تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل التاء المثناة الفوقية مع العين

صفحة 39 - الجزء 11

  بَعْضاً، كُلَّمَا هَلَكَ وَاحِدٌ قامَ مَقَامَهُ آخَرُ تَابِعاً له على مِثْلِ سِيرَتِهِ، وزَادُوا الهاءَ في التَّبَابِعَةِ، لإِرَادَةِ النَّسَبِ.

  وقَوْلُه تَعالَى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ}⁣(⁣١) قالَ الزَّجّاج: جاءَ في التَّفْسِيرِ أَنَّ تُبَّعاً كانَ مَلِكاً من المُلُوكِ وكانَ مُؤْمِناً، وأَنَّ قَوْمَهُ كانُوا كافِرِينَ. وجاءَ أَيْضاً أَنَّهُ نُظِرَ إِلَى كِتَابٍ عَلَى قَبْرَيْنِ بنَاحِيَةِ حِمْيَرَ: «هذا قَبْرُ رَضْوَى وقَبْرُ حُبَّى ابنَتَيْ تُبَّعٍ، لا تُشْرِكان بِالله شَيْئاً». وفي الحَدِيثِ: «لا تَسُبُّوا تُبَّعاً فإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ كَسَا الكَعْبَة» وقِيلَ: اسْمُه أَسْعَدُ أَبُو كَرِب. وقالَ اللَّيْثُ: التَّبَابِعَةُ في حِمْيَرَ، كالأَكَاسِرَةِ في الفُرْسِ، والقَيَاصِرَةِ في الرُّومِ، ولا يُسَمَّى به إِلَّا إِذا كَانَتْ، هكَذَا في النُّسَخ، ونَصُّ العَيْنِ: دَانَتْ لَهُ حِمْيَرُ وحَضْرَمَوْتُ، وزادَ غَيْرُه: «وسَبَأٌ»، وإِذَا لَمْ تَدِنْ لَهُ هاتانِ لَمْ يُسَمَّ تُبَّعاً⁣(⁣٢).

  وِدَارُ التَّبَابِعَة بِمَكَّةَ مَعْرُوفَةٌ، وهي الَّتِي وُلِدَ فِيها النَّبِيُّ ÷، كما في العُبَابِ.

  وِالتُّبَّعُ، كسُكَّرٍ: الظِّلُّ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الشَّمْسَ، وهذِهِ هي اللُّغَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا قَرِيباً، ولَوْ ذَكَرَهُمَا في مَوْضِعٍ، وَاحِدٍ كَانَ أَصْنَعَ، وهكَذَا رُوِيَ بَيْتُ سُعْدَى الجُهَنِيَّةِ الَّذِي تَقَدَّم ذِكْرُهُ.

  وِمِنَ المَجَازِ: التُّبَّع: ضَرْبٌ من اليَعَاسِيبِ أَعْظَمُها وأَحْسَنُهَا، ج: التَّبَابِيعُ نَقَلَهُ اللَّيْثُ، ويُقَالُ مِنْ ذلِكَ، تَبعَت النَّحْلُ تُبَّعَهَا، أَيْ يَعْسُو بهَا الأَعْظَم، تَشْبِيهاً بِأُولئِكَ المُلُوكِ، ووَقَعَ في اللِّسَانِ: والجَمْعُ التَّبَابعُ.

  وِقالَ ابنُ عبّادٍ: يُقَالُ: ما أَدْرِي أَيُّ تُبَّعٍ هُوَ؟ أَيْ أَيُّ النّاسِ⁣(⁣٣) هو.

  وِأَبو عَبْدِ الله أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَعِيدٍ التُّبَّعِيّ: مُحَدِّثٌ، رَوَى عن القاسِمِ بنِ الحَكَمِ، وعنه زَنْجَوَيْه بنُ مُحَمَّدٍ اللَّبّادُ، نَقَلَه الحَافِظُ.

  وِقالَ يُونُسُ: رَجُلٌ تُبَعٌ للكَلامِ، كصُردٍ، وهو مَنْ يُتْبعُ بَعْضَ كَلامِهِ بَعْضاً.

  وِتَبُّوعُ الشَّمْسِ، كتَنُّورٍ: رِيحٌ يُقَال لَهَا: النُّكَيْبَاءُ تَهُبُّ بالغَدَاةِ مع طُلُوعِهَا مِن نَحْوِ الصَّبا لا نَشْءَ معها فتَدُورُ في مَهَابِّ الرِّيَاحِ حَتَّى تَعُودَ إِلَى مَهَبِّ الصَّبَا حَيْثُ⁣(⁣٤) بَدَأَتْ بالغَدَاةِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: والعَرَبُ تَكْرَهُها.

  وِتِبْعُ المَرْأَةِ، بالكَسْرِ: عاشِقُها وتَابِعُها حَيْثُ ذَهَبَتْ.

  وحَكَى اللِّحْيَانِيّ: هو تِبْعُ نِسَاءٍ، وهي تِبْعَتُه. وقالَ الأَزْهَرِيّ: تِبْعُ نِسَاءٍ، أَيْ يَتْبَعُهُنَّ، وحِدْثُ نِسَاءٍ: يُحَادِثُهُنَّ، وزِيرُ نِسَاءٍ: يَزُورُهُنَّ، وخِلْبُ نِسَاءٍ: إِذا كَانَ يُخَالِبُهُنَّ.

  وِقالَ ابنُ عَبّادٍ: بَقَرَةٌ تَبْعَى، كسَكْرَى، أَيْ مُسْتَحْرِمَةٌ.

  وِأَتْبَعْهُمُ مِثْلُ تَبِعْتُهُم، وذلِكَ إِذا كَانُوا سَبَقُوكَ فلَحِقْتَهُمْ، نَقَلَه أَبُو عُبَيْدٍ. ويُقَالُ: أَتْبَعَهُ: إِذا قَفَاهُ وتَطَلَّبَهُ مُتَتَبِّعاً لهُ، وأَتْبَعْتُهُم أَيْضاً غَيْرِي. وقَوْلُه تَعالَى: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ⁣(⁣٥) أَراد أَتْبَعَهُمْ إِيّاهُمْ. وقالَ ابنُ عَرَفَةَ: أَيْ لَحِقَهُمْ أَو كادَ، ومنهُ قَوْلُه تَعالَى: {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ}⁣(⁣٦) أَي لَحِقَهُ.

  وقالَ الفَرّاء: يُقَالَ: تَبِعَهُ وأَتْبَعَهُ، ولَحِقَهُ وأَلْحَقَهُ، وكَذلِكَ قَوْلُه: {فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ}⁣(⁣٧) وقَوْلُهُ ø: {فَأَتْبَعَ سَبَباً}⁣(⁣٨) و «فاتَّبَعَ سَبَباً» بتَشْدِيدِ التَّاءِ، ومَعْنَاهَا تَبِعَ، وكانَ أَبُو عَمْرِو بنُ العَلاءِ يَقْرَؤُها بالتَّشْدِيدِ، وهي قِرَاءَةُ أَهْلِ المَدِينَةِ، وكانَ الكِسَائيُّ يَقْرَؤُهَا بقَطْعِ الأَلِفِ، أَيْ لَحِقَ وأَدْرَكَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وقِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو أَحَبُّ إِلَيَّ مِن قَوْلِ الكِسَائيّ.

  وِفي المَثَلِ: أَتْبعِ الفَرَسَ لِجَامَهَا، أَوْ أَتْبِعِ النَّاقَةَ زِمَامَها، أَو أَتْبِعِ الدَّلْو رِشَاءَهَا كُلُّ ذلِكَ يُضْرَبُ لِلأَمْرِ باسْتِكْمَالِ المَعْرُوفِ واسْتِتمَامِهِ، وعلَى الأَخِيرِ قَوْلُ قَيْسِ بنِ الخَطِيمِ:

  إِذا ما شَرِبْتُ أَرْبَعاً خَطَّ مِئْزَرِي ... وِأَتْبَعْتُ دَلْوِي في السَّمَاحِ رِشَاءَهَا

  وقال أَبو عُبَيْدٍ: أَرَى مَعْنَى المَثَلِ الأَوّلِ: إِنَّكَ قَدْ جُدْتَ بالفَرَسِ، واللِّجَامُ أَيْسَرُ خَطْباً، فَأَتِمَّ الحَاجَةَ، لِمَا أَنَّ الفَرسَ لا غِنَى به عَن اللِّجَام. قالَهُ ضِرَارُ بنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، والَّذِي حَقَّقه المُفَضّل وغَيْرُه أَنَّ المَثَلَ لعَمْرِو بنِ ثَعْلَبَةَ، قالُوا: لَمَّا أَغَارَ ضِرَارٌ عَلى حَيِّ عَمْرِو بنِ ثَعْلَبَةَ الكَلْبِيِّ فأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ،


(١) سورة الدخان الآية ٣٧.

(٢) عبارة اللسان: لا يسمى تبّعاً حتى يملك حضرموت وسبأ وحمير.

(٣) في التكملة: خَلْق.

(٤) التكملة: حين.

(٥) سورة طه الآية ٧٨.

(٦) سورة الأعراف الآية ١٧٥.

(٧) سورة الحجر الآية ١٨.

(٨) سورة الكهف الآية ٨٥.