تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[عنز]:

صفحة 112 - الجزء 8

  فلما سَمِعُوا ذلِك عَظُم عليهم واشتَدّ غَضَبُهم، ومَضَى بعضُهم إِلى بَعْض، ثمّ إِن أَخَا عُفَيْرَة وهو الأَسودُ بنُ عَفَارِ صنعَ طَعاماً لعُرْسِ أُختِه عُفَيْرةَ، وَمضَى إِلى عِمْلِيق يسأَله أَن يَحْضُر طَعَامَه، فأَجَابَه وحَضَر هو وأَقارِبُه وأَعْيَانُ قَوْمِه، فلمّا مَدُّوا أَيدِيَهُم إِلى الطَّعام غَدَرَت بهِم جَدِيسُ فقُتِل كُلّ مَنْ حَضرَ الطعامَ، ولم يُفْلِتْ مِنْهُم أَحدٌ إِلاّ رَجلٌ يقال له رِيَاحُ بنُ مَرَّةَ،. تَوجّه حتى أَتى حَسَّانَ بن تُبَّع، فاستَجاشَه عليهم، ورَغَّبَه فيما عِنْدَهم من النَّعم، وذكرَ أَنَّ عِندَهم امرأَةً يقال لها عَنْزُ، ما رَأَى الناظِرُون لها شَبَهاً، وكانت طَسْم وجَدِيسُ بِجَوِّ⁣(⁣١) اليَمَامةِ، فأَطاعه حَسَّان، فخَرَجَ هو ومَنْ عِنْدَه حتى أَتوْا جَوًّا، وكان بها زَرْقَاءُ اليمامةِ، وكانت أَعلَمَتْهُم بجَيْشِ حَسّان من قَبل أَن يَأْتِيَ بثَلاثةِ أَيّامٍ، فأَوْقَعَ بجَدِيسَ وقَتَلَهُم وسَبَى أَولادَهَم ونِسَاءَهم، وقَلَع عَيْنَيْ زَرْقَاءَ وقَتَلَهَا، وأُتِيَ إِليه بعَنْز راكِبَةً جَمَلاً، فلمّا رأَى ذلِك بَعْضُ شُعَرَاءِ جَدِيسَ قال:

  أَخلَقَ الدَّهْرُ بِجَوٍّ طَلَلَا ... مِثلَ ما أَخْلَقَ سَيْفٌ خِلَلَا

  وتَداعَتْ أَربَعٌ دَفَّافَةٌ ... تَرَكَتْه هَامِداً مُنْتَخِلَا

  مِن جَنُوبٍ وَدَبُورٍ حِقْبَةً ... وصَباً تُعقِبُ رِيحاً شَمْأَلَا

  وَيْلَ عَنْزٍ واسْتَوَتْ رَاكِبَةً ... فوْقَ صَعْبٍ لم يُقَتَّلْ ذُلُلَا

  شَرَّ يومَيْهَا وأَغوَاهُ لَهَا ... رَكِبَت عَنْزٌ بحِدْجٍ جَمَلَا

  لا تُرَى من بَيْتِهَا خارِجَةً ... وتَرَاهُنّ إِليها رَسَلَا

  مَنَعَت جَوًّا ورامَتْ سَفَراً ... تَرَكَ الخَدَّيْن منها سَبَلَا

  يَعلَمُ الحَازِمُ ذُو اللُّبِّ بذَا ... أَنّمَا يُضْرَب هذا مَثَلَا

  ونَصبُ شَرّ يَومَيها على الظَّرفِيّة برَكِبَت، مَعْنَى ذلِك رَكِبَتْ بحِدْجٍ جَمَلا في شَرِّ يَومَيها. وعَنَزَ عنه عُنُوزاً: عَدَلَ ومالَ، وقال ابنُ القَطَّاع: تَنَحَّى.

  وعَنَز فُلَاناً عَنْزاً: طَعَنَه بالعَنَزةِ، قاله ابنُ القَطّاع. وقال الزّمخْشَرِيّ: عَنَزُوه: طَعَنُوا فيه، مثل تَرَكُوه⁣(⁣٢). وهي، أَي العَنَزة محرّكةً: رُمَيْح بَيْن العَصَا والرُّمْح، قالُوا: قَدْر نِصْفِ الرُّمح أَو أَكْثَر شَيْئاً، فيه سِنانٌ مثلُ سِنَان الرُّمْح، وقيل: في طَرَفه الأَسْفَلِ زُجٌّ كزُجِّ الرُّمْحِ يَتَوَكَّأُ عليها الشَّيخُ الكَبِيرُ، وقيل: هي أَطْولُ من العَصَا وأَقصَرُ من الرُّمْح، والعُكَّازَةُ قَرِيبَةٌ منها.

  والعَنَزَة أَيضاً: دَابَّةٌ تكون بالبَادِيَة، دَقِيقَةُ الخَطْمِ، أَصغَرُه من الكَلْب، وهي من السِّباعِ، تأْخُذُ البَعِيرَ من قِبَل دُبُرِه، وقَلَّما تُرَى، وتَزْعُم العَرَبُ أَنَّهَا شَيْطَانٌ. أَو هي كابْنِ عِرْسٍ تَدْنُو من النّاقّة البَارِكَةِ ثمّ تَثِبُ فَتَدْخُل في حَيَائِهَا فتَنْدَسُّ، ونَصّ الأَزهريّ: فتَنْدَمِص فِيهِ حتّى تَصلَ إِلى الرَّحِم: فتَجْتَذِبُها فَتَمُوتُ النَّاقَةُ مَكَانَها. قال الأَزْهَرِيّ: ورأَيتُ بالصَّمَّانِ ناقةً مُخِرَتْ من قِبَلِ ذَنَبِها لَيْلاً فأَصْبَحَتْ وهي مَمْخُورَة، قد أَكَلَت العَنَزةُ من عَجُزِهَا طائِفَةً [والناقةُ حيّة]⁣(⁣٣)، فَقَال رَاعِي الإِبِلِ وكان نُمَيْرِيّا فَصيحاً: طَرَقَتْهَا⁣(⁣٤) العَنَزَةُ فمَخَرتْهَا. والمَخْرُ: الشَّقُّ، وقَلَّمَا تَظْهرَ لخُبْثِهَا.

  والعَنَزَة من الفَأْسِ: حَدُّها.

  وعَنَزَةُ بنُ أَسَدِ بن رَبِيعَةَ بن نِزَار بن معَدٍّ، واسمُه عَمرو: بَطْن من أَسد وهو من اللهَازم. قال ابن الكلبيّ: وقد دَخَلُوا في عَبْدِ القَيْس، أَو ابنُ عَمْرو، هكذا في النُّسَخ بإِثْبَاتِ أَو، والصّواب وابنُ عَمْرو، بالوَاو، وهو ابن عَوْف بن عَدِيّ بنِ عَمْرو بنِ مَازِن بن الأَزْد: أَبو حَيّ من الأَزْد. وفَاتَه عَنَزَةُ بنُ عَمْرو بنِ أَفْصَى بنِ حَارِثَةَ الخُزَاعِيّ، ذَكَرَه الصَّاغَانِيّ، وعُنَيْزَةُ، مُصَغَّراً: هَضْبَةٌ سَوْدَاءُ بالشَّجِي⁣(⁣٥) ببَطْنِ فَلْجٍ⁣(⁣٦) بَيْن البَصْرَة وحِمَى ضَرِيّةَ. قال الصّاغَانِيُّ: وإِيّاهَا عَنى ابنُ حَبِيب حَيْث رَوَى بيتَ امرئِ القَيْس:


(١) عن اللسان وبالأصل «بجوار».

(٢) في الأساس: نزكوه.

(٣) زيادة عن التهذيب.

(٤) في التهذيب: «طرقها فمخرها» وفي إحدى نسخة: طرقتها كالأصل.

وبحواشي التهذيب: «وكأن العنزة تقال للمذكر والمؤنث من هذا الحيوان، فجاء الوجهان».

(٥) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: «بالشجى وهو مضبوط في التكملة بفتح الشين وكسر الجيم».

(٦) في التكملة «فُلَيج». قال نصر: فليج واد يصب في فلج بين البصرة وضرية.