تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[حسب]:

صفحة 419 - الجزء 1

  الْحِسابِ}⁣(⁣١) أَيْ حِسَابُهُ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ، وكُلُّ وَاقِع فهو سَرِيعٌ، وسُرْعَةُ حِسَابِ اللهِ أَنَّهُ لَا يَشْغَلُهُ حِسَابُ وَاحِدٍ عَن مُحَاسَبَةِ الآخَرِ، لأَنَّه سُبْحَانَه لا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ ولا شَأْنٌ عن شأَنٍ، وقولُه تعالى {يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}⁣(⁣٢) أَيْ بِغَيْرِ تَقْتِيرٍ ولا تَضْيِيقٍ⁣(⁣٣)، كقولك: فُلَانٌ يُنْفِقُ بِغَيْرٍ حِسَابٍ، أَيْ يُوَسِّعُ النَّفَقَةَ ولَا يَحْسُبُهَا، وقد اخْتُلِفَ في تفسيرِه فقال بعضُهُم: بغَيْرِ تَقْدِيرٍ على أَحَدٍ بالنُّقْصَانِ، وقال بعضُهم: بغَيْرِ مُحَاسَبَةٍ، أَي لا يَخَافُ أَنْ يُحَاسِبَهُ أَحَدٌ عليه، وقِيلَ: بِغَيْرِ أَن حَسِبَ المُعْطَى أَنْ يُعْطِيهُ أَعطاهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبْ⁣(⁣٣)، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: مِنْ حَيْثُ لَا يُقَدِّرُهُ وَلَا يَظُنُّهُ كَائِناً، مِنْ حَسِبْتُ أَحْسَبُ أَيْ ظَنَنْتُ، وجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذاً مِنْ حَسَبْتُ أَحْسُبُ، أَرَادَ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْسُبْهُ لِنَفْسِهِ. كذا في لسان العرب، وقد أَغْفَلَهُ شَيْخُنَا وحَسَبَهُ أَيْضاً حِسْبَةً مِثْل القِعْدَةِ والرِّكْبَةِ، حَكَاهُ الجوهريُّ، وابنُ سِيدَه في المحكم، وابنُ القَطَّاعِ والسَّرَقُسْطِيُّ وابنُ دَرَسْتَوَيْهِ وصاحِبُ الوَاعِي، قال النابغةُ:

  فَكَمَّلَتْ مِائَةً فِيهَا حَمَامَتُهَا ... وأَسْرَعَتْ حِسْبَةً فِي ذلك العَدَدِ

  أَيْ حِسَاباً، وَرُوِيَ الفَتْحُ، وهو قَلِيلٌ، أَشَار له شَيْخُنَا.

  والحِسَابُ والحِسَابَةُ: عَدُّكَ الشَّيءَ وحَسبَ الشيءَ، يَحْسُبُهُ حَسْباً وحِسَاباً وحِسَابَةً أَوْرَدَهُ ابنُ دَرَسْتَوَيْهِ وابنُ القَطَّاع والفِهْرِيُّ بِكَسْرِهِنَّ أَي في المَصَادِرِ المَذْكُورَةِ ما عَدَا الأَوَّلَيْنِ: عَدَّهُ أَنْشَدَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ لِمَنْظُورِ بنِ مَرْثَد الأَسَدِيِّ:

  يَا جُمْلُ أُسْقِيتِ بِلَا حِسَابَهْ ... سُقْيَا مَلِيكٍ حَسَنِ الرِّبَابَهْ

  قَتَلْتِنِي بِالدَّلِّ والخِلَابَهْ

  وَأَوْرَدَ الجَوْهَرِيُّ: يا جُمْلُ أَسْقَاكِ والصَّوَابُ ما ذَكَرْنَا، والرِّبَابَةُ بالكسْرِ: القِيَامُ عَلى الشَّيْءِ بإِصلَاحِهِ وتَرْبِيَتِهِ، وحَاسَبَهُ مِن المُحَاسَبَةِ. ورَجُلٌ حَاسِبٌ من قَوْمٍ حُسَّبٍ وَحُسَّابِ والمَعْدُودُ: مَحْسُوبٌ يُسْتَعْمَلُ على أَصْلِهِ.

  وعلى حَسَبٌ، مُحَرَّكةً وهو فَعَلٌ بمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلُ نَفَضٍ بمَعْنَى منْفُوضٍ، حَكَاهُ الجَوْهَرِيُّ، وصَرَّحَ به كُرَاع في المُجَرَّدِ ومنه قَوْلُهُمْ: لِيَكُنْ عَمَلُكَ بِحَسَبِ ذَلِكَ، أَي على قَدْرِهِ وعَدَدِهِ، وهذَا بِحَسَبِ ذَا أَي بِعَدَدِهِ وقَدْرِهِ وقال الكِسَائِيُّ: ما أَدْرِي مَا حَسَبُ حَدِيثكَ أَيْ ما قَدْرُهُ، وَقَدْ يُسَكَّنُ في ضَرُورَةِ الشِّعْرِ. ومن سَجَعَاتِ الأَسَاس: ومَنْ يَقْدِرُ على عَدِّ الرَّمْلِ وحَسْبِ الحَصَى، والأَجْرُ على حَسَبِ المُصِيبَةِ أَي [على]⁣(⁣٤) قَدْرِهَا. وفي لسان العرب: الحَسَبُ: العدد⁣(⁣٥) المعدود. والحَسَبُ والحَسْبُ: قَدْرُ الشَّيْءِ كقَوْلك: الأَجْرُ بِحَسَبِ ما عَمِلْتَ وحَسْبِه [أَي قدره]⁣(⁣٦)، وكَقَوْلِك عَلَى حَسَبِ ما أَسْدَيْتَ إِلَيَّ شُكْرِي لك. يقول: أَشْكُرُكَ على حَسَبِ بَلَائِكَ عندي أَي على قَدْرِ ذلك.

  والحَسَبُ مُحَرَّكَةً: مَا تَعُدّهُ مِن مَفَاخِرِ آبَائِكَ، قاله الجَوْهَرِيُّ وعليه اقْتَصَرَ ابن الأَجْدَابِيّ في الكفايَةِ، وهو رَأْيُ الأَكْثَرِ، وإِطْلَاقُه عليه على سَبِيلِ الحَقِيقَةِ، وقال الأَزهريُّ: إِنَّما سُمِّيَتْ مَسَاعِي الرَّجُل ومَآثِرُ آبَائِهِ حَسَباً لِأَنَّهُمْ كانوا إِذا تَفَاخَرُوا عَدَّ الفَاخِرُ⁣(⁣٧) منهم مَنَاقِبَهُ وَمآئِرَ آبَائِهِ وحَسَبَهَا، أَو الحَسَبُ: المالُ والكَرَمُ: التَّقْوَى، كَمَا وَرَدَ في الحَدِيثِ يَعْنِي: الذي يَقُومُ مَقَامَ الشَّرَفِ والسَّرَاوَةِ إِنَّمَا هو المَالُ، كذا في الفَائِقِ، وفي الحَدِيثِ «حَسَبُ الرَّجُلِ نَقَاءُ ثَوْبَيْهِ» أَيْ أَنَّهُ يُوَقَّرُ لِذلك حيث هو دَلِيلُ الثَّرْوَةِ والجِدَةِ أَوِ الحَسَبُ: الدِّينُ، كِلَاهُمَا⁣(⁣٨) عن كُرَاع، ولَا فِعْلَ لهما، أَو الحَسَبُ: الكَرَمُ أَو هو الشَّرَفُ في الفِعْلِ حَكَاهُ ابنُ الأَعرابيِّ، وتَصَحفَّ على شَيْخِنَا فَرَوَاهُ: في العَقْلِ واحْتَاجَ إِلى التَّكَلُّفِ أَو هو الفَعَالُ الصَّالِحُ، وفي نُسْخَةٍ: الفِعْلُ، والنَّسَبُ: الأَصْلُ الحَسَنُ مِثْلُ الجُودِ والشَّجَاعَةِ وحُسْنِ الخُلُقِ والوَفَاءِ. وفي الحَدِيثِ «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لِمَالِهَا وحَسَبِهَا ومِيسَمِهَا ودِينِهَا، فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» قالَ ابنُ الأَثِيرِ قِيلَ النَّسَبُ⁣(⁣٩) هَاهُنَا: الفَعَالُ الحَسَنُ، قال الأَزهريُّ: والفُقَهَاءُ يَحْتَاجُونَ إِلى مَعْرِفَةِ الحَسَبِ لأَنَّهُ مِمَّا يُعْتَبَرُ به مَهْرُ


(١) سورة البقرة الآية ٢٠٢.

(٢) في اللسان: «وتضييق».

(٣) في اللسان نقل هذا القول عن الأزهري في تفسيره لقوله تعالى: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}.

(٤) عن الأساس.

(٥) اللسان: العدّ.

(٦) عن اللسان.

(٧) اللسان: المفاخر.

(٨) كذا، وفي اللسان: والحسب الدين، والحسب: البال (عن كراع).

(٩) في النهاية واللسان: «الحسب».