تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[نفس]:

صفحة 15 - الجزء 9

  الصّحاحِ: ما لَهُ⁣(⁣١) نَفْسٌ سائِلَةٌ فإِنَّه لا يُنَجِّسُ المَاءَ إِذا مَاتَ فيه». قلت: وهذا الّذِي في الصّحاحِ مُخَالِفٌ لِمَا في كُتُبِ الحَدِيثِ، و في رِوَايَةِ أُخْرَى: «مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سائِلَةٌ» و رُوِيَ [عن]⁣(⁣٢) النَّخَعِيّ أَنَّه قال: «كُلُّ شَيْءٍ له نَفْسٌ سائِلَةٌ فماتَ في الإِنَاءِ فإِنّه يُنَجِّسُه» وفي النِّهَايَةِ عنه: «كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فإِنه لا يُنَجِّسُ الماءَ إِذا سَقَطَ فيه» أَي دَمٌ سائِلٌ، ولذَا قالَ بعضُ مَن كَتَبَ على الصِّحّاحِ: هذا الحَدِيثُ لم يَثْبُتْ، قالَ ابنُ بَرِّيّ: وإِنَّمَا شاهِدُه قولُ السَّمَوْألِ:

  تَسِيلُ عَلى حَدِّ الظُّبَاةِ نُفُوسُنَا ... ولَيْسَتْ عَلَى غَيْرِ الظُّباةِ تَسِيلُ

  قال وإِنَّمَا سُمِّيَ الدَّمُ نَفْساً، لأَنّ النَّفْسَ تَخْرُج بِخُرُوجِه.

  والنَّفْسُ: الجَسَدُ، وهو مَجَازٌ، قال أَوْسُ بنُ حَجَرٍ، يُحَرِّضُ عَمْرو بنَ هِنْدٍ عَلى بَنِي حَنِيفَة، وهم قَتَلَهُ أَبيه المُنْذِر بنِ ماءِ السماءِ، يومَ عَيْنِ أَبَاغٍ، ويزْعُم أَن عَمْروَ بن شَمِرَ⁣(⁣٣) الحَنَفِيّ قَتَله:

  نُبِّئْتُ أَنَّ بَنِي سُحَيْمٍ أَدْخَلُوا ... أَبْيَاتَهُمْ تامُورَ نَفْسِ المُنْذِرِ

  فَلَبِئْسَ ما كَسَبَ ابنُ عَمْرٍو رَهْطَهُ ... شَمِرٌ وكان بِمَسْمَعٍ وَبِمَنْظَرِ

  والتامُورُ: الدّمُ، أَي حَمَلُوا دَمَه إِلى أَبْيَاتِهِم.

  والنَّفْسُ: العَيْنُ التي تُصِيبُ المَعِينَ، وهو مَجَازٌ. يُقَال: نَفَسْتُه بِنَفْسٍ، أَي أَصَبْتُه بِعَيْنٍ، وأَصابَتْ فُلاناً نَفْسٌ، أَي عَيْنٌ. و في الحَدِيث، عن أَنَسٍ رَفَعَهُ: «أَنَّه نَهَى عَنِ الرُّقْيَةِ إِلاّ فِي النَّمْلَةِ والحُمَةِ والنَّفْسِ» أَي العَيْنِ، والجَمْعُ: أَنْفُسٌ، ومنه الحديث: «أَنه مَسَح بَطْنَ رافِعٍ فأَلْقَى شَحْمَةً خَضْرَاءَ، فقال: إِنه كانَ فِيهَا سَبْعَةُ أَنْفُسٍ» يريدِ عُيُونَهُمْ.

  ورَجُلٌ نافِسٌ: عائِنٌ، وهو مَنْفُوسٌ: مَعْيُونُ.

  والنَّفْسُ: العِنْدُ، وشَاهِدُه قولُه تعالَى، حِكَايَةً عَن عِيسَى عَليه وعلى نِبِيِّنا مُحَمَّدٍ أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ⁣(⁣٤) أَي تَعْلَمُ ما عِنْدِي، ولا أَعْلَمُ ما عِنْدَكَ، ولكن يَتَعَيَّن أَنْ تَكُونَ الظَّرْفِيَّةُ حِينَئِذٍ ظرفِيَّةَ مَكَانَةٍ لا مَكَانٍ، أَو حَقِيقَتِي وحَقِيقَتِكَ، قال ابنُ سِيْدَه: أَي لا أَعْلَمُ ما حَقِيقَتُكَ ولا ما عِنْدَكَ عِلْمُه، فالتَّأْوِيلُ: تَعْلَمُ ما أَعْلَمُ، ولا أَعْلَمُ ما تَعْلَمُ، والأَجْوَدُ في ذلِكَ قولُ ابنِ الأَنْبَارِيّ: إِنَّ النَّفْسَ هنا الغَيْبُ، أَي تَعْلَمُ غَيْبِي، لأَنَّ النَّفْسَ لمّا كانتْ غَائِبَةً أَوقِعَتْ على الغيْبِ، ويَشْهَدُ بصِحَّتِه قولُه في آخرِ الآيَة {إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ} كأَنَّه قال: تَعْلمُ غَيْبِي يا عَلاَّم الغُيُوبِ.

  وقال أَبو إِسْحَاق: وقدْ يُطْلَقُ ويُرَادُ به جُمْلَةُ الشَّيْءِ وحَقِيقتُه، يُقال: قَتَلَ فُلانٌ نَفْسَه، وأَهْلَكَ نَفْسَه: أَي أَوْقَعَ الهَلَاكَ بذَاتِهِ كُلِّهَا وحَقِيقَتِه. قُلتُ: ومنه أَيضاً ما حكاهُ سِيبوَيْه، من قَولِهِمْ: نَزَلْتُ بِنَفْسِ الجَبَلِ، ونَفْسُ الجَبَلِ مُقَابِلِي.

  والنَّفْسُ: عَيْنُ الشَّيْءِ وكُنْهُه وجَوْهَرُه، يُؤَكَّدُ به، يُقَالُ: جَاءَنِي المَلِكُ بِنَفْسِه، ورَأَيْتُ فَلاناً نَفْسَه.

  وقَوْله تَعَالى: {اللهُ يَتَوَفَّى} الْأَنْفُسَ {حِينَ مَوْتِها}⁣(⁣٥) رُوِيَ عنِ ابنِ عَبّاسِ رضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قالَ: لكُلِّ إِنْسَانٍ نَفْسَانٍ: إِحْدَاهُمَا⁣(⁣٦) نَفْسُ العَقْلِ الذي يكونُ به التَّمْييزُ، والأُخْرى نَفْسُ الرُّوحِ الَّذِي به⁣(⁣٦) الحَيَاةُ.

  وقال ابن الأَنباريّ: من اللُّغويِّينَ مَنْ سَوَّى بَيْنَ النَّفْسِ والرُّوحِ، وَقَالَ: هما شَيْءٌ وَاحِدٌ، إِلاّ أَنْ النَفْسَ مؤنثَةٌ والرُّوحَ مُذكَّرَةٌ⁣(⁣٧). وقال غيرُهُ: الرُّوحُ الَّذي به الحَيَاةُ، والنَّفْسُ: التي بها العَقْلُ، فإِذا نامَ النائمُ قَبَضَ الله نَفْسَه، ولم يَقْبِضْ رُوحَه، ولا تُقْبَضُ الرُّوحُ إِلاَّ عِنْدَ المَوْت، قال: وسُمِّيَت النَّفْسُ نَفْساً لتَوَلُّد النَّفْس منها واتّصَاله⁣(⁣٨) بها، كما سَمَّوُا الرُّوحَ رُوحاً، لأَنَّ الرَّوْحَ مَوجُودٌ⁣(⁣٩) به.


(١) في الصحاح: ما ليس له نفس.

(٢) زيادة عن اللسان.

(٣) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: عمرو بن شمر، تأمله مع قوله في البيت الثاني: ما كسب ابن عمرو الخ فإنه يقتضي العكس».

(٤) سورة المائدة الآية ١١٦.

(٥) سورة الزمر الآية ٤٢.

(٦) التهذيب: أحدهما: ... التي يكون بها ... التي بها الحياة، والأصل كاللسان.

(٧) التهذيب واللسان: مذكر.

(٨) بالأصل «واتصالها به» والمثبت عن التهذيب.

(٩) عن التهذيب وبالأصل «موجودة».