تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[حربص]:

صفحة 251 - الجزء 9

  قُلتُ: وهُوَ تَصْحِيفُ جَنَصَ جَنَصاً بالجِيمِ والنُّون.

  والحَبِيصُ، كأَمِيرٍ: الحَرَكَة، وكَذَا في النّوَادِرِ.

  [حبرقص]: الحَبَرْقَصُ، كغَضَنْفَرٍ، أَهْمَلَه الجَوْهَرِيُّ وقالَ أَبُو عَمْرٍو: هُوَ الجَمَلُ الصَّغِيرُ، وقالَ ثَعْلَبٌ: الحَبَرْقَصُ: صِغَارُ الإِبِلِ.

  والحَبَرْقَصُ: الرّجُلُ القَصِيرُ الرَّدِيءُ، هكذا في سَائِر النُّسَخِ، وفي الجَمْهَرَةِ لابنِ دُرَيْد: الحَبَرْقِيصُ: القَضِيءُ الزَّريُّ، هكذا هُوَ مُجَوّداً، ونَقَلَهُ الصّاغَانِيُّ أَيْضاً هكذا، وهِيَ بهاءَ، قالَ الأَصْمَعِيّ: الحَبَرْقَصَةُ: المَرْأَةُ الصّغِيرَةُ الخَلْقِ.

  وقِيلَ: الحَبَرْقَصُ هُوَ المُتَدَاخِلُ اللَّحْمِ القَمِيءُ والحَبَرْقَصُ: وَلَدُ الحُرْقُوصِ، وهذه عن الصّاغَانِيّ.

  قُلْتُ: والسِّينُ فِي كِلِّ ذلِكَ لُغَةٌ، كما قَالَهُ ابنُ دُرَيْدٍ، وقد ذُكِرَ في مَحَلّه.

  * وممّا يُسْتَدْرَك عَلَيْه:

  نَاقَةٌ حَبَرْقَصَةٌ: كَرِيمَةٌ عَلَى أَهْلِهَا.

  [حربص]: مَا عَلَيْهِ - ونصُّ الجَوْهَرِيِّ: ما عَلَيْهَا، وهو أَوْلَى - حَرْبَصِيصَةٌ، ولا خَرْبَصِيصَةٌ، أَيْ شَيْءٌ من الحُلِيِّ هكذا نَقَلَهُ الجَوْهَرِيّ. وقال أَبو عُبَيْدٍ: والَّذِي سَمِعْنَاهُ خَرْبَصِيصَةٌ، بالخَاءِ، عن أَبِي زَيْدٍ والأَصْمَعِيّ ولَمْ يَعْرِفْ أَبُو زَيْدٍ والأَصْمَعِيّ ولَمْ يَعْرِفْ أَبُو الهَيْثَمِ بالحاءِ.

  وحَرْبَصَ الأَرْضَ: بَرْبَصَهَا، أَيْ أَرْسَلَ فِيها المَاءَ.

  [حرص]: الحِرْصُ، بالكَسْرِ: الجَشَعُ؛ وهو شِدَّةُ الإِرادَةِ والشَّرَه إِلَى المَطْلُوبِ، وَقَدْ حَرصَ عَلَيْه كضَرَبَ وسَمِعَ، ومِنَ الأَخِيرَةِ قِرَاءَةُ الحَسَنِ والنَّخَعِيِّ وأَبِي حَيْوَةَ وأبِي البَرَهْسَمِ: إِنْ تَحْرَصْ عَلَى هُدَاهُم⁣(⁣١) بفَتْح الرّاء، كَمَا نَقَلَه الصّاغَانِيُّ، قال شَيْخُنَا: وبَقِيَ عَلَيْه: حَرَصَ كَنَصَر، ذَكَرَهُ ابنُ القَطّاعِ وصاحِبُ الاقْتِطافِ، وتَرَكَهُ المُصَنِّفُ قُصُوراً، ومِنَ الغَرِيبِ قَوْلُ القُرْطُبِيِّ: إِنَّ حَرَصَ كَضَرَبَ ضَعِيفَةٌ، مع أَنَّهَا وَرَدَتْ في القُرْآنِ العَظِيمِ الجَامِعِ، انْتَهَى.

  قُلْتُ: قَالَ الأَزْهَرِيّ: واللُّغَةُ العَالِيَةُ حَرَصَ يَحْرِصُ، وأَمّا حَرِصَ يَحْرَصُ فلُغَةٌ رَدِيئَةٌ، قالَ: والقُرَّاءُ مُجْمَعُون عَلَى ولَوْ حَرِصْتَ بِمُؤْمِنِينَ⁣(⁣٢) المُرَادُ باللُّغَة العالِيَةِ حَرَصَ كضَرَبَ الَّذِي صَدَّرَ به الجَوْهَرِيُّ وغَيْرُه، والرّديئَة: حَرِصَ: كسَمِعَ، بدَلِيلِ قَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ والقُرّاءُ مُجْمِعُون إِلَى آخِرِه، فعُلِمَ بذلِكَ أَنّ مُرَادَ القُرْطِبِي مِنْ قَوْلِهِ: حَرَصَ ضَعِيفَةٌ، إِنَّمَا يَعْنِي به كسَمِعَ لا كضَرَبَ، وقد اشْتَبَه على شَيْخِنَا فتَأَمَّلْ.

  ثمّ اخْتَلَفُوا في اشْتِقَاقِ الحِرْصِ، فقِيلَ: هُوَ من حَرَص القَصّارُ الثَّوْبَ، إِذَا قَشَرَهُ بِدَقِّهِ، وهُوَ قَوْلُ الرّاغِبِ، وقَالَ الأَزْهَرِيُّ: أَصْلُ الحَرْصِ الشَّقُّ، وقِيلَ للشَّرِهِ حَرِيصٌ، لأَنَّهُ يَقْشِرُ بحِرْصِهِ وُجُوهَ النّاسِ، وقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ من السَّحَابَةِ الحارِصَةِ الَّتِي تَقْشِرُ وَجْهَ الأكرْضِ، كأَنَّ الحَارِصَ يَنَالُ مِنْ نَفْسِهِ، بشِدَّةِ اهْتمَامِه بتَحْصِيلِ ما هو حَرِيصٌ عليه، وهو قَوْلُ صاحِبِ الاقْتِطَافِ، وقد نَقَلَهُ شَيْخُنَا واسْتَبعَدَهُ، وقالَ: الَّذِي عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الحِرْصَ هو الأَصْلُ، وغَيْرُه مَأْخُوذٌ مِنْه.

  قُلْتُ: وهذا خِلَافُ ما نَقَلَه الأَزْهَرِيُّ والرّاغِبُ، وتَبِعَهُم المُصَنّف في البَصَائِرِ، فَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّ أَصْلَ الحَرْصِ القَشْرِ، فكَلامُ شَيْخِنَا لا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ وتَأَمُّلٍ، ثُمَّ إِنَّ الحَرْصَ يَتَعَدَّى بِعَلَى، وهو المَعْرُوفُ، وأَمّا تَعْدِيَتُه بالباءِ فِي قَوْلِ أَبِي ذُؤَيْبٍ:

  ولَقَدْ حَرِصْتُ بِأَنْ أُدَافِعَ عَنْهُمُ ... فإِذَا المَنِيَّةُ أَقْبَلَتْ لا تُدْفَعُ

  فَلِأَنَّهُ بِمَعْنَى هَمَمْتُ، فهُوَ حَرِيصٌ، من قَوْمٍ حُرَّاصٍ وحُرَصاءَ، وامْرَأَةٌ حَرِيصَةٌ مِنْ نِسْوَةٍ حِرَاصٍ وحَرَائِصَ، قالَ الأَزْهَرِيُّ: وقَوْلُ العَرَبِ: حَرِيصٌ عَلَيْكَ، مَعْنَاه: حَرِيصٌ عَلَى نَفْعِكَ⁣(⁣٣).

  قُلْتُ: ومِنْهُ قَوْلُه تَعَالَى حَرِيصٌ {عَلَيْكُمْ}⁣(⁣٤) أَي عَلَى نَفْعِكُم، أَو شَفُوقٌ عليكم رَؤُوفٌ بكم، فالحِرْصُ في القُرآنِ على وَجْهَيْن: فَرْط الشَّرَهِ، كقَوْلِه تَعَالَى {وَلَتَجِدَنَّهُمْ} أَحْرَصَ {النّاسِ عَلى حَياةٍ}⁣(⁣٥) والشَّفَقَة والرَّأْفَة كقَوْلِهِ تعَالَى:


(١) سورة النحل الآية ٣٧.

(٢) سورة يوسف من الآية ١٠٣ وتمامها: «وَما أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ».

(٣) في التهذيب: نفسك.

(٤) سورة التوبة الآية ١٢٨.

(٥) سورة البقرة الآية ٩٦.