[حصص]:
  بَكْرٍ وتَغْلِبَ، وقيل: هُما ماءَان، وكانَ الأَحَصُّ(١) حَمَاهُ كُلَيْبُ وَائِلِ، وفِيهِ يَقُولُ عَمْرُو بنُ المُزْدَلِفِ لِكُلَيْبٍ حِينَ قَتَلَه وطَلَبَ مِنْه شَرْبَةَ ماءٍ: «تَجَاوَزْت بالماءِ الأَحَصَّ وبَطْنَ شُبَيْثٍ». وثُمَّ كانَتْ حَرْبُ البَسُوسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وقَدْ ذَكَره النّابِغَةُ الجَعْدِيُّ في قولِه:
  فَقَالَ: تَجَاوَزْتَ الأَحَصَّ ومَاءَهُ ... وبَطْنَ شُبَيْثٍ وَهْوَ ذُو مُتَرَسَّمِ(٢)
  والأَحَصُّ وشُبَيْثٌ؛ مَوْضِعانِ بحَلَب، أَمَّا الأَحَصُّ فكُورَةٌ كَبِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ ذاتُ قُرَى ومَزَارِعَ قِبْلِيّ(٣) حَلَبَ، قَصَبَتُهَا خُنَاصِرَةُ، وأَمَّا شُبَيْثٌ فجُبَيْلٌ في هذِهِ الكُورَةِ، أَسْوَدُ في رَابِيَةٍ فَضَاء، فِيهِ أَرْبَعُ قُرًى خَرِبَت جَمِيعُهَا، ومِنْ هذا الجَبَلِ يَقْطَعُ أَهْلُ حَلَبَ وجَمِيعِ نَوَاحِيها حِجَارَةَ رُحِيِّهِم، وهِي سُودٌ خَشِنَةٌ، وإِيّاهَا عَنَى عَدِيُّ بنُ الرِّقاع بقولِه:
  وإِذَا الرَّبِيعُ تَتَابَعَتْ أَنْوَاؤُهُ ... فسَقَى خُنَاصِرَةَ الأَحَصِّ وزَادَها
  فأَضافَ خُنَاصِرَةَ إِلَى هذا المَوْضِعِ. وأَنْشَدَ الأَصْمَعِيُّ في كِتَابِ جَزِيرَةِ العَرَبِ، لِرَجُلٍ من طَيِّئٍ يُقَالُ له الخَلِيلُ بنُ قَروة(٤)، وماتَ ابنُه زَافِرٌ بالشَّامِ بدِمَشْقَ:
  ولا(٥) آبَ رَكْبٌ مِنْ دِمَشْقَ وأَهْلِه ... ولا حِمْصَ إِذْ لَمْ يَأْتِ في الرَّكْبِ زافِرُ
  ولا مِنْ شُبَيْثٍ والأَحَصِّ ومُنْتَهَى ... المَطَايَا بقِنَّسْرِينَ أَو بخُناصِرِ
  وفِيهِ إِقْواءٌ، وإِيّاه عَنَى ابنُ أَبِي حَصِينَةَ المَعَرِّيُّ [بقوله]:
  لَجَّ بَرْقُ الأَحَصِّ في لَمَعانِهْ ... فتَذَكَّرْتُ مَنْ وَرَاءَ رِعَانِهْ
  فسَقَى الغَيْثُ حَيْثُ يَنْقَطِعُ الأَوْ ... عَسُ مِنْ رَنْدِه ومَنْبتِ بَانِهْ
  أَوْ تَرَى النَّوْرَ مثلَ ما نُشِرَ البُرْ ... دُ حَوَالَيْ هِضَابِه وقِنَانِهْ
  تَجْلُبُ الرّيحُ مِنْه أَذْكَى مِنَ المِسْ ... كِ إِذَا مَرَّتِ الصَّبَا بمَكَانِهْ
  قالَ ياقُوت: فإِنْ كانَ قد اتَّفَقَ تَرَادُفُ هذَيْنِ الاسْمَيْنِ بمَكَانَيْنِ بالشَّامِ، ومَكَانَيْنِ بنَجْدٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، فهُوَ عَجِيبٌ، وإِنْ كانَ جَرَى الأَمْرُ فِيهِمَا كَما جَرَى لِأَهْلِ نَجْرَانَ ودُومَةَ في بَعْضِ الرِّوَايَاتِ حيثُ أَخْرَجَ عُمَرَ، رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ، أَهْلَهما مِنْهُمَا فقَدِمُوا العِرَاقَ، وبَنَوْا لَهُمْ بها أَبْنِيَةً، وسَمَّوْها بِاسمِ ما أُخْرِجُوا منه فجائِزٌ أَنْ تَكُونَ رَبِيعَةُ فارَقَتْ منَازِلَهَا، وقَدِمَتِ الشّامَ، فأَقَامُوا به، وسَمَّوْا هذِه بتِلْكَ والله أَعْلَمُ.
  ومِنَ المَجَازِ: الحَصّاءُ: السَّنَةُ الجَرْدَاءُ لا خَيْرَ فِيهَا، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، وأَنشَدَ لِجَرِيرٍ:
  يَأْوِي إِلَيْكُمْ بِلا مَنٍّ ولا جَحَدٍ ... مَنْ ساقَهُ السَّنَةُ الحَصّاءُ والذِّيبُ
  قالَ: كَأَنَّهُ أَرادَ أَنْ يَقُولَ والضّبُع، وهي السَّنَةُ المُجْدِبَةُ، فوضَعَ الذِّيبَ مَوْضِعَه؛ لِأَجْلِ القَافِيةِ. وقَالَ غَيْرُه: سَنَةٌ حَصّاءُ، إِذا كانَتْ جَدْبَةً قَلِيلَة النَّبَاتِ وقِيلَ: هي الَّتِي لا نَبَاتَ فِيهَا، قال الحُطَيْئَةُ:
  جَاءَتْ بهِ من بِلادِ الطُّورِ تَحْدُرُه ... حَصّاءُ لم تَتَّرِكْ دُونَ العَصَا شَذَبَا(٦)
  و في الحَدِيثِ «فجَاءَتْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ»، أَيْ أَذْهَبَتْه.
  والحَصّاءُ: فَرَسُ سُرَاقَةَ بنِ مِرْداس بنِ أَبِي عامِرٍ السُّلَمِيِّ، أَوْ هُوَ فَرَسُ حَزْنِ بنِ مِرْداسٍ، ومثلُه في التَّهْذِيبِ، وقَال الصّاغَانِيُّ هكذا قرأتُه بخَطّ ثَعْلَب.
  ومِنَ المَجَاز: الحَصّاءُ من النّسَاءِ؛ المَشْؤومَةُ الَّتِي لا خَيْرَ فِيها.
(١) انظر معجم البلدان «الأحص».
(٢) بهامش المطبوعة المصرية: «وقبله كما في التكملة:
فقال لجساس: أغثني بشربة ... تدارك بها طولاً عليّ وأنعم
ويروى: بشربة. من الماء عليّ فامننها عليّ. ويروى: أنم بها فضلا عليّ، وهذه رواية أبي عمرو، أفاده في التكملة» وزيد قبله في معجم البلدان خمسة أبيات انظر «الأحص».
(٣) في معجم البلدان: بين القبلة وبين الشمال في مدينة حلب.
(٤) معجم البلدان: قَرْدة.
(٥) عن معجم البلدان وبالأصل «لا آب» بدون واو.
(٦) ديوانه، باختلاف روايته.