تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل القاف مع الراء

صفحة 368 - الجزء 7

  والقُتْرَةُ، بالضَّمّ: نامُوسُ الصائدِ الحَافِظُ لِقُتَارِ الإِنْسَان، أَي رِيحِه، كما في البَصَائر، وقد أَقْتَرَ فِيها، هكذا في النُّسَخ من باب الإِفْعَال، والصَّوابُ كما في اللّسَان والأَسَاس: «اقْتَتَرَ فيها» من باب الافْتِعَال، قال الزمخشريّ: أَي اسْتَتَر. وتَقَتَّر للصَّيدِ: تَخَفَّى في القُتْرَة ليَخْتِلَه. وقال أَبو عُبَيْدَة⁣(⁣١): القُتْرَةُ: البِئْرُ يَحْتَفِرُهَا الصائدُ يَكْمُنُ فِيها، وجَمْعُهَا قُتَرٌ والقُتْرَةُ: كُثْبَةٌ من بَعرِ أَو حَصًى تكونُ قُتَراً قُتَراً. قال الأَزهريّ: أَخاف أَنْ يَكُونَ تصحيفاً، وصَوابُه القُمْزَةُ، والجَمْعُ قُمَز، للكُثْبَةِ من الحَصَى وغَيْرِه.

  وقَتَرَ الشيءَ: ضَمَّ بعضَه إِلى بَعْضٍ، وكذلك قَتَّرَه، بالتَّشْدِيد، كما تقدّم، وقَتَرَ الدِّرْعَ: جَعَلَ لها قَتِيراً، أَي مِسْمَاراً؛ نَقله الصاغانيّ. وقَتَرَ الشَّيْءَ: لَزِمَه، كأَقْتَرَ، نقله الصاغانيّ، ونَصّ عِبَارِته: وأَقْتَرَ الرَّجُلُ، إِذا لَزِمَ، مِثْلُ قَتَرَ.

  ومن المَجَازِ: عَضَّهُ ابنُ قِتْرَةَ، بالكَسْرِ: حَيَّةٌ خَبِيثَةٌ إِلى الصِّغَر ما هُوَ، لا يَنْجُو سَمِيمُهَا⁣(⁣٢) مشتقٌّ من قِتْرَةِ السَّهْمِ، وقيل: هو بِكْرُ الأَفْعَى، وهو نَحْوُ الشِّبْر، يِنْزُو ثمّ يَقَعُ. وقال شَمِرٌ: ابنُ قِتْرَةَ: حَيَّةٌ صغيرةٌ تَنْطَوِي ثم تَنْزُو في الرَّأْس، والجمعُ بَناتُ قِتْرَةَ. وقال ابنُ شُمَيْل: هو أُغَيْبرُ اللَّوْنِ صَغِيرٌ أَرْقَطُ يَنْطَوِي ثم يَنْقُزُ⁣(⁣٣) ذِراعاً أَو نحوَها؛ وهو لا يُجْرَى، يُقَالُ: هذا ابنُ قِتْرَةَ. وأَنشد:

  له مَنْزِلٌ أَنْفُ ابنِ قِتْرَةَ يَقْتَرِي ... بِهِ السّمَّ لم يَطْعَمْ نُقَاخاً ولا بَرْدَا

  وقِتْرَةُ مَعْرِفةٌ لا يَنْصرِف. وصَرَّحَ الزَّمخشريّ أَنّها إِنّمَا سُمِّيَتْ بذلك كأَنَّ لها قِتْرَةً تَرْمِي بها، قال:

  أَحْدُو لِمَوْلاتِي وتُلْقِي كِسْرَهْ ... وإِنْ أَبَتْ فعَضَّها ابنُ قِتْرَهْ

  ومن المَجاز: أَبو قِتْرَةَ: إِبْلِيسُ، لَعَنَهُ الله تعالَى، وهي كُنْيَتُه، أَو قِتْرَةُ: عَلَمٌ للشَّيْطَانِ، وفي الحَدِيث: «تَعَوَّذُوا⁣(⁣٤) بالله من الأَعْمَيَيْنِ، ومن قِتْرَةَ وما وَلَدَ».

  قال الخَطّابِيّ في إِصلاح الأَلفاظ: يُرِيدُ بالأَعْمَيَيْن الحَرِيقَ والسَّيْلَ ... وقِتْرَةُ، بكَسْرٍ فَسُكُون: من أَسماءِ إِبْلِيسَ. وقيل: كُنْيَتُه أَبو قِتْرَةَ.

  وهكذا نقَلَهُ الحَافِظُ في التَّبْصِير.

  وأَقْتَرَ الرَّجُلُ: افْتَقَر، قال:

  لَكُمْ مَسْجِدَ الله المَزُورَانِ، والحَصَى ... لَكُمْ قِبْصُهُ من بَيْنِ أَثْرَى وأَقْتَرَا

  يريدُ من بَيْنِ من أَثْرَى وأَقْتَر. وفي الحَدِيثِ: «فَأَقْتَرَ أَبَواه حَتَّى جَلَسَا مع الأَوْفاض»، أَي افْتَقَرا حَتّى جَلَسَا مع الفُقَرَاءِ. ويُقَالُ: أَقْتَر: قَلَّ مالُه ولَهُ بَقِيَّةٌ مع ذلك. فهو مُقْتِرٌ. وأَقْترَتِ المَرْأَةُ فهي مُقْتِرَةٌ، إِذا تَبَخَّرَت بالعُودِ، قال الشاعِر:

  تَرَاهَا الدَّهْرَ مُقْتِرَةً كِبَاءً ... ومِقْدَحَ صَفْحَةٍ فيها نَقِيعُ

  والقَتُورُ، كصَبُور: البَخِيلُ، يقال: رَجُلٌ مُقَتِّرٌ وقَتُورٌ.

  وقولُه تعالى: {وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً}⁣(⁣٥) تَنْبيهٌ على ما جُبِلَ عليه الإِنْسَانُ من البُخْل؛ كذا في البَصَائر⁣(⁣٦).

  وقُتَيْرَةُ، كجُهَيْنَةَ: اسمٌ، وقُتَيْرَةُ⁣(⁣٧): أَبو قَبِيلَةٍ من تُجِيبَ، منهم المُحَدِّثانِ مُحَمّدُ بنُ رَوْحٍ، حَدَّث عن جماعَة، وعنه الحَسَنُ بنُ داوُودَ بنِ وَرْدَانَ؛ والحَسَنُ بنُ العَلاءِ القُتَيْرِيّانِ، عن عَبْدِ الصَّمَدِ بنِ حَسّانَ، وعنه جابِرُ بنُ قَطَنٍ الخُجَنْديّ. وفاتَهُ حَبِيبُ بنُ الشّهِيدِ القُتَيْرِيُّ، مَوْلَى عُقْبَةَ بنِ نَجْدَةَ⁣(⁣٨) القُتَيْرِيِّ، رَوَى عنه يَزِيدُ بن أَبِي حَبِيب؛ هكذا ضَبَطَهُ الأَئِمَّة بالتَّصْغِيرِ في كلّ ذلك، وضَبَطَهُ الحافِظُ في التَّبْصِير بفَتْح فكَسر.

  * ومّما يُسْتَدْرك عليه:

  الْقُتْرَة، بالضَّمِّ: ضِيقُ العَيْشِ، وهو مَجازٌ.

  ولحمٌ قاتِرٌ، إِذا كانَ لَهُ قُتَارٌ، لِدَسَمِه، ورُبّمَا جَعَلَتِ العربُ الشَّحْمَ واللَّحْمَ قُتَاراً، ومنه قولُ الفَرَزْدَقِ:

  إِلَيْكَ تَعَرَّقْنَا الذُّرَا برِحَالِنَا ... وكُلَّ قُتَارٍ في سُلامَى وفي صُلْبِ


(١) الأصل واللسان، وفي التهذيب: أبو عبيد.

(٢) في اللسان: «لا يُسلم من لدغها» وفي الأساس: «لا ينجو سليمها».

(٣) ينقز أَي يثب.

(٤) عن النهاية واللسان وبالأصل «نعوذ».

(٥) سورة الإسراء الآية ١٠٠.

(٦) وهي عبارة الراغب في المفردات (قتر).

(٧) طبعت في اللباب بفتح القاف، وفي جمهرة ابن حزم فكالأصل.

(٨) اللباب: بحرة.