تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل القاف مع الطاء

صفحة 385 - الجزء 10

  وقَدْنِي»، ومِنْهُم من يُدْخِلُ النُّونَ إِذا أَضَافَ إِلى المُتَكَلِّمِ، خَفَضَ بها أَو نَصَبَ. وقال اللَّيْثُ أَيْضاً: قال أَهلُ الكُوفَةِ: معنى قَطْنِي: كَفَانِي، فالياء⁣(⁣١) في مَوْضِعِ نَصْبٍ، مثل ياء كَفَانِي؛ لأَنَّكَ تَقُولُ: قَطْ عَبْدَ اللهِ دِرْهَمٌ وفي المُوعَبِ لابْنِ التَّيَّانِيّ: ويقولون: قَطْ عبدِ الله دِرْهَمٌ، يَتْرُكُونَ الطّاءَ مَوْقُوفةً ويَجُرُّونَ بِها. قلتُ: وهذا قد أَشَارَ إِلَيْهِ ابنُ بَرِّيّ أَيْضاً، كما تَقَدَّم قرِيباً، وقال أَهلُ البَصْرَةِ وهُوَ الصَّوابُ ونَصُّ العَيْنِ: وقال أَهْلُ البَصْرَةِ⁣(⁣٢): الصَّوابُ فيهِ الخَفْضُ على مَعْنَى حسْبُ زيدٍ، كَفْيُ زَيْدٍ دِرْهمٌ، وهذِه النُّونُ عِمَادٌ، ومَنَعَهُم أَنْ يَقُولُوا: حَسْبُنِي أَنَّ الباءَ مُتَحَرِّكةٌ والطاءَ من قَطْ ساكِنَةٌ، فكَرِهُوا تَغْيِيرَها عن الإِسْكّانِ، وجَعَلُوا النّونَ الثّانِيَةَ من لَدُنِّي عِمَاداً للياءِ.

  أَو إِذا أَرَدْتَ بقَطُّ الزَّمَانَ فمُرْتَفِعٌ أَبداً غير مُنَوَّن، تقول: ما رَأَيْتُ مثلَه قَطُّ، لأَنَّهُ مثلُ قَبْلُ وبَعْدُ. فإِنْ قَلَّلَت بقَطْ فاجْزِمْها، ما عِنْدَكَ إِلاَّ هذا قَطْ. فإِن لَقِيَتْه أَلِفُ وَصْلٍ كُسِرَت، تقول: مَا عَلِمْتُ إِلاّ هذا قَطِ اليَوْمَ. وما فَعَلْت هذا قَطْ مَجْزُومَ الطّاء ولا قَطُّ مُشَدَّداً مضمومَ الطّاءِ، أَو يُقَال: قَطُّ يا هذا مُثَلَّثَةَ الطّاءِ مُشَدَّدَةً، ومَضْمُومَةَ الطّاءِ مُخَفَّفَةً ومَرْفُوعَةً، ونصُّ اللِّحْيَانِيِّ في النَّوَادِرِ: وما زَالَ هذا مُذْ قُطُّ يا فَتَى، بضَمِّ القافِ والتَّثْقِيل، وتَخْتص بالنَّفْيِ ماضِياً كما قَدَّمْنَا الإِشَارَةَ إِليه.

  وتَقُولُ العَامَّةُ: لا أَفْعَلُه قَطُّ.

  وإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ في المُسْتَقْبَلِ عَوْضُ.

  وفي مَواضِعَ من صَحِيحِ الإِمَامِ أَبِي عَبْدِ الله البُخارِيِّ جاء بعدَ المُثْبَتِ، مِنْها في باب صلاةِ الكُسُوفِ: «أَطْوَلُ صلاةٍ صَلَّيْتُها قَطُّ»، وفي سُنَنِ الإِمَامِ أَبِي دَاوُدَ: «تَوَضَّأَ ثَلاثاً، قَطْ» وأَثْبَتَه ابنُ مالِكٍ في الشَّوَاهِدِ لغةً، وحَقَّقَ بَحثَه في التَّوْضِيحِ على مُشْكِلاتِ الصَّحِيح. قال: وهي مِمّا خَفِيَ على كَثيرٍ من النُّحاةِ، وحاول الكِرْمَانِيُّ جَرْيَها على أَصلِهَا فأَوَّلَ الأَحَادِيثَ الوَارِدَةَ مُثْبَتَةً بالنَّفْيِ، قال شَيْخُنَا: وَجَزَم الحَرَيرِيُّ في الدُّرَّةِ بأَنَّ اسْتِعْمَالَ قَطُّ في المُسْتَقْبَلِ، أَو المُثْبَتِ نفيٌ.

  وحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: قد يُقالُ: مَا لَهُ إِلاّ عَشَرَةٌ قَطْ يا فَتَى، مُخَفَّفاً مَجْزُوماً، ومُثَقَّلاً مَخْفُوضاً.

  وفي الصّحاحِ: يُقَال: قَطَاطِ، كقَطَامِ، أَي حَسْبِي، قال عَمْرُو بنُ مَعْدِيكَرِبَ:

  أَطَلْتُ فِراطَهُمْ حَتَّى إِذا ما ... قَتَلْتُ سَراتَهُمْ كانَتْ قَطاطِ

  قالَ ابنُ بَرِّيّ والصّاغَانِيُّ صَوابُ إِنْشَادِه: «فِراطَكُمْ وسَرَاتَكُم» بكافِ الخِطابِ، وقد تَقَدَّمَ في «ف ر ط»⁣(⁣٣).

  والقَطُّ: دُعَاهُ القَطاةِ والحَجَلَةِ، ويُخَفَّفُ، يُقَال: قَطْقَطَت وقَطَتْ⁣(⁣٤)، أَي صَوَّتَتْ، الأَخِيرَةُ نَقَلَهَا الصّاغَانِيّ.

  والقِطُّ، بالكَسْرِ: النَّصِيبُ وهو مَجازٌ، ومنه قَوْلُه تَعالَى: {رَبَّنا عَجِّلْ لَنا} قِطَّنا {قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ}⁣(⁣٥) قال مُجَاهِدٌ وقَتادَةُ والحَسَنُ: أَي نَصِيبَنَا من العَذَاب، وقال سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: ذُكِرَتِ الجَنَّةُ فاشْتَهَوْا ما فِيهَا، فقالُوا ذلِك.

  والقِطُّ الصَّكُّ بالجَائِزَةِ، كما في الصّحاحِ، وهي الصَّحِيفَةُ للإِنْسَانِ بصِلَةٍ يُوصَلُ بها. وقال الفَرّاءُ: القِطُّ: الصَّحِيفَةُ المَكْتُوبَةُ، وإِنّمَا قالُوا ذلِكَ حِينَ نَزَلَ {فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ}⁣(⁣٦) فاسْتَهْزَءُوا بِذلِكَ وقالُوا: عَجِّلْ لَنَا هذا الكِتَابَ قَبلَ يومِ الحِسَابِ.

  والقِطُّ: الكِتَابُ، كما في الصّحاحِ، وقِيلَ: هو كِتَابُ المُحَاسَبَةِ، وأَنْشَدَ ابنُ بَرِّيّ لأُمَيَّةَ ابنِ أَبِي الصَّلْتِ:

  قَوْمٌ لهم ساحَةُ العِ ... راقِ جَمِيعاً والقِطُّ والقَلَمُ⁣(⁣٧)

  ج: قُطُوطٌ، وأَنْشَدَ الجَوْهَرِيُّ للأَعْشَى:

  ولا المَلِكُ النُّعْمَانُ يَوْمَ لَقِيتُه ... بغِبطَتِه يُعْطِي القُطُوطَ ويَأْفِقُ


(١) بالأصل: «فالنون» وبهامش المطبوعة المصرية: «قوله فالنون هكذا في النسخ ومثله في اللسان، والأولى: فالياء».

(٢) في التهذيب: وقال البصريون.

(٣) انظر ما لا حظناه في مادة فرط.

(٤) ضبطت عن التكملة.

(٥) سورة ص الآية ١٦.

(٦) سورة الحاقة الآية ١٩.

(٧) كذا رواية البيت بالأصل واللسان، وقد علق عليه مصحح اللسان دار المعارف: والبيت لا يستقيم له وزن على هذه الرواية. وقد جاء في كتاب المذكر والمؤنث لابن الأنباري بهذه الرواية:

قوم لهم ساحة العراق إِذا ... ساروا جميعاً والقط والقلم