تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[نذر]:

صفحة 518 - الجزء 7

  له، المعْنَى {فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً} للإِعذار والإِنْذَار⁣(⁣١). والنَّذيرُ اسمُ الإِنْذَار. قال الله تعالَى: {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ}⁣(⁣٢) أَي إِنذاري، كالنِّذارَة، بالكَسْر، وهذه عن الإِمَام محمّد بن إِدْريس الشّافعيّ ¥. قُلْتُ: وجعلَه ابنُ القَطَّاع عن مَصادر نَذِرْتُ بالشيءِ إِذا علمْته، كما تقدَّم.

  والنَّذير: المُنْذِرُ، وهو المُحذِّر، فَعيل بمعنَى مُفْعِل، وقيل: المُنْذِر: المُعْلِمُ الذي يُعرِّف القَوْمَ بما يكون قد دَهمَهم من عدُوٍّ أَو غيرِه، وهو المُخَوِّف أَيضاً. وأَصلُ الإِنذار الإِعلام. ج نُذُرٌ، بضمَّتين، ومنه قَوْلُه تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ}⁣(⁣٣) قال الزَّجَّاج: النُّذُر جمْع نَذِير.

  وقال أَبو حَنيفَة: النَّذِيرُ⁣(⁣٤): صَوْتُ القَوْسِ، لأَنَّهُ يُنْذِرُ الرَّمِيَّةَ، وأَنْشد لأَوْس بن حجَر:

  وصفْراءَ مِن نَبْعٍ كأَنَّ نَذِيرَها ... إِذا لمْ تُخَفِّضْهُ عن الوَحْشِ أَفْكَلُ

  وقَوْلُه ø: {وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ}⁣(⁣٥) قال ثعلبٌ: هو الرَّسُولُ، وقال بعْضُهم: النَّذِيرُ هنا الشَّيْبُ. قال الأَزْهريّ: والأَوّل أَشْبَهُ وأَوْضَح. وقال أَهلُ التَّفْسير: يَعْنِي النَّبيّ ، كما قال ø: {إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً}⁣(⁣٦).

  وفي الحَدِيث: «كان إِذا خَطَبَ احمَرَّتْ عينَاه وعَلَا صوتُه واشتَدَّ غَضَبُه، كأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يقول صَبَّحكُم ومسَّاكُم».

  وتَنَاذَرُوا: أَنْذَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً شَرّاً مَخُوفاً، قال النّابغَةُ يَصف أَنَّ النُّعْمَانَ تَوعَّده فباتَ كأَنَّه لَدِيغٌ يَتَمَلْمَلُ على فِرَاشه:

  فبِتُّ كأَنِّي ساوَرَتْنِي ضَئِيلَةٌ ... من الرُّقْش في أَنْيَابهَا السّمُّ ناقِعُ

  تَنَاذَرَها الرَّاقُون من سُوءِ سمِّها ... تُطَلِّقُه طَوْراً وطوْراً⁣(⁣٧) تُرَاجِعُ

  والنَّذِيرُ العُرْيَانُ: رَجُلٌ من خَثْعَمَ حَمَلَ عليه يَومَ ذي الخَلَصَة عَوْفُ بن عامرَ فقَطَع يَدَهُ ويَدَ امْرَأَته. وحَكى ابنُ بَرّيّ في أَماليه عن أَبي القَاسم الزّجّاجيّ في أَمَاليه، عن ابن دُرَيْد قال: سأَلْتُ أَبا حاتمٍ عن قَولهم: أَنا النَّذيرُ العُرْيانُ فقال: سمِعتُ أَبا عُبَيْدَة يقول: هو الزُّبَير بنُ عَمْرو الخَثْعَميّ، وكان ناكِحاً في بني زُبَيْد، فأَرادتْ بنو زُبَيْد أَن يُغِيرُوا على خَثْعَمَ، فخَافُوا أَن يُنْذِرَ قَومَه فأَلقَوْا عليه بَرَاذِعَ وأَهْدَاماً واحتَفَظُوا به، فصادَف غِرَّةً فحاضَرَهُم⁣(⁣٨) وكانَ لا يُجَارَى شَدّاً فأَتَى قومَه فقال:

  أَنَا المُنْذِرُ العُرْيَانُ يَنْبِذُ ثَوْبَه ... إِذَا الصَّدْقُ لا يَنْبِذْ لك الثَّوْبَ كاذِبُ

  أَو كُلُّ مُنْذِرٍ بحَقٍّ، ونَقَلَ الأَزهريُّ عن أَبي طالبٍ قال: إِنّمَا قالوا: أَنَا النَّذِيرُ العُرْيانُ لأَنَّ الرَّجُلَ إِذا رَأَى الغَارَةَ قد فَجَأَتْهُمْ وأَرادَ إِنْذَارَ قَوْمه تَجَرَّد من ثِيَابه وأَشَارَ بها ليُعْلِمَ أَنْ قد فَجِئَتْهُمُ الغَارَةُ: ثمّ صارَ مَثلاً لكلّ شيءٍ يُخَاف مُفَاجَأَتُهُ، ومنه قَوْلُ خُفَافٍ يَصف فَرساً:

  ثَمِلٌ إِذا صفَرَ اللِّجَامُ كأَنَّه ... رَجُلٌ يُلَوِّح باليَدَيْن سَلِيبُ

  وكأَمِير وزُبَيْر ومُحْسِن، ومُنَاذِرٌ بالضمّ، ومُنَيْذِرٌ مُصَغَّراً: أَسماءٌ. وفَاتَه ناذِرٌ، كصَاحِب، فمِن الأَوّل: نَذيرٌ المُحَاربيّ وابنُه جناح بن نَذِير شَيخٌ للبَيْهَقيّ وآخَرون، ومن الثاني إِياسُ بنُ نُذَيْرٍ الضَّبِّيّ، عن أَبيه وأَبو قَتَادَة تَميمُ بنُ نُذَيْرٍ العَدَويّ، عنه ابنُ سِيرِينَ ورِفَاعةُ بن إِيَاس بن نُذَيْر، عن أَبيه عن جدّه، وابن عمّه محمّد بن الحَجّاج بن جَعْفَر بن إِياس بن نُذَيْر، عن عبد السّلام بن حَرْب وغيْرِه. وأَبو نُذَيْرٍ مُسْلِم بن نُذَيْرٍ عن عليٍّ وحُذَيْفَةَ، وثابِتُ بن نُذَيْرٍ، مَغْرَبِيّ مات سنة ٣١٠.

  ويُقَال: باتَ بلَيْلَةِ ابنِ مُنْذِرٍ، يَعنِي النُّعْمَانَ مَلِكَ الحِيرَة، أَي بَلَيْلَةٍ شَديدَةٍ، كما يُقَال: باتَ لَيلةً نابِغيَّة، قال ابنُ أَحْمرَ:

  وباتَ بنُو أُمِّي بلَيْلِ ابنِ مُنْذِرٍ ... وأَبناءُ أَعْمامي عَذُوباً صَوادِيَا⁣(⁣٩)


(١) في التهذيب: أو الإنذار.

(٢) سورة الملك الآية ١٧.

(٣) سورة القمر الآية ٢٣.

(٤) عن اللسان وبالأصل «النذر».

(٥) سورة فاطر الآية ٣٧.

(٦) سورة الأحزاب الآية ٤٥.

(٧) في التهذيب والصحاح: تطلقه حيناً وحيناً ..

(٨) عن اللسان وبالأصل «فحاصرهم» بالصاد.

(٩) عَذوب أي وقوف لا ماء لهم ولا طعام.