تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[دحس]:

صفحة 278 - الجزء 8

  دِرْهمٍ، ثمّ أَعْطاه له لمَّا أَرْسَلَه إِلى بلادِ فَارِسَ. نَقله ابنُ الكَلْبِيِّ.

  وسُمِّيَ داحِساً لأَنَّ أُمَّهُ جَلْوَى الكُبْرَى كانَتْ لبنِي تَمِيمٍ، ثمّ لرَجُلٍ من بَنِي يَرْبُوعٍ، اسمُه قِرْوَاشُ بنُ عَوْفٍ مَرَّتْ بِذي العُقَّال بنِ أَعْوَجَ. في الأَنْسَاب: ابنِ الهُجَيْسِيّ بن زادِ الرَّكْب. وكان ذو العُقَّالِ فَرَساً عَتِيقاً لِحَوْطِ بنِ [أَبِي] جابِرٍ، مع جارِيَتَيْنِ من الحَيِّ خَرَجَتَا لِتَسْقِياهِ فلمّا رأَى جَلْوَى وَدَى، فضَحِكَ شَبَابٌ مِن الحَيِّ كانُوا هُنَاك، فاسْتَحْيَتَا، فأَرْسَلَتَاه. ونَصُّ السُّهَيْلِيّ في الرَّوْضِ: فاسْتَحَيَا وَنَكَّسَا رؤُوسَهما، فأَفْلَتَ ذُو العُقَّالِ فَنَزَى عَلَيْها، فَوافَقَ قَبُولَهَا، فعرَفَ حَوْطٌ صاحِبُ ذي العُقَّال ذلِكَ حِينَ رأَى عَيْنَ فَرَسِه: وهو رجُلٌ من بني ثَعْلَبَةَ بنِ يَرْبُوع، وكان شِرَّيراً، فأَقْبَلَ مُغْضَباً فطَلَبَ منهم ماءَ فَحْلِه، فلمّا عَظُمَ الخَطْبُ بينَهُمْ قالوا له: دُونَكَ ماءَ فَرَسِك، فسطَا عليها حَوْطٌ وجَعَل يدَه في ماءٍ وتُرَابٍ، فأَدْخَلَ يدَه في رَحَمِهَا ثمّ دَحَسَهَا حتَّى ظَنَّ أَنَّه قد أَخْرَجَ الماءَ، واشْتَمَلَتِ الرَّحِمُ على ما فِيهَا من بقيَّة الماءِ فنَتَجَهَا قِرْوَاشٌ مُهْراً، فسُمِّيَ داحِساً [من ذلك] *، وخَرَجَ وكَأَنَّه ذُو العُقَّالِ أَبُوهُ. وله حَدِيثٌ طويلٌ في حَرْبِ غَطَفَانَ. وضُرِبَ به المَثَلُ، فقيل: «أَشْأَمُ من دَاحِسٍ».

  وذلِكَ لِمَا جَرَى بسَبَبِه من الخُطُوبِ. فلا يُقَال: إِنَّ الصوابَ «أَشْأَمُ من الغَبْرَاءِ» كما نَقَلَه شيخُنَا عن بَعْضِ أَهْلِ النَّظَرِ، زَعَمُوا. وقالُوا: هو المُطَابِقُ للواقِعِ؛ لأَنَّ الحَرْبَ إِنّمَا هَاجَتْ بسَبَبِ الغَبْرَاءِ، فإِنَّ المُرَادَ في شُؤْمِه هُنَا هو ما أَشارَ له المصنِّف في قِصَّة نِتاجِهِ، دُونَ المُرَاهَنَةِ التي سَبَقَتْ مِن قَيْسٍ وحُذَيْفَةَ، كما هو ظاهرٌ، فتأَمَّلْ.

  قال السُّهَيْلِيّ: وأَظْهَرُ منه أَن يكونَ مِثْلَ: لابِنٍ وتامِرٍ، وأَنْ يكونَ فاعِلاً بمعنى مَفْعُولٍ.

  وإِنَّمَا قَيَّدَ المصنِّفُ جَلْوَى بالكُبْرَى احْتِرازاً من الصُّغْرَى، فإِنَّهَا بِنْتُ ذِي العُقَّال مِن جَلْوَى الكُبْرَى، سُمِّيَتْ باسمِ أَمِّهَا، فهي أُختُ داحِسٍ من أَبِيه وأُمِّه، وهي أَيضاً لبني ثَعْلَبَةَ بنِ يَرْبُوعٍ.

  والدحّاسُ، كرُمَّانٍ وشَدَّادٍ: دُوَيْبةٌ صَفْرَاءُ سُمِّيَتْ لاستِيطانِها في الأَرْضِ، وهي في الصّحاح هكذا، والجَمْعُ: الدَّحَاحِيسُ والأُولَى نَقَلَها الصاغانِيّ. وفي المُحْكَم: الدَّحّاسَةُ: دُودَةٌ تَحْتَ التُّرَابِ صَفْرَاءُ صافِيةٌ، لها رأْسٌ مُشَعّبٌ دَقِيقَةٌ تَشُدُّها الصِّبْيَانُ في الفِخَاخِ لِصَيْدِ العَصَافِيرِ، لا تُؤْذِي.

  والدَّاحِسُ والدَّاحُوسُ: قَرْحَةٌ تَخْرُج باليَدِ، وبه أَجَابَ الأَزْهَرِيُّ حينَ سُئِلَ عنه، أَو بَثْرَةٌ تَظْهَرُ بَيْنَ الظُّفُرِ واللَّحْمِ فيَنْقَلِعُ منها الظُّفُرُ، كما حَدَّدَهُ الأَطِبَاءُ.

  وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: الدَّاحِسُ: تَشَعُّثُ الإِصْبَعِ، وسُقُوطُ الظُّفُرِ.

  وأَنشَدَ أَبو عليٍّ:

  تَشَاخَسَ إِبْهَامَاكَ إِنْ كُنْتَ كَاذِباً ... ولَا بَرِئَا مِنْ دَاحِسٍ وكُنَاعِ

  والإِصْبَعُ مَدْحُوسَةٌ، من ذلك.

  وفي حَدِيثِ طَلْحَةَ: «أَنَّه دَخَلَ عليهِ دَارَهُ وهِيَ دِحَاسٌ» أَي ذاتُ دِحَاسٍ وبَيْتٌ مَدْحُوسٌ ودِحَاسٌ، بالكَسْرِ: مَمْلُوءٌ كثيرُ الأَهْلِ، قالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ⁣(⁣١). والدِّحَاسُ: الامتلاءُ والزِّحَام.

  والدَّيْحَسُ، كصَيْقَلٍ: الكثيرُ من كلِّ شيْءٍ، كالدَّيْخَسِ⁣(⁣٢) والدَّيْكَسِ.

  * ومما يستدرك عليه:

  دَحَسَ ما في الإِنَاءِ دَحْساً: حَسَاهُ.

  ووِعَاءٌ مَدْحُوسٌ ومَدْكُوسٌ ومَكْبُوسٌ، بمعنًى وَاحدٍ. نقَلَه الأَزْهَرِيُّ عن بعضِ بني سُلَيْمٍ.

  ودَحَسَ الثَّوْبَ في الوِعَاءِ يَدْحَسُه دَحْساً: أَدْخَله.

  وبَيْتٌ مَدْحُوسٌ من النّاسِ: أَي مملوءٌ ودَحَسَ الصُّفُوفَ: زَاحَمَهَا بالمَنَاكِبِ.

  ودَاحِسُ: مَوْضِعٌ. قال ذُو الرُّمَّة:

  أَقُولُ لِعَجْلَى بَيْنَ يَمٍّ ودَاحِس ... أَجِدِّي فَقَدْ أَقْوَتْ عَلَيْكِ الأَمالِسُ⁣(⁣٣)


(*) زيادة عن القاموس.

(١) الجمهرة ٢/ ١٢٢.

(٢) عن التكملة والتهذيب وبالأصل «كالديجس».

(٣) قوله: لعجلي، عجل اسم ناقته. ويم وداحس: مكانان، والأمالس: ما استوى من الأرض.