تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الحاء المهملة

صفحة 421 - الجزء 1

  قَوْلُهُ لا يُلْوَى على حَسَب، أَي يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بالسَّوِيَّةِ ولا يُؤْثَرُ به أَحَدٌ، وقيل «لَا يُلْوَى على حَسَب» أَي لا يُلْوَى على الكِفَايَةِ لِعَوَزِ الماءِ وقِلَّتِهِ، ويقال: أَحْسَبَنِي ما أَعْطَانِي أَي كَفَانِي، كذا في الأَساس وفي لسان العرب وسيأْتي.

  وشَيْءٌ حِسَاب: كافٍ، ومنه في التَّنْزِيلِ العَزِيز عَطاءً حِساباً⁣(⁣١) أَي كَثِيراً كافِياً، وكُلُّ مَن أُرْضِيَ فقد أُحْسِبَ، وهَذَا رجل حَسْبُكَ من رَجُلٍ ومَرَرْتُ بِرَجُلٍ حَسْبِكَ مِن رَجُلٍ. مَدْحٌ لِلنَّكِرَةِ، لأَنَّ فيه تَأْوِيلَ فِعْلٍ «كأَنَّهُ قال: مُحْسِبٌ لك أَي كَاف لَك أَو كَافِيكَ مِن غَيْرِه، لِلْوَاحِدِ والتَّثْنِيَةِ والجَمْعِ لأَنَّهُ مَصْدَر وتقول في المَعْرِفَةِ: هذا عَبْدُ اللهِ حَسْبَكَ مِن رَجُلٍ، فَتَنْصِبُ حَسْبَكَ على الحَالِ وإِنْ أَرَدْتَ الفِعْلَ في حَسْبَكَ قُلْتَ: مَرَرْتُ بِرَجلٍ أَحْسَبَكَ مِن رَجُلٍ، وبِرَجُلَيْنِ أَحْسَبَاكَ، وبرِجَالٍ أَحْسَبُوكَ، ولكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِحَسْب مُفْرَدَةً، تقول: رَأَيْتُ زَيْداً حَسْبُ، كَأَنَّكَ قُلْتَ حَسْبِي أَوْ حَسْبُكَ⁣(⁣٢)، وقَالَ الفَرَّاءُ في قَوْلِهِ تَعَالَى {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}⁣(⁣٣) أَيْ يَكْفِيكَ الله ويَكْفِي مَن اتَّبَعَكَ، قالَ: ومَوْضِعُ الكَافِ في حَسْبُكَ ومَوْضِعُ مَنْ نَصْبٌ علَى التَّفْسِيرِ⁣(⁣٤) كَمَا قال الشاعُرَ:

  إِذَا كَانَتِ الهَيْجَاءُ وانْشَقَّتِ العَصَا ... فَحَسْبُكَ والضَّحَّاكَ سَيْفٌ مُهَنَّدُ

  وقولهم: حَسِيبُكَ اللهُ أَي كَأَمِيرٍ، كذا في النُّسَخِ، وفي لسان العرب: حَسْبُكَ الله أَيِ انْتَقَمَ اللهُ مِنْكَ وقال الفَرَّاءُ في قوله تعالى وَكَفى بِاللهِ {حَسِيباً}⁣(⁣٥) وقَوْلُه تَعَالَى {إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً}⁣(⁣٦) أَيْ مُحَاسِباً، أَو يَكُونُ بمَعْنَى كَافِياً أَي يُعْطِي كُلَّ شَيْءٍ من العِلمِ والحِفْظِ والجَزَاءِ بمِقْدَارِ ما يحْسُبُه، أَيْ يَكْفِيهِ⁣(⁣٧)، تَقُولُ حَسْبُكَ هذا أَي اكتَفِ بهَذَا، وفي الأَساس: مِنَ المَجَازِ: الحِسَابُ كَكِتَابِ هو الجَمْعُ الكَثِيرُ من النَّاسِ تقول: أَتَانِي حِسَابٌ من النَّاسِ كما يُقَالُ: [جاءني]⁣(⁣٨) عَدَدٌ منهم وعَدِيدٌ. وفي لسان العرب: لُغَةُ هُذَيْلٍ، وقَالَ سَاعِدَةُ بن جُؤَيَّةَ الهُذَلِيُّ:

  فَلَمْ تَنْتَبِهْ حَتَّى أَحَاطَ بِظَهْرِهِ ... حِسَابٌ وَسِرْبٌ كَالجَرَادِ يَسُومُ⁣(⁣٩)

  وفي حَدِيثِ طَلْحَةَ «هَذَا ما اشْتَرَى طَلْحَةُ مِن فُلَانٍ فَتَاهُ⁣(⁣١٠) بِكَذَا⁣(⁣١١) بِالحَسَبِ والطِّيبِ» أَي بالكَرَامَةِ مِن المُشْتَرِي والبَائع والرَّغْبَةِ وطِيبِ النَّفْسِ منهما، وهو مِن حَسَّبْتُهُ إِذَا أَكْرَمْتَهُ، وقيل: مِن الحُسْبَانَةِ، وهي الوِسَادَةُ، وفي حَدِيث سِمَاكٍ، قال شُعْبَةُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «ما حَسَّبُوا ضَيْفَهُمْ شَيْئاً» أَي ما أَكْرَمُوهُ كَذَا في لسان العرب.

  وعَبَّادُ بن حُسَيْبٍ، كُزُبَيْرٍ كُنْيَتُهُ أَبُو الخَشْنَاءِ، أَخْبَارِيٌّ والذي في التَّبْصِيرِ للحَافِظِ أَنَّ اسْمَهُ عَبَّادُ بنُ كُسَيْبٍ، فَتَأَمَّلْ.

  والحُسْبَانُ بِالضَّمِّ، جَمْعُ الحِسَابِ قاله الأَخفَش، وتَبِعَهُ أَبو الهَيْثَمِ نقله الجوهريُّ والزَّمخشَرِيُّ، وأَقَرَّه الفِهْرِيُّ، فهو يُسْتَعْمَلُ تَارَةً مُفْرَداً ومصْدَراً، وتَارَةً جَمْعاً لِحِسَابٍ إِذا كان اسْماً لِلْمَحْسُوبِ أَو غَيْرِه، لأَنَّ المَصَادِرَ لا تُجْمَعُ. قال أَبو الهَيْثَمِ: ويُجْمَعُ أَيضاً على أَحْسِبَةٍ. مِثْلُ شِهَابٍ وأَشْهِبَةٍ وشُهْبَانٍ، ومِن غَرِيبِ التَّفْسِيرِ أَنَّ الحُسْبَانَ في قوله تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ}⁣(⁣١٢) اسمٌ جَامِدٌ بِمَعْنَى الفلك مِنْ حساب الرَّحَا⁣(⁣١٣)، وهُوَ مَا أَحَاطَ بِهَا مِنْ أَطْرَافِهَا المُسْتَدِيرَةِ، قَالَهُ الخَفَاجِيُّ ونَقَلَه شيخُنا.

  والحُسْبَان: العَذَابُ، قال تعالى {وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ}⁣(⁣١٤) أَي عَذَاباً، قاله الجَوْهريُّ، وفي حديث يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ «كان إِذا هَبَّتِ الرِّيحُ يقول: لا تَجْعَلْهَا حُسْبَاناً» أَي عَذَاباً وقال أَبُو زِيَادٍ الكِلَابِيُّ: الحُسْبَانُ: البَلَاءُ والشَّرُّ⁣(⁣١٥)، والحُسْبَانُ: العَجَاجُ والجَرَادُ نَسَبَه الجوهَرِيُّ إِلى


(١) سورة النبأ الآية ٣٦.

(٢) زيد في اللسان: فأضمرت هذا، فلذلك لم تنون، لأنك أردت الإضافة، كما تقول: جاءني زيد ليس غير، تريد ليس غيره عندي.

(٣) سورة الأنفال الآية ٦٤.

(٤) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله التفسير انظر ما المراد به».

(٥) سورة النساء الآية ٦.

(٦) سورة النساء الآية ٨٦.

(٧) نسب القول في تفسير كلام الله تعالى في اللسان إلى الزجاج.

(٨) عن الأساس.

(٩) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله فلم تنتبه الذي في الأساس فلم ينتبه وهو الصواب بدليل قوله حتى أحاط بظهره».

(١٠) عن النهاية، وبالأصل «فتاة».

(١١) في النهاية: بخمسمائة درهم».

(١٢) سورة الرحمن الآية ٥.

(١٣) بهامش المطبوعة المصرية «قوله من حساب لعله من حسبان».

(١٤) سورة الكهف الآية ٤٠.

(١٥) في اللسان: شر وبلاء.