تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[جدع]:

صفحة 55 - الجزء 11

  وِبَنُو جَدْعَاءَ⁣(⁣١) وبَنُو جُدَاعَةَ، كثُمَامَةَ: قَبِيلَتانِ مِنَ العَرَبِ.

  وِالجَدْعاءُ: ناقَةُ رَسُولِ الله ÷، وهي العضْبَاءُ والقَصْوَاءُ، ولَمْ تَكُنْ جَدْعَاءَ ولا عَضْبَاءَ ولا قَصْوَاءَ، وإِنَّمَا هُنَّ أَلْقَابٌ لَها، كما ذَكَرَهُ أَهْلُ السِّيَرِ.

  وِعَبْدُ الله بنُ جُدْعَانَ، بالضَّمِّ: جَوادٌ، م، مَعْرُوفٌ، وهُوَ ابنُ جُدْعَانَ بنِ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ، وهو وَالِدُ زُهَيْرِ أَبِي مُلَيْكَةَ. وأَخَواه زَيْدُ بنُ جُدْعَانَ وعُمَيْرُ بنُ جُدْعانَ، فمِنْ وَلَدِ عُمَيْرٍ المُهَاجِرِيّ قُنْفُذُ بنُ عُمَيْرُ ومِنْ وَلَدِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَبُو عَزَارَةَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحمنِ بنِ أَبِي بَكْرِ بنِ عُبَيْدِ الله بن أَبِي مُلَيْكَةَ، ورُبما كانَ يَحْضُرُ النَّبِيُّ ÷ طَعَامَهُ، وكَفَاهُ بذلِكَ فَخْراً وشَرَفاً، وكَانَتْ لَهُ جَفْنَةٌ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا النَّبِيُّ ÷ في الإِسْلامِ صَكَّةَ عُمَيًّ، كما وَرَدَ في الحَدِيثِ، ونَقَلَهُ الصّاغَانِيّ، وكانَتْ هذِه الجَفْنَةُ يُطْعِمُ فِيهَا في الجَاهِلِيَّةِ، وكانَ يَأْكُل مِنْهَا القائمُ والرّاكبُ لعِظَمِها، وكانَ لَهُ مُنَادٍ يُنَادِي: هَلُمَّ إِلَى الفَالُوذِ، وإِيّاهُ عَنَى أُمَيَّةُ بنُ أَبِي الصَّلْتِ بِقَوْلِهِ:

  لَهُ دَاعٍ بِمَكَّةَ مُشْمَعِلٌّ ... وِآخَرُ فَوْقَ دَارَتِهِ يُنَادِي

  فَأَدْخَلَهُم عَلَى رَبِذٍ يَدَاهُ ... بفِعْلِ الخَيْرِ لَيْسَ من الهَدَادِ

  عَلَى الخَيْرِ بْنِ جُدْعَانَ بنِ عَمْرٍو ... طَوِيل السَّمْكِ مُرْتَفِع العِمَادِ

  إِلى رُدُحٍ مِنَ الشَّيزَى مِلَاءٍ ... لُبَابَ البُرِّ يُلْبَكُ بالشِّهَادِ

  وجاءَ في بَعْضِ الأَحَادِيثِ «قَالَتْ عائشَةُ» ^: يا رَسُولَ الله هَلْ كَانَ ذلِكَ نافِعَهُ؟ قالَ: لا إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْماً: رَبِّ اغْفِرْ {لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}».

  وِيُقَالُ: كَلأٌ جُدَاعٌ، كغُرَابٍ أَي فيه جَدْعٌ لِمَنْ رَعَاهُ.

  قالَ رَبِيعَةُ بنُ مَقْرُومٍ الضَّبِّيّ:

  فقَدْ أَصِلُ الخَلِيلَ وإِنْ نَآنِي ... وِغِبُّ عَداوَتِي كَلَأٌ جُدَاعُ

  وهو مَثَلٌ، أَي هو مُرُّ بَشِعٌ وَبِيلٌ وَخِمٌ دَوٍ.

  وِمِنْهُ الجُدَاع للمَوْتِ. بالضَّمِّ أَيْضاً، وهو مَجَازٌ، وضَبَطَهُ بَعْضُهُم كسَحَابٍ، وإِنَّمَا سُمِّيَ به لأَنَّهُ يُذْهِبُ كُلَّ شَيْءٍ، كأَنَّهُ يَجْدَعُهُ.

  وِبَنُو جُدَاعٍ، أَيْضاً: بَطْنٌ مِن العَرَبِ.

  وصَيِيُّ جَدِعٌ، ككَتِف: سَيِّءُ الغِذَاءِ، وقَدْ جَدِعَ، كفَرِحَ، جَدَعاً، وهو مَجازٌ: قال ابْنُ بَرِّيّ: قال الوَزِيرُ: جَدِعٌ فَعِلٌ بمَعْنَى مَفْعُولٍ، قال: لا يُعْرَفُ مِثْلُهُ. قَالَ أَوْسُ بنُ حَجَرٍ يرثِي فَضَالَةَ بنَ كَلَدَةَ⁣(⁣٢) ويُرْوَى لبِشْرِ بنِ أَبِي خَازِم:

  لِيَبْكِكَ الشَّرْبُ والمُدَامَةُ وال ... فِتْيَانُ طُرًّا وطامِعٌ طَمِعَا

  وِذاتُ هِدْمٍ عارٍ نَوَاشِرُهَا ... تُصْمِتُ بالماءِ تَوْلَباً جَدِعَا

  وقَدْ صَحَّفَ بَعْضُ العُلَمَاءِ هذِهِ اللَّفْظَةَ: قَالَ الجَوْهَرِيُّ: ورَوَاهُ المُفَضَّلُ «بالذالِ المُعْجَمَةِ» ورَدَّ عَلَيْهِ الأَصْمَعِيُّ.

  قُلْتَ: قالَ الأَزْهَرِيُّ في أَثْنَاءِ خُطْبَةِ كتابِهِ: جَمَعَ سُلَيْمَانُ بنُ عَلِيٍّ الهاشِمِيُّ بالبَصْرَةِ بَيْنَ المُفَضَّلِ الضَّبِّيّ والأَصْمَعِيّ، فأَنْشَدَ المُفَضَّلُ «وذَاتُ هِدْمٍ». وقال آخِرَ البَيْتِ «جَذعا» ففَطِنَ الأَصْمَعِيّ لِخَطَئِهِ، وكانَ أَحْدَثَ سِنًّا منه، فقالَ لَه: إِنَّمَا هو «تَوْلَباً جَذِعاً» وأَرادَ تَقْرِيرَهُ عَلَى الخَطَإِ، فلَمْ يَفْطِنِ المُفَضَّلُ لِمُرادِهِ فقَالَ: وكَذلِكَ أَنْشَدْتُه، فقَالَ لَهُ الأَصْمَعِيُّ حِينَئِذٍ: أَخْطَأَتَ إِنَّمَا هو تَوْلَباً جَدِعا، فقالَ لَهُ المُفَضَّلُ: جَذِعَا، جَذِعا ورَفَعَ صَوْتَهُ وَمَدَّه، فقالَ لَهُ الأَصْمَعِيُّ: لَوْ نَفَخْتَ في الشَّبُّورِ ما نَفَعَكَ، تَكَلَّمْ كَلامَ النَّمْلِ وأَصِبْ، إِنَّمَا هو: جَدِعا، فقال سُلَيْمَانُ بنُ عَلِيّ: مَنْ تَخْتَارَانِ أَجْعَله بَيْنَكُمَا؟ فاتَّفَقا عَلَى غُلامٍ من بَنِي أَسَدٍ حافِظٍ للشِّعْرِ، فأُحْضِرَ، فعَرَضا عَلَيْه ما اخْتَلَفا فِيهِ، فصَدَّقَ الأَصْمَعِيَّ، وصَوَّب قَوْلَهُ، فقَالَ لَه المُفَضَّلُ: ما الجَدِعُ؟ فقالَ: السَّيِّءُ، الغِذَاءِ. انْتهى.


(١) هو جدعاء بن ذهل بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن فُطرة بن طيئ.

(٢) عن الكامل للمبرد ٣/ ١٤٠٠ والبيتان في ديوان أوس ص ٥٥ وبالأصل «فضالة بن لكدة».