تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل القاف مع الصاد

صفحة 338 - الجزء 9

  الكَمْأَةِ، ويُتَّخَذُ منْهَا الغِسْلُ، والجَمْع قَصَائِصُ وقَصِيصٌ.

  قال الأَعْشَى:

  فقُلْتُ ولم أَمْلِكْ أَبَكْرُ بنَ وَائِلٍ ... مَتَى كُنتَ فَقْعاً نَابِتاً بقَصَائِصَا

  وأَنشدَ ابنُ بَرِّيّ لامْرِئِ القَيْس:

  تَصَيِّفَها حَتَّى إِذا لَمْ يَسُغْ لَهَا ... حَلِيٌّ بأَعْلَى حائِلٍ وقَصِيصُ

  وأَنْشَدَ لِعَدِيّ بْنِ زَيْد:

  تَجْنِي له الكَمْأَةَ رِبْعِيَّة ... بالخَبْءِ تَنْدَى في أُصولِ القَصِيص

  وقال مُهاصِرٌ النَّهْشَليّ:

  جَنَيْتُهَا من مَنْبِت عَوِيصِ ... من مَنْبِتِ الإِجْرِدِ والقَصِيصِ⁣(⁣١)

  قال أَبو حَنِيفَةَ: وزَعَم بَعْضُ النَّاس أَنّه إِنَّما سُمِّيَ قَصِيصاً لِدَلالَتِهِ على الكَمْأَة، كما يُقْتَصّ الأَثَرُ. قال: ولم أَسْمَعْه.

  يُرِيدُ أَنّهُ لم يَسْمَعْه من ثِقَةٍ.

  وأَقَصَّ الرَّجُلُ من نَفْسِه، إِذا مَكَّنَ من الاقْتِصاصِ مِنْه.

  والقِصَاصُ الاسْمُ منه، وهو أَنْ يَفْعَلَ به مِثْلَ فِعْلِه، من قَتْلٍ، أَو قَطْعٍ، أَو ضَرْبٍ، أَو جَرْحٍ. ومِنْه حَدِيثُ عُمَرَ، رَضِيَ الله تَعَالَى عنه: «كَانَ رَسُولُ اللهِ يُقِصُّ مِنْ نَفْسِه».

  وأَقَصَّهُ المَوْتُ إِقْصَاصاً: أَشْرَفَ عليه ثُمَّ نَجَا، ويقال: أَقَصَّتْهُ شَعُوبُ. وقال الفَرَّاءُ: قَصَّهُ من المَوْت وأَقَصَّهُ مِنْه بمَعْنًى. أَي دَنَا مِنْه. وكان يَقَولُ: ضَرَبَه حَتَّى أَقَصَّهُ المَوْتُ. وقال الأَصْمَعِيُّ: ضَرَبَهُ ضَرْباً أَقَصَّه من المَوْتِ⁣(⁣٢) أَي أَدْنَاهُ من المَوْتِ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَيْه، وقال:

  فإِنْ يَفْخَرْ عَلَيْكَ بِهَا أَمِيرٌ ... فقد أَقْصَصْتَ أُمَّكَ بالهُزالِ

  أَي أَدْنَيْتَهَا من المَوْت.

  وتَقْصِيصُ الدَّارِ: تَجْصِيصُها. ومَدِينَةٌ مُقَصَّصَةٌ: مَطْلِيَّةٌ: بالقَصِّ، وكَذلكَ قَبْرٌ مُقَصَّصٌ. ومنه الحَدِيث: «نَهَى⁣(⁣٣) عن تَقْصِيصِ القُبُورِ» وهو بِنَاؤُهَا بالقَصَّة.

  واقْتَصَّ أَثَرَهُ: قَصَّة، كتَقَصَّصَهُ، وقيل: التَّقَصُّصُ: تَتَبُّعُ الآثَار باللَّيْلِ. وقيل: أَيّ وَقْتٍ كانَ.

  واقْتَصَّ فُلاناً: سَأَلَهُ أَنْ يُقِصَّه، كاسْتَقَصَّه هكذا في سَائِر النُّسَخِ، وهو وَهَمٌ والصَّوابُ: اسْتَقَصَّه: سَأَله أَنْ يُقِصَّه مِنْه. وأَمّا اقْتَصَّه فمَعْنَاه تَتَبَّع أَثَرَه، هذا هو المَعْرُوف عنْدَ أَهْلِ اللُّغَة، وإِنَّمَا غَرَّه سَوْقُ عِبَارَة العُبَاب ونَصُّه: وتَقَصَّصَ أَثَرَهُ مِثْلُ قَصَّه واقْتَصَّه. واسْتَقَصَّه: سَأَلَهُ أَن يُقِصَّه، فظَنَّ أَن اسْتَقَصَّه مَعْطُوف على اقْتَصَّه وليس كَذلِكَ، بَلْ هِي جُمْلَة مُسْتَقِلَّة، وقد تَمَّ الكَلامُ عنْدَ قَوْله: واقْتَصَّه، فتَأَمَّلْ.

  واقْتَصَّ مِنْه أَخَذَ منه القِصَاصَ، ويُقَال: اقْتَصَّه الأَمِيرُ، أَي أَقادَهُ.

  واقتَصَّ الحَديثَ: رَوَاهُ على وَجْهِه، كَأَنَّه تَتَبَّعَ أَثَرَه فأَوْرَدَهُ على قَصِّهِ.

  وتَقَاصَّ القَوْمُ: قَاصَّ كُلُّ وَاحدٍ منهم صَاحبَهُ في حِسَابٍ وغَيْرِه، وهو مَجازٌ، مَأْخُوذٌ من مُقاصَّةِ وَلِيِّ القَتِيلِ. وأَصْلُ التَّقاصِّ التَّنَاصُفُ في القِصَاصِ، قال الشاعر:

  فَرُمْنا القِصَاصَ وكَانَ التَّقَاصُّ ... حُكْماً وعَدْلاً على المُسْلِمِينَا

  قال ابنُ سِيدَه: قولُه التَّقَاصُّ شَاذٌّ، لأَنَّه جَمَعَ بَيْنَ الساكنَيْن في الشِّعْرِ، ولذلك رَوَاهُ بعضُهم: «... وكان القِصَاصُ»، ولا نَظيرَ له إِلاّ بَيْتٌ وَاحدٌ أَنْشَدَه⁣(⁣٤) الأَخْفَش:

  ولَوْلا خِدَاشٌ أَخَذْتُ دَوابّ ... سَعْدٍ ولم أُعْطِه ما عَلَيْهَا

  قال أَبو إِسْحَاق: أَحْسَب هذَا البيت إِنْ كَانَ صَحيحاً [فَهُوَ]⁣(⁣٥).


(١) ويروى:

جنيتها من مجتنى عويص ... من مجتنى الإجرد والقصيص

ويروى: جنيته.

(٢) بهامش المطبوعة المصرية: «في نسخة المتن، بعد قوله من الموت، وقصه على الموت: أدناه منه».

(٣) ضبطت بالبناء للمعلوم عن النهاية، وفي التهذيب واللسان «نهى رسول الله » وفي المطبوعة الكويتية ضبطت بالبناء للمجهول.

(٤) في المطبوعة الكويتية: أنشد.

(٥) زيادة عن اللسان.