَ وبَقِيَ زَماناً طَوِيلاً، قال لَبِيدٌ:

  وعَمَرْتُ حَرْساً قَبْلَ مَجْرَى دَاحِسٍ ... لَوْ كانَ للنَّفْس اللَّجُوجِ خُلُودُ


(١) عن التهذيب وبالأصل «نشيداً».

(٢) انظر شرحه في الخزانة، الشاهد الخامس والثمانون.

(٣) في اللسان: وعمر الرجل يعمَر ... وعمر يعمُرُ ويعمِرُ الأخيرة عن سيبويه.