[نفس]:
  الصّحاحِ: ما لَهُ(١) نَفْسٌ سائِلَةٌ فإِنَّه لا يُنَجِّسُ المَاءَ إِذا مَاتَ فيه». قلت: وهذا الّذِي في الصّحاحِ مُخَالِفٌ لِمَا في كُتُبِ الحَدِيثِ، و في رِوَايَةِ أُخْرَى: «مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سائِلَةٌ» و رُوِيَ [عن](٢) النَّخَعِيّ أَنَّه قال: «كُلُّ شَيْءٍ له نَفْسٌ سائِلَةٌ فماتَ في الإِنَاءِ فإِنّه يُنَجِّسُه» وفي النِّهَايَةِ عنه: «كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فإِنه لا يُنَجِّسُ الماءَ إِذا سَقَطَ فيه» أَي دَمٌ سائِلٌ، ولذَا قالَ بعضُ مَن كَتَبَ على الصِّحّاحِ: هذا الحَدِيثُ لم يَثْبُتْ، قالَ ابنُ بَرِّيّ: وإِنَّمَا شاهِدُه قولُ السَّمَوْألِ:
  تَسِيلُ عَلى حَدِّ الظُّبَاةِ نُفُوسُنَا ... ولَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّباةِ تَسِيلُ
  قال وإِنَّمَا سُمِّيَ الدَّمُ نَفْساً، لأَنّ النَّفْسَ تَخْرُج بِخُرُوجِه.
  والنَّفْسُ: الجَسَدُ، وهو مَجَازٌ، قال أَوْسُ بنُ حَجَرٍ، يُحَرِّضُ عَمْرو بنَ هِنْدٍ عَلى بَنِي حَنِيفَة، وهم قَتَلَهُ أَبيه المُنْذِر بنِ ماءِ السماءِ، يومَ عَيْنِ أَبَاغٍ، ويزْعُم أَن عَمْروَ بن شَمِرَ(٣) الحَنَفِيّ قَتَله:
  نُبِّئْتُ أَنَّ بَنِي سُحَيْمٍ أَدْخَلُوا ... أَبْيَاتَهُمْ تامُورَ نَفْسِ المُنْذِرِ
  فَلَبِئْسَ ما كَسَبَ ابنُ عَمْرٍو رَهْطَهُ ... شَمِرٌ وكان بِمَسْمَعٍ وَبِمَنْظَرِ
  والتامُورُ: الدّمُ، أَي حَمَلُوا دَمَه إِلى أَبْيَاتِهِم.
  والنَّفْسُ: العَيْنُ التي تُصِيبُ المَعِينَ، وهو مَجَازٌ. يُقَال: نَفَسْتُه بِنَفْسٍ، أَي أَصَبْتُه بِعَيْنٍ، وأَصابَتْ فُلاناً نَفْسٌ، أَي عَيْنٌ. و في الحَدِيث، عن أَنَسٍ رَفَعَهُ: «أَنَّه نَهَى عَنِ الرُّقْيَةِ إِلاّ فِي النَّمْلَةِ والحُمَةِ والنَّفْسِ» أَي العَيْنِ، والجَمْعُ: أَنْفُسٌ، ومنه الحديث: «أَنه مَسَح بَطْنَ رافِعٍ فأَلْقَى شَحْمَةً خَضْرَاءَ، فقال: إِنه كانَ فِيهَا سَبْعَةُ أَنْفُسٍ» يريدِ عُيُونَهُمْ.
  ورَجُلٌ نافِسٌ: عائِنٌ، وهو مَنْفُوسٌ: مَعْيُونُ.
  والنَّفْسُ: العِنْدُ، وشَاهِدُه قولُه تعالَى، حِكَايَةً عَن عِيسَى عَليه وعلى نِبِيِّنا مُحَمَّدٍ أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ(٤) أَي تَعْلَمُ ما عِنْدِي، ولا أَعْلَمُ ما عِنْدَكَ، ولكن يَتَعَيَّن أَنْ تَكُونَ الظَّرْفِيَّةُ حِينَئِذٍ ظرفِيَّةَ مَكَانَةٍ لا مَكَانٍ، أَو حَقِيقَتِي وحَقِيقَتِكَ، قال ابنُ سِيْدَه: أَي لا أَعْلَمُ ما حَقِيقَتُكَ ولا ما عِنْدَكَ عِلْمُه، فالتَّأْوِيلُ: تَعْلَمُ ما أَعْلَمُ، ولا أَعْلَمُ ما تَعْلَمُ، والأَجْوَدُ في ذلِكَ قولُ ابنِ الأَنْبَارِيّ: إِنَّ النَّفْسَ هنا الغَيْبُ، أَي تَعْلَمُ غَيْبِي، لأَنَّ النَّفْسَ لمّا كانتْ غَائِبَةً أَوقِعَتْ على الغيْبِ، ويَشْهَدُ بصِحَّتِه قولُه في آخرِ الآيَة {إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ} كأَنَّه قال: تَعْلمُ غَيْبِي يا عَلاَّم الغُيُوبِ.
  وقال أَبو إِسْحَاق: وقدْ يُطْلَقُ ويُرَادُ به جُمْلَةُ الشَّيْءِ وحَقِيقتُه، يُقال: قَتَلَ فُلانٌ نَفْسَه، وأَهْلَكَ نَفْسَه: أَي أَوْقَعَ الهَلَاكَ بذَاتِهِ كُلِّهَا وحَقِيقَتِه. قُلتُ: ومنه أَيضاً ما حكاهُ سِيبوَيْه، من قَولِهِمْ: نَزَلْتُ بِنَفْسِ الجَبَلِ، ونَفْسُ الجَبَلِ مُقَابِلِي.
  والنَّفْسُ: عَيْنُ الشَّيْءِ وكُنْهُه وجَوْهَرُه، يُؤَكَّدُ به، يُقَالُ: جَاءَنِي المَلِكُ بِنَفْسِه، ورَأَيْتُ فَلاناً نَفْسَه.
  وقَوْله تَعَالى: {اللهُ يَتَوَفَّى} الْأَنْفُسَ {حِينَ مَوْتِها}(٥) رُوِيَ عنِ ابنِ عَبّاسِ رضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قالَ: لكُلِّ إِنْسَانٍ نَفْسَانٍ: إِحْدَاهُمَا(٦) نَفْسُ العَقْلِ الذي يكونُ به التَّمْييزُ، والأُخْرى نَفْسُ الرُّوحِ الَّذِي به(٦) الحَيَاةُ.
  وقال ابن الأَنباريّ: من اللُّغويِّينَ مَنْ سَوَّى بَيْنَ النَّفْسِ والرُّوحِ، وَقَالَ: هما شَيْءٌ وَاحِدٌ، إِلاّ أَنْ النَفْسَ مؤنثَةٌ والرُّوحَ مُذكَّرَةٌ(٧). وقال غيرُهُ: الرُّوحُ الَّذي به الحَيَاةُ، والنَّفْسُ: التي بها العَقْلُ، فإِذا نامَ النائمُ قَبَضَ الله نَفْسَه، ولم يَقْبِضْ رُوحَه، ولا تُقْبَضُ الرُّوحُ إِلاَّ عِنْدَ المَوْت، قال: وسُمِّيَت النَّفْسُ نَفْساً لتَوَلُّد النَّفْس منها واتّصَاله(٨) بها، كما سَمَّوُا الرُّوحَ رُوحاً، لأَنَّ الرَّوْحَ مَوجُودٌ(٩) به.
(١) في الصحاح: ما ليس له نفس.
(٢) زيادة عن اللسان.
(٣) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: عمرو بن شمر، تأمله مع قوله في البيت الثاني: ما كسب ابن عمرو الخ فإنه يقتضي العكس».
(٤) سورة المائدة الآية ١١٦.
(٥) سورة الزمر الآية ٤٢.
(٦) التهذيب: أحدهما: ... التي يكون بها ... التي بها الحياة، والأصل كاللسان.
(٧) التهذيب واللسان: مذكر.
(٨) بالأصل «واتصالها به» والمثبت عن التهذيب.
(٩) عن التهذيب وبالأصل «موجودة».