تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[صنع]:

صفحة 285 - الجزء 11

  الخ» وفيه: «وأَبْيَضَ مِنْ أُمَيَّةَ» فلمّا انْتَهَى من إِنشادِهما قالَ مُعَاوِيَةُ: أَمُفَاخِراً جئْتَ أَمْ مُكَاثِراً؟ فقالَ: أَيَّ ذلِكَ شِئْتَ، وهُمَا بَيْتَانِ فَقَط. كذا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الأَسْوَدُ والسَّهْمُ الصَّنِيعُ كذلِكَ، والجَمْعُ: صُنُعٌ، قال صَخْرُ الغَيِّ:

  وِارْمُوهُمُ بالصُّنُعِ المَحْشُورَهْ⁣(⁣١)

  وقال ذُو الإِصْبَعِ العَدْوَانِيُّ:

  السَّيْفَ والقَوْسَ والكِنَانَةَ قَدْ ... أَكْمَلْتُ فيها مَعَابِلاً صُنُعَا

  أَي مُحْكَمَةَ العَمَلِ.

  وِالصَّنِيعُ: فَرَسُ بَاعِثِ بنِ حُوَيْصٍ الطّائِيِّ، فَعِيلٌ بمَعْنَى مَفْعُولٍ.

  وِالصَّنِيعُ: الطَّعَامُ يُصْنَعُ فيُدْعَى إِليه. يقالُ: كُنْتُ في صَنِيعِ فُلَانٍ، وهو مَجَازٌ.

  وِالصَّنِيعُ: الإِحْسَانُ والمَعْرُوفُ، واليَدُ يُرْمَى بها إِلى إِنْسَانٍ. وقيل: هو كُلُّ ما اصْطُنِعَ مِنْ خَيْرٍ، كالصَّنِيعَةِ، ج: صَنَائعُ، قال الشّاعِرُ:

  إِنَّ الصَّنِيعَةَ لا تَكُونُ صَنِيعَةً ... حَتَّى يُصَابَ بها طَرِيقُ المَصْنَعِ⁣(⁣٢)

  وقال سُوَيْدُ بن أَبي كَاهِلٍ:

  نِعَمٌ لله فينا رَبِّنَا ... وِصَنِيعُ الله، والله صَنَعْ

  وفي الحَدِيث: «صَنائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصارِعَ السُّوْءِ».

  وِمن المَجَازِ: هو صَنِيعِي، وصَنِيعَتِي، أَي اصْطَنَعْتُه ورَبَّيْتُه وخَرَّجْتُه وأَدَّبْتُه. وقولُه تعالَى: {وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي}⁣(⁣٣) أَي لِتَنْزِلَ بمَرْأَى مِنِّي. قالَهُ الأَزْهَرِيُّ، وقِيلَ: مَعْنَاهُ لِتُغَذَّى، وقالَ الرَّاغِبُ: هو إِشارَةٌ إِلى نَحْوِ ما قالَ بعضُ الحُكَمَاءِ: «إِنَّ الله ø إِذا أَحَبَّ عَبْداً تَفَقَّدَه، كما يَتَفَقَّدُ الصَّدِيقُ صَدِيقَه».

  انْتَهَى ومن ذلِكَ: صَنَعَ جَارِيَتَه، إِذا رَبَّاهَا، وصَنَع فَرَسَه، إِذا قَامَ بعَلَفِه وتَسْمِينِه.

  وِيقال: صُنِعَتِ الجارِيَةُ، كعُنِيَ أَيْ أُحْسِنَ إِلَيْهَا حَتَّى سَمِنَتْ، كصُنِّعَتْ، بالضَّمِّ، تَصْنِيعاً، أَو صَنَعَ الفَرَسَ بالتَّخْفِيفِ، وصَنِّعَ الجَارِيَةَ، بالتَّشْدِيدِ، قالَهُ اللَّيْثُ، أَي أَحْسِنْ إِليْهَا وسَمِّنَهَا، قالَ: لأَنَّ تَصْنِيعَ الجَارِيَةِ لا يَكُونُ إِلّا بأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ وعِلَاجٍ، بخِلَافِ صَنْعَةِ الفَرَسِ، ففَرَّق بَيْنَهُما بالتَّشْدِيدِ؛ ليَدُلَّ على مَعْنَى التَّكْثِيرِ. قالَ الأَزْهَرِيُّ: وغيرُ اللَّيْثِ يُجِيزُ صَنَعَ جَارِيَتَه، بالتَّخْفِيفِ، كما تَقَدَّمَ، ومنه قَوْلُه تَعَالَى: {وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي}.

  وِصُنْعٌ، بالضَّمِّ: جَبَلٌ بدِيَارِ بَنِي سُلَيْمٍ.

  وِيُقَال: رَجُلٌ صِنْعُ اليَدَيْنِ، وكَذَا صِنْعُ اليَدِ، بالكَسْرِ فِيهِمَا إِذا أُضِيفَتْ، قال الطِّرِمّاحُ:

  وِرَجَا مُوَدَاعَتِي وأَيْقَنَ أَنَّنِي ... صِنْعُ اليَدَيْنِ بحَيْثُ يُكْوَى الأَصْيَدُ

  وِرَجُلٌ صَنَعٌ، بالتَّحْرِيكِ، إِذا أَفْرَدْتَ فهِيَ مُفْتُوحَةٌ مُحَرَّكَةٌ، كما في اللِّسَانِ، وسِيَاقُ الجَوْهَرِيّ والصّاغَانِي يُخَالِفُ ذلِكَ، فإِنَّهُمَا قالا: وكذلِكَ رَجُلٌ صَنَعُ اليَدَيْنِ بالتَّحْرِيكِ، فحَرَّكَا مع الإِضَافَةِ، وأَنْشَدَ لأَبِي ذُؤَيْبٍ:

  وِعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتانِ قَضَاهُما ... دَاوُودُ أَو صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ⁣(⁣٤)

  قالَ الجَوْهَرِيُّ: هذِه رِوَايَةُ الأَصْمَعِيِّ، ويُرْوَى: «صِنْعُ السَّوَابِغَ». وأَنْشَدَ الصّاغَانِيُّ لذِي الإِصْبَعِ العَدْوَانِيِّ:

  تَرَّصَ أَفْوَاقَها وقَوَّمَهَا ... أَنْبَلُ عَدْوَانَ كُلِّهَا صَنَعَا

  وفِي حَدِيثِ عُمَرَ ¥ لَمّا جُرِحَ قالَ لابْنِ عَبّاسٍ: «انظُرْ مَنْ قَتَلَنِي؟ فجَالَ ساعةً ثمّ أَتاهُ، فقَالَ: غُلامُ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ، فقالَ: الصَّنَعُ؟ قال: الصَّنَعُ، قالَ: ما لَه.

  وِقاتَلَه اللهُ! والله لقد كُنْتُ أَمَرْتُ بهِ مَعْرُوفاً».


(١) هذه رواية السكري، ورواية ديوان الهذليين ٢/ ٢٣٨:

وِاعلوهم بالقُضُب الذكوره

وعلى هذه الرواية فلا شاهد فيها.

(٢) البيت في مجمع المرزباني ص ٤٨٢ ونسبه الى الهذيل الأشجعي برواية: «حتى تصيب بها» ومعه بيت آخر:

فإذا صنعت صنيعة فاعمد بها ... لله أو لذوي القرابة أو دعِ

والبيت في تمثال الأمثال ١/ ٩٩٩ منسوباً الى عيسى بن يزيد الجبلي.

(٣) سورة طه الآية ٣٩.

(٤) ديوان الهذليين ١/ ١٩ ويروى: وتعاورا مسرورتين.