تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الراء مع الضاد

صفحة 55 - الجزء 10

  والرِّبْضَةُ من النَّاسِ: الجَمَاعَةُ مِنْهُم، وكَذَا من الغَنَمِ.

  يقال: فيها رِبْضَةٌ من النَّاس، والأَصْلُ للغَنَمِ، كما في اللِّسَان.

  وقال ابنُ دُرَيْد: رَبَضَتِ الشَّاةُ وغَيْرُهَا من الدَّوَابِّ، كالبَقَر والفَرَسِ والكَلْبِ تَرْبِضُ، ومن حَدّ ضَرَبَ، رَبْضاً ورَبْضَةً، بفَتْحِهِمَا، ورُبُوضاً، بالضَّمّ، ورِبْضَةً حَسَنَةً، بالكَسْرِ، كبَرَكَت، في الإبلِ، وجَثُمَتْ، في الطَّيْر.

  ومَوْضِعُهَا مَرَابِضُ، كالمَعَاطِنِ للإِبل. وو أَربَضَها غَيْرُهَا، كَذَا في النُّسَخِ. ولو قَال: «هُوَ»، بَدَلَ «غَيْرها» كان أَخصَرَ.

  وأَمّا قولُه للضَّحّاكِ بن سُفْيانَ بنِ عَوْن العامِرِيّ أَبِي سَعِيدٍ وقد بَعَثَهُ إِلى قَوْمِه بَنِي عامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ بْن كِلاب: «إِذَا أَتَيْتَهُمْ فارْبِضْ في دارِهم ظَبْياً».

  قال ابنُ سِيدَه: قِيلَ في تَفْسِيره قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَيْ أَقمْ في دِيَارِهِم آمِناً كالظَّبْيِ الآمِنِ في كِنَاسِه، قد أَمِنَ حَيْثُ لا يَرَى إِنْسِيّاً⁣(⁣١)، وهو قَولُ ابنِ قُتَيْبَةَ عن ابْنِ الأَعْرَابِيّ. أَو المَعْنَى: لَا تَأْمَنْهُم، بل كُنْ يَقِظاً مُتَوَحِّشاً⁣(⁣٢) مُسْتَوْفِزاً، فإِنَّكَ بَيْنَ أَظْهُرِ الكَفَرَةِ، فإِذا رَابَكَ مِنْهُم رَيْبٌ، نَفَرْتَ عَنْهُم شَارِداً، كما يَنْفِرُ الظَّبْيُ، وهو قَوْلُ الأَزْهَرِيّ: و «ظَبْياً» في القَوْلَيْنِ مُنْتَصِبٌ على الحالِ، وأَوقَعَ الاسْمَ مَوْقِعَ اسْمَ الفَاعِل، كَأَنَّه قَدَّرَه مُتَظَبِّياً كما حَكَاه الهَرَوِيّ في الغَرِيبَيْن.

  قُلتُ: والَّذِي

  صَرَّحَ به الحافِظُ الذَّهَبِيُّ وغَيْرُه أَنَّ النَّبيَّ إِنَّمَا أَرْسَلَه إِلى مَنْ أَسْلَم مِنْ قَوْمِه، وكَتَب إِليه أَن يُوَرَّثَ امرأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابيّ من دِيَةِ زَوْجِهَا، فالوَجْهُ الأَوَّلُ هو المُنَاسِبُ للمَقَام، ولأَنَّه كان أَحَدَ الأَبْطَال مَعْدُوداً بِمِائَةِ فارِس، كما رُوِيَ ذلك، وكان مُسْتَوْحِشاً منهم، فَطَمَّنَهُ ، وأَزالَ عنه الوَحْشَةَ والخَوْفَ، وأَمَرَهُ بأَن يَقَرَّ في بُيُوتِهِم قَرَارَ الظَّبْي في كِنَاسِه، ولا يَخْشَى من بَأْسِهِم، فتَأَمَّلْ.

  و في حَدِيث الفِتَنِ رُوِيَ عن النَّبِيّ أَنَّه ذَكَرَ: «من أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَنْطِقَ الرُّوَيْبِضَةُ في أُمُورِ العَامَّة» وهو تَصْغِير الرَّابِضَةِ، وَهُوَ الَّذِي يَرْعَى الرَّبِيضَ، كما نَقَلَه الأزْهَرِيّ.

  وبَقِيَّةُ الحَدِيثِ: «قِيلَ: وما الرُّوَيبِضَةُ يا رَسُولَ اللهِ؟ قال: الرَّجُلُ التَّافِهُ - أَي الحَقِيرُ - يَنْطِقُ في أَمْرِ العَامَّةِ».

  وهذا تَفْسِيرُ النَّبِيِّ لِلْكَلِمةِ. بأَبِي وأُمّي، وليس في نَصِّه كَلمةُ «أَيْ»، بَيْنَ التّافِه والحَقِير. قلتُ: وقَرَأْتُ في الكَامل لابن عَدِىٍّ في تَرْجَمَة مُحَمّد بْنِ إِسحاقَ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَار عن أَنس، «قِيلَ: يا رَسُولَ الله، ما الرُّوَيْبِضَةُ؟ قال: الفاسقُ يَتَكَلَّم في أَمرِ العَامَّة».

  انْتَهَى. وقال أَبو عُبَيْد: ومِمّا يُثْبِتُ حَدِيثَ الرُّوَيْبَضَةِ الحَدِيثُ الآخَرُ من أَشرَاطِ السَّاعَةِ «أَن يُرَى رعَاءُ الشاءِ رُؤُوسَ النَّاسِ».

  وقال الأزْهَرِيُّ: الرُّوَيْبِضَةُ هو الَّذِي يَرْعَى الغَنَم، وقيل: هو العَاجِز الَّذِي رَبَضَ عن مَعَالِي الأُمُورِ وقَعَدَ عن طَلَبِهَا: وزِيَادَةُ الهاءِ في الرّابضَةِ لِلْمُبَالَغَةِ. كما يُقَال دَاهِيَة - قال: والغَالِبُ عِنْدِي أَنَّه قِيلَ للتّافِهِ من النّاسِ: رابِضَةٌ ورُوَيْبِضَةٌ، لِرُبُوضه في بَيْتِه وقِلَّةِ انْبِعَاثِه في الأمُور الجَسِيمَةِ. قال: ومنه قيل: رَجُلٌ رُبُضٌ على⁣(⁣٣)، هكَذَا في النُّسَخ، وصَوَابُه عن الحَاجَاتِ والأَسْفَار، بضَمَّتَيْن، إِذا كَانَ لَا يَنْهَضُ فِيهَا، وهو مَجاز. وقال اللِّحْيَانِيّ: أَي لا يَخْرُج فيها. ومن المَجَازِ: قال اللَّيْثُ: فانْبَعَثَ لَه وَاحدٌ من الرّابِضَة، قال: الرّابِضَة: ملائِكَةٌ أَهْبِطُوا مع آدمَ # يَهْدُون الضُّلاَّلَ. قال: ولَعَلَّه من الإِقامَةِ.

  وفي الصّحاح: الرَّابِضَةُ بَقِيَّةُ حَمَلَةِ الحُجَّةِ، لا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْهُم. وهو في الحَدِيث، ونَصُّ الصحاح: منه⁣(⁣٤) الأَرْضُ.

  ومن المَجَازِ: الرَّبُوضُ، كصَبُورٍ: الشَّجَرَةُ العَظِيمَةُ، قاله أَبو عُبَيْد، زاد الجَوْهَرِيّ: الغَلِيظَةُ، وزاد غَيْرُه: الضَّخْمَةِ. وقوله: الوَاسِعَة. مَا رَأَيْتُ أَحَدَاً من الأَئِمَّةِ وَصَفَ الشَجَّرَةَ بِهَا، وإِنَّمَا وَصَفُوا بها الدِّرْعَ والقِرْبَةَ، كما سَيَأْتي.

  وأَنشدَ الجَوْهَرِيّ قَوْلَ ذِي الرُّمَّة:

  تَجَوَّفَ كُلَّ أَرْطَاةٍ رَبُوضٍ ... مِنَ الدَّهْنَا تَفَرَّعَتِ⁣(⁣٥) الحِبَالا

  والحِبَالُ: الرِّمالُ المُسْتَطِيلَةُ.


(١) كذا بالأصل والنهاية والتهذيب، وفي اللسان: أنيساً.

(٢) في التهذيب: «كالمتوجس» وفي اللسان: «مستوحشاً».

(٣) على هامش القاموس عن نسخة أخرى: «عن» وسيشير لها الشارح.

(٤) الذي في الصحاح المطبوع: «منهم» كالأصل.

(٥) في الصحاح: من الدهنا مربعة الخبالا.