تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل القاف مع الضاد

صفحة 143 - الجزء 10

  بَلْ منْهَلٍ ناءٍ مِنَ الغِيَاضِ ... ومِنْ أَذَاةِ البقِّ والإِنْقَاضِ

  هابِي⁣(⁣١) العَشِيِّ مُشْرِفِ القَضْقَاضِ

  يَقُولُ: يَسْتَبِينُ القَضْقَاضُ في رَأْيِ العَيْنِ مُشْرِفاً لِبُعْدِهِ.

  قَوْلُه: ويُكْسَرُ، خَطَأٌ، وكَأَنَّه أَخَذَهُ من قَوْلِ الصّاغَانِيّ: ويُرْوَى القِضَاض، فظَنَّهُ القِضْقَاض، وإِنَّما هو القِضَاضُ، بالكَسْرِ، جَمْعُ قَضَّةٍ، بالفَتْحِ.

  والتَّقَضْقُضُ: التَّفَرُّق، وهو من مَعْنَى القَضِّ لا مِنْ لَفْظِه. ومنهُ حدِيثُ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ المُطَّلِبِ في غَزْوَةِ أُحُدٍ: «فَأَطَلَّ عَلَيْنَا يَهُودِيٌّ فقُمْتُ إِلَيْهِ فضَرَبْتُ رَأْسَهُ بالسَّيْفِ ثُمَّ رَمَيْتُ بِه عَلَيْهم فتَقَضْقَضُوا» أَي تَفَرَّقُوا.

  والقَضَّاءُ: الدِّرْعُ المسْمُورَةُ، من قَضَّ الجَوْهَرَةَ، إِذا ثَقَبَهَا، قالهُ ابنُ السِّكِّيتِ. وأَنْشَدَ:

  كَأَنَّ حَصَاناً قَضَّهَا الْقَيْنُ حُرَّة ... لَدى حَيْثُ يُلْقَى بالفِنَاءِ حَصِيرُهَا⁣(⁣٢)

  شَبَّهَها على حَصِيرِهَا وهو بِسَاطُهَا بِدُرَّةٍ في صَدَفٍ فاسْتَخْرَجَهَا، كما في اللِّسَان والعُبَاب. وقال في التَّكْمِلَة.

  وقد تَفَرَّدَ بهِ ابنُ السِّكِّيت⁣(⁣٣). والَّذِي قَالَهُ الجَوْهَرِيُّ: دِرْعٌ قَضّاء، أَي خَشِنَةُ المَسِّ، لَمْ تَنْسحِقْ بَعْدُ، وقولُه: خَشِنَةُ المَسِّ أَي مِنْ حِدَّتِهَا، فهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَضَّ الطَّعامُ والمَكَانُ، ووَزْنُه على هذَيْنِ القَوْلَيْنِ فَعْلَاءُ. وقال الزَّمَخْشَرِيُّ في الأَسَاسِ بنَحْوِ ما قَالَهُ الجَوْهَرِيّ. ويَقْرُب منه أَيْضاً قَوْلُ شَمِرٍ: القَضَّاءُ من الدُّرُوع: الحَدِيثَةُ العهْدِ بالجِدَّةِ، الخَشِنَةُ المَسِّ، من قَوْلِكَ: أَقضَّ عَلَيْهِ الفِراشُ. وأَنْشَد ابنُ السِّكِّيتِ قَوْلَ النَّابِغَةِ:

  ونَسْجِ سُلَيْمٍ كُلَّ قَضَّاءَ ذائِل⁣(⁣٤)

  قال: أَيْ كُلّ دِرْعٍ حَدِيثَةِ العَمَلِ. قال: ويُقَالُ: القَضَّاءُ: الصُّلْبَةُ الَّتِي امْلاس في مَجَسَّتِهَا قضة⁣(⁣٥) وخَالَفهم أَبو عَمْرو فَقَالَ: القَضَّاءُ هي الَّتِي فُرِغَ مِنْ عَمَلِها وأُحْكِمَ، وقد قَضَيْتُها، أَي أَحْكَمْتُهَا وأَنْشَدَ بيْتَ الهُذَلِيِّ:

  وتَعَاوَرَا مَسْرُودَتَيْن قَضَاهُما ... دَاوُودُ أَوْ صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ⁣(⁣٦)

  قال ابنُ سِيدَه: وهذا خَطَأٌ في التَّصْرِيف لِأَنَّهُ لَوْ كانَ كَذلِكَ لَقَالَ قَضْيَاءَ. وقال الأَزْهَرِيّ: جَعَلَ أَبو عَمْرٍو القَضَّاءَ فَعَّالاً من قَضَى، أَي حَكَمَ وفَرَغَ، قال: والقَضَّاءُ فَعْلاءُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ قُلْت: وسيأْتِي الكَلامُ عَلَيْهِ فِي المُعْتَلِّ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.

  وقال أَبو بَكْر: القَضَّاءُ من الإِبِلِ: ما بَيْنَ الثَّلاثِينَ إِلَى الأَرْبَعِين، كما في العُبَابِ، والتَّكْمِلَة، والّلسانِ. وقال ابنُ بَرّيّ: القَضَّاءُ بِهذا المعْنَى ليْس من هذا البابِ لِأَنَّهَا مِنْ قَضَى يَقْضِي، أَي تُقْضَى بِهَا الحُقُوق.

  والقَضَّاءُ مِنَ النّاسِ: الجِلَّةُ⁣(⁣٧) وإِنْ كان لا حَسَبَ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا جِلَّةً في الأَبْدَانِ والأَشْنَانِ⁣(⁣٨). وقال ابنُ برّيّ: الجِلَّة في أَسْنانِهِمْ.

  وقال أَبُو زَيْدٍ: قِضْ، بالكَسْرِ مُخَفَّفَةً: حِكَايةُ صَوْتِ الرُّكْبَةِ إِذا صاتَتْ. يُقالُ: قَالَت رُكْبَتُه قِضْ، وأَنْشَدَ:

  وقَوْلُ رُكْبَتِهَا قِضْ حِينَ تَثْنِيهَا

  واستَقَضَّ مَضْجَعَهُ، أَيْ وَجَدَهُ خَشِناً، نقله الجَوْهَرِيّ.

  * وممّا يُسْتَدْرَك عَلَيْه:

  قَضَّ عَلَيْهِمُ الخَيْلَ يقُضُّها قَضّاً: أَرْسَلَها أَوْ دَفَعَهَا. قال:

  قَضُّوا غِضَاباً عَلَيْكَ الخَيْلَ من كَثَبِ⁣(⁣٩)

  وانْقَضَّ النَّجْمُ: هَوَى، وهُو مَجاز. ومِنْهُ قَوْلُهُم: أَتَيْنَا


(١) في اللسان: «هامي العشي» بالميم.

(٢) ويروى: «فضها القين» والقين الغوّاص، والحصان: الدرّة.

(٣) الذي قاله ابن السكيت، كما في التكملة: القضّاء: الدرع المسمورة. وانظر التهذيب واللسان.

(٤) ديوانه ص ٧١ وصدره فيه:

وكل صموتٍ نثلةٍ تُبّعية

وبالأصل «ذايل» والمثبت عن الديوان، أي ذات ذيل سابغ، وسُليم أراد سليمان بن داود.

(٥) كذا، وفي التهذيب: الصلبة التي لم تملاسّ كأن في مجستها قضة.

(٦) البيت لأبي ذؤيب ديوان الهذليين ١/ ١٩ وفيه: وعليها مسرودتان بدل وتعاورا مسرودتين.

(٧) على هامش القاموس عن نسخة أخرى: «الحِكّة».

(٨) في اللسان: جلة في أبدانٍ وأسنانٍ.

(٩) عن اللسان وبالأصل «كبب».