تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[خوص]:

صفحة 278 - الجزء 9

  الشَّيْءِ، وخَوِّصْ ما أَعْطَاكَ، أَيْ خُذْه وإِنْ قَلّ، وفي الأَسَاس: ولَوْ كانَ في قِلَّةِ الخُوصَةِ. وفي اللِّسَانِ: ويُقَال: إِنّه لَيُخَوِّصُ مِنْ مالِهِ، إِذَا كانَ يُعْطِي الشَّيْءَ المُقَارَبَ، وكُلُّ هذا مِنْ تَخْوِيصِ الشَّجَرِ إِذا أَوْرَقَ قَلِيلاً قَلِيلاً، قالَ ابنُ بَرِّيّ؛ وفي كِتَابِ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ: والتَّخْوِيسُ بالسِّين: النَّقْصُ، وفي حَدِيثِ عَلِيٍّ وعَطَائِه: أَنَّه كانَ يَزْعَبُ لِقَوْمٍ ويُخَوِّصُ لِقَوْمٍ: أَيْ يُكْثِرُ ويُقِلُّ، وقَوْلُ أَبِي النَّجْمِ:

  يا ذَائِدَيْهَا خَوِّصَا بِأَرْسَالْ ... ولا تَذُودَاهَا ذِيَادَ الضُّلاَّلْ

  أَيْ قَرِّبَا إِبِلَكُمَا شيئاً بَعْدَ شَيْءٍ ولا تَدَعَاهَا تَزْدَحِمُ على الحَوْضِ، والأَرْسَالُ: جَمْع رَسَلٍ، وهُو القَطِيعُ من الإِبِلِ، وقالَ زِيَادُ العَنْبَرِيُّ:

  أَقُولُ للذّائِدِ خَوِّصْ برَسَلْ ... إِنّي أَخافُ النّائِبَاتِ بالأُوَلْ

  وقَدْ ذَكَرَ المُصَنِّفُ هذا المَعْنَى في التَّخْوِيسِ بالسِّينِ فرَاجِعْه. قَالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: وسَمِعْتُ أَرْبَابَ النَّعَمِ يَقُولُونَ للرُّكْبَانِ إِذَا أَوْرَدُوا الإِبِلَ والسَّاقِيَانِ يُجِيلانِ الدِّلَاءِ في الحَوْضِ: أَلَا وخَوِّصُوهَا أَرْسالاً، ولا تُوَرِدُهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً فَتَبَاكّ⁣(⁣١) عَلَى الحَوْضِ وتَهْدِم أَعْضَادَه. فيُرْسِلُونَ مِنْهَا ذَوْداً بَعْدَ ذَوْدٍ، ويَكُونُ ذلِكَ أَرْوَى للنَّعَمِ، وأَهْوَنَ عَلَى السُّقَاةِ.

  و فِي الحَدِيثِ: «مَثَلُ المَرْأَةِ الصّالِحَةِ مَثَلُ التّاجِ المُخَوَّصِ بالذَّهَبِ، ومَثَلُ المَرْأَةِ السُّوءِ كالحِمْلِ الثَّقِيلِ عَلَى الشَّيْخِ الكَبيرِ»، تَخْوِيصُ التّاجِ مَأْخُوذٌ⁣(⁣٢) من خُوصِ النَّخْلِ، وهو تَزْيِينُه بِصَفَائِحِ الذَّهَبِ على قَدْرِ عَرْضِ الخُوصِ.

  وقالَ ابنُ عَيّاشٍ الضَّبِّيُّ: أَرْضٌ مُخَوِّصَةٌ، بالكَسْرِ، هِي الَّتِي بِهَا خُوصُ الأَرْطَى والأَلَاءِ والعَرْفَجِ والسَّبَطِ⁣(⁣٣)، قالَ: وخُوصَةُ الأَرْطَى مِثْلُ هُدْبِ الأَثْلِ، وخُوصَةُ الأَلَاءِ عَلَى خِلْقَةِ آذَانِ الغَنِمِ، وخُوصَةُ العَرْفَجِ كَأَنَّهَا وَرَقُ الحِنّاءِ، وخُوصَةُ السَّبَطِ عَلَى خِلْقَةِ الحَلْفَاءِ. قالَ أَبو مَنْصِورٍ: الخُوَصَةُ خُوصَةُ النَّخْلِ والمُقْلِ والعَرْفَجِ⁣(⁣٤)، ولِلثُّمامِ خُوصَةٌ أَيْضاً، وأَمّا البُقُولُ الَّتي يَتَنَاثَرُ وَرَقُهَا وَقْتَ الهَيْجِ فلا خُوَصَةَ لَهَا.

  وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ: خَوَّصَ الرَّجُلُ تَخْوِيصاً، إِذا ابْتَدَأَ بإِكْرَامِ الكِرَامِ ثُمَّ الِّلئامِ، وأَنْشَد:

  يا صَاحِبَيَّ خَوِّصَا بسَلِّ ... مِن كُلِّ ذَاتِ ذَنَبٍ رِفَلِّ

  حَرَّقَها حَمْضُ بِلَادٍ فَلِّ

  وفَسَّرَهُ قالَ: ابْدَأَ بخيَارهَا وكِرَامِهَا، قال: ولا يَكُونُ طُولُ شَعرِ الذَّنَبِ إِلاَّ في خِيَارِهَا، يَقُول: قَدِّمَا خِيَارَهَا وجِلَّتَهَا لِتَشْرَبَ، فإِنْ كان هُنَاكَ قِلَّةُ ماءٍ كان لشِرَارِهَا، وقدْ شَرِبَت الخِيَارُ صَفْوَتَه، قال ابنُ سِيدَه: هذا مَعْنَى قَوْلِ ابنِ الأَعْرَابِيِّ، وقَدْ لَطَّفْتُ أَنَا تَفْسِيرَه، ومَعْنَى «بسَلِّ» أَنَّ النّاقَةَ الكَرِيمَةَ تَنْسَلُّ إِذا شَرِبَتْ فَتَدْخُلُ بينَ ناقَتَيْنِ.

  وخَوَّصَ الشَّيْبُ فُلاناً وخَوَّصَهُ القَتِيرُ: بَدَا فِيهِ، وفي الأَساسِ: بَدَتْ رَوَائِعُه، وفي الِّلسَانِ: وقَع فيه مِنْه شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ. وقِيلَ: هُوَ إِذا اسْتَوَى سَوَادُ الشَّعرِ وبَيَاضُه.

  وخَاوَصْتُه البَيْعَ مُخاوَصَةً: عَارَضْتُه به، قالَ أَبو زيْدٍ: خَاوَصْتُه مُخَاوَصَةً، وغايَرْتُه مُغايَرَةً، وقَايَضْتُه مُقَايَضةً، كُلُّ هذا إِذا عَارَضْتَه بالبَيْعِ، هذا هُوَ الصَّحِيحُ في هذا الحَرْفِ، وقد نُقِلَ عن أَبِي عُبَيْدٍ مِثْلُ ذلِكَ، وصَحَّفَه المُصَنِّفُ تَبَعاً لابْنِ عَبّادٍ، فذَكَرَه أَيْضاً في «خرص».

  ويُقَال: هُوَ يُخَاوِصُ ويَتَخَاوَصُ في نَظَرِه، إِذا غَضَّ مِنْ بَصَرِهِ شَيْئاً، وهو فِي كُلِّ ذلِكَ يُحَدِّقُ النّظَرَ كأَنَّهُ يُقَوِّمُ قِدْحاً⁣(⁣٥)، أَي سَهْماً.

  قال أَبو مَنْصُورٍ: كُلُّ ما حُكِي في الخَوَصِ صَحِيحٌ غَيْرَ ضِيقِ العَيْنِ [فإِنه خطأ]⁣(⁣٦)، فإِنَّ العَرَبَ إِذا أَرادَتْ ضِيقَهَا جَعَلُوه الحَوَصَ، بالحَاء، ورَجُلٌ أَحْوَصُ، وامْرَأَةٌ حَوْصَاءُ،


(١) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله: فتباك بتشديد الكاف أي تزدحم».

(٢) في التكملة: مأخذه.

(٣) في اللسان: والسنط بالنون تحريف، والسبط بالباء الموحدة الرطب من النصي وهو مرعى جيد.

(٤) في التهذيب: وللعرفج.

(٥) بهامش المطبوعة المصرية: «في نسخة المتن بعد قوله: بعد قدحاً، وكذا إذا نظر إلى عين الشمس.

(٦) زيادة عن التهذيب.