تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

«فصل الراء المهملة»

صفحة 12 - الجزء 2

  وقولُ الشَّاعر:

  خَلِيلُ خَوْدٍ غَرَّهَا شَبَابُهُ ... أَعْجَبَهَا إِذْ كَثُرَتْ رِبَابُهُ

  عَنْ أَبِي عمْرٍو: الرُّبَّى: أَوَّلُ الشَّبَابِ، يقالُ أَتَيْتُهُ فِي رُبَّى شَبَابِهِ ورِبَّان شَبَابِهِ، ورِبَابِ شَبَابِهِ، قال أَبُو عبيدٍ: الرُّبَّانُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: حِدْثَانُه.

  وفي الصّحَاح: رُبَّ ورُبَّتَ* ورُبَّمَا ورُبَّتَمَا بِضَمِّهِنَّ مُشَدَّدَاتٍ ومُخفَّفَاتٍ وبِفَتْحِهنَّ كذلكَ، ورُبٌ بِضَمَّتَيْنِ مُخَفَّفَةً، ورُبْ كَمُذْ⁣(⁣١) قال شيخُنَا: حَاصِلُ ما ذَكَرَه المُؤَلِّفُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لُغَةً، وهو قُصُورٌ ظاهِرٌ، فقد قال شيخُ الإِسلام زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيُّ قُدِّسَ سِرُّهُ في شَرْحِ المُنْفَرِجَةِ الكَبيرِ له ما نَصُّهُ: في رُبَّ سَبْعُونَ لُغَةً ضَمُّ الراءِ وفتحُهَا مع تَشْدِيدِ البَاءِ وتَخْفِيفِهَا مفتوحةً في الضَّمِّ والفَتْحِ، ومضمومةً في الضَّمِّ، كُلٌّ مِنَ السِّتَّةِ مع تَاءِ التأْنِيثِ ساكنةً أَو مفتوحةً أَو مضمومةً أَو مَعَ مَا، أَو مَعَهُمَا بأَحْوَالِ التَّاءِ، أَو مجردةً منهما، فذلك ثَمَانٍ وأَرْبَعُونَ، وضَمُّهَا وَفَتْحُهَا مع إِسْكَانِ البَاءِ، كُلٌّ منهما مع التَّاءِ مفتوحةً أَو مضمومةً، أَو مع مَا، أَو مَعَهُمَا بحالَتَيِ التاءِ، أَو مجردةً، فذلك اثْنَتَا عَشْرَةَ، ورُبت، بضم الراءِ وفتحها مع إِسْكَانِ الباءِ أَو فَتْحِهَا أَو ضَمِّهَا، مُخَفَّفَةً أَو مُشَدَّدَةً في الأَخيرتَيْنِ، فذلك عشرة، حَرْفٌ خَافِضٌ على الصواب، وهو المختارُ عند الجمهور خلافاً للكوفِيِّينَ والأَخْفَشِ ومَنْ وَافَقَهُمْ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى نَكِرَةٍ وقال ابن جِنِّي: أَدْخَلُوا رُبَّ على المُضْمَرِ وهو على نِهَايَةِ الاختصاصِ وجَازَ دُخُولُهَا عَلَى المَعْرِفَةِ في هذا المَوْضِعِ لِمُضَارَعَتِهَا النَّكِرَةَ بِأَنَّهَا أُضْمِرَتْ عَلَى غَيْرِ تَقَدُّمِ ذِكْرٍ، ومن أَجْلِ ذلك احتاجت إِلى تَفْسِيرٍ⁣(⁣٢)، وحَكَى الكوفيونَ مُطَابَقَةَ الضَّمِيرِ للتَّمْيِيزِ: رُبَّهُ رَجُلاً قَدْ رَأَيْتَ، ورُبَّهُمَا رَجُلَيْنِ، ورُبَّهُمْ رِجَالاً، ورُبَّهُنَّ نِسَاءً، فَمَنْ وَحَّدَ قَالَ: إِنَّهُ كِنَايَةٌ عن مَجْهُولٍ، ومَنْ لم يُوَحِّدْ، قالَ: إِنَّهُ رَدُّ كَلَامٍ، كَأَنَّهُ قِيل لهُ: مَا لَكَ جَوَارٍ، قالَ⁣(⁣٣): رُبَّهُنَّ جَوَارٍ قَدْ مَلَكْتُ، وقال أَبُو الهَيْثَم: العَرَبُ تَزِيدُ في رُبَّ هاءً، وتجعلُ الهاءَ اسماً مجهولاً لا يُعْرَفُ، ويَبْطُلُ معها عَمَلُ رُبَّ فلا تخفض⁣(⁣٤) بها ما بَعْدَ الهاءِ، وإِذَا فَرَقْتَ بين كم التي تَعْمَلُ عَمَلَ رُبَّ بشَيْءٍ بَطَلَ عنها عَمَلُهَا. وأَنشد:

  كَائِنْ رَأَيْتَ وَهَايَا صَدْعِ أَعْظُمِهِ ... وَرُبَّه عَطِباً أَنْقَذْتُ مِ العَطَبِ⁣(⁣٥)

  نَصَبَ عَطِباً مِنْ أَجْلِ الهَاءِ المَجْهُولَةِ وقولُه: رُبَّهُ رَجُلاً، ورُبَّهَا امْرَأَةً أَضْمَرَتْ فيها العَرَبُ على غير تقدم ذِكر. [ثم]⁣(⁣٦) أَلْزَمَتْهُ التَفْسِيرَ ولم تَدَعْ أَنْ تُوَضِّحَ ما أَوقعت به الالتباسَ، ففسره⁣(⁣٧) بِذكرِ النوعِ الذي هو قولهم: رَجُلاً وامْرَأَةً، كذا في لسان العرب، أَو اسمٌ وهو مذهب الكوفيينَ والأَخفشِ في أَحَدِ قَوْلَيهِ، ووافقهم جماعةٌ، قال شيخُنَا: وهو قول مردودٌ تعرَّضَ لإِبطاله ابنُ مالك في التسهيل وشرحه، وأَبْطَلَه الشيخ أَبو حَيَّانَ في الشرح، وابن هشام في المُغْنِي وغيرُهم وقِيل: كَلمة تَقلِيلٍ دائماً، خلافاً للبعض، أو في أَكثرِ الأَوقاتِ، خلافاً لقومٍ أَو تَكْثِيرٍ دائماً، قاله ابن دُرُسْتَوَيْهِ، أَو لَهُمَا، في التهذيب: قال النحويونَ رُبَّ مِنْ حُرُوفِ المَعَاني، والفَرْقُ بَيْنَها وبينَ كَمْ أَن رُبَّ للتقليل وكمْ وُضِعَت للتكثيرِ إِذا لم يُرَدْ بها الاستفهام، وكلاهُمَا يقع على النَّكِرَاتِ فيخفضها، قال أَبو حاتمٍ: من الخطإ قول العَامَّةِ: رُبَّمَا رَأَيْتهُ كَثِيراً، ورُبَّمَا إِنَّمَا وُضِعَتْ للتقليل، وقال غيرهُ: رُبَّ ورَبَّ ورُبَّةَ كلمة تقليل يُجَرُّ بها⁣(⁣٨) فيقال: رُبّ رجلٍ قائمٌ [ورَبّ رجُلٍ] وتدخل عليها⁣(⁣٩) التاءُ فيقال: رُبَّتَ رَجل وَرَبَّتَ رَجلٍ وقال الجوهريّ: وتدخل عليه ما ليمكن أَن يتكلم بالفعل بعده فيقال: رُبَّمَا، وفي


(*) بالقاموس: ورُبَّةَ.

(١) بهامش القاموس: «بدله في نسخة المؤلف هكذا: ورَبَّ ورُبَّةُ ورَبَّتْ ويخفف الكل ورُبُّ ورُب كمُدْ ورُبَّما ورَبَّما ورُبَّتُما ورَبَّتَما ويخفف الكل حرف خافض».

وقوله: «وفي الصحاح» فالعبارة في الصحاح ورب حرف خافض لا يقع إلا على نكرة، يشدد ويخفف وقد تدخل عليه التاء فيقال رُبّت وتدخل عليه ما ... وقد تدخل عليه الهاء فيقال رُبَّه.

(٢) في اللسان: احتاجت إلى التفسير بالنكرة المنصوبة نحو رجلاً وامرأة، ولو كان هذا المضمر كسائر المضمرات لما احتاجت إلى تفسيره.

(٣) اللسان: فقال

(٤) اللسان: يخفض.

(٥) بهامش المطبوعة المصرية: «قوله م العطب أي من العطب فحذف النون تخفيفاً وينشد في كتب النحو: وربه عطباً أنقذت من عطبه.»

(٦) زيادة عن اللسان.

(٧) اللسان: ففسروه.

(٨) عن اللسان، وبالأصل «ويخبر بها».

(٩) اللسان: عليه.