تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

[قطع]:

صفحة 379 - الجزء 11

  وِمِنَ المَجَازِ: قَطَعَت الطَّيْرُ قُطُوعاً، بالضَّمِّ، وقَطَاعاً، بالفَتْحِ، ويُكْسَرُ، واقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ عَلَى الفَتْحِ⁣(⁣١): خَرَجَتْ مِنْ بِلادِ البَرْدِ إِلَى بِلادِ الحَرِّ، فهِيَ قَوَاطِعُ: ذَوَاهِبُ، أَوْ رَوَاجِعُ، كما في الصّحاحِ، قالَ ابنُ السِّكِّيتِ: كان ذلِكَ عِنْدَ قِطَاعِ الطَّيْرِ، وقِطَاعِ الماءِ، وبَعْضُهم يَقُول: قُطُوع الطَّيْرِ، وقُطُوع الماءِ، وقَطَاعُ الطَّيْرِ: أَنْ يَجِيءَ مِنْ بَلَدٍ إِلى بَلَدٍ، وقَطَاعُ الماءِ: أَنْ يَنْقَطِعَ، وقالَ أَبُو زَيْدٍ: قَطَعَتِ الغِرْبَانُ إِلَيْنَا في الشِّتَاءِ قُطُوعاً، ورَجَعَتْ في الصَّيْفِ رُجُوعاً. والطَّيْرُ الَّتِي تُقِيمُ ببَلَدٍ شِتَاءَهَا وصَيْفَهَا هي: الأَوابِدُ.

  وِمِنَ المَجَازِ: قَطَعَ رَحِمَهُ يَقْطَعُهَا قَطْعاً، بالفَتْحِ وقَطِيعَةً، كسَفِينَةٍ، واقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ عَلَى الأَخِيرِ، فهُوَ رَجُلٌ قُطَعٌ، كصُرَدٍ، وهُمَزَةٍ: هَجَرَهَا وعَقَّها ولَمْ يَصِلْهَا، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «مَنْ زَوَّجَ كَرِيمَةً مِنْ فاسِقٍ فقَدْ قَطَعَ رَحِمَهَا» وذلِكَ أَنَّ الفاسِقَ يُطَلِّقُها، ثُمَّ لا يُبَالِي أَنْ يُضاجِعَها، فيَكُونُ وَلَدُه مِنْهَا لِغَيْر رِشْدَةٍ، فَذلكَ قَطْعُ الرَّحِمِ، وفي حَدِيثِ صِلَةِ الرَّحِمِ: «هذا مَقَامُ العائِذِ بِكَ من القَطِيعَةِ»، فَعِيلَةُ مِنَ القَطْعِ، وهُوَ الصَّدُّ والهِجْرَانُ، ويُرِيدُ به تَرْكَ البِرِّ والإِحْسَانِ إِلَى الأَقَارِبِ والأَهْلِ، وهي ضِدُّ صِلَةِ الرَّحَمِ، وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «الرَّحِمُ شُجْنَةٌ [من الله]⁣(⁣٢) مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ، تَقُولُ: [اللهُمَّ]⁣(⁣٢) صِلْ مَنْ وَصَلَنِي، واقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي».

  وَبَيْنَهُمَا رَحِمٌ قَطْعاءُ: إِذا لَمْ تُوصَلْ، نَقَلَه الجَوْهَرِيُّ.

  وِمن المَجَازِ: قَطَعَ فُلانٌ بالحَبْلِ⁣(⁣٣)، إِذا اخْتَنَقَ بهِ، وفي بَعْضِ النُّسَخِ: وقَطَعَ فُلانٌ الحَبْلَ: اخْتَنَقَ، وهُوَ نَصُّ العَيْنِ بعَيْنهِ، قالَ: ومِنْهُ قولُه تَعَالَى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ}⁣(⁣٤) أَيْ لِيَخْتَنِقْ، لِأنَّ المُخْتَنِقَ يَمُدُّ السَّبَبَ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ يَقْطَعُ نَفْسَهُ من الأَرْضِ حَتّى يَخْتَنِقَ، وقالَ الأَزْهَرِيُّ: وهذا يَحْتَاجُ إِلى شَرْح يَزِيدُ في إِيضاحِهِ، والمَعْنَى - والله أَعْلَمُ -: مَنْ ظَنَّ أَنَّ الله تَعَالَى لا يَنْصُرُ نَبِيَّهُ فَلْيَشُدَّ حَبْلاً في سَقْفِه، وهُوَ السَّمَاءُ، ثُمَّ لِيَمُدَّ الحَبْلَ مَشْدُودًا في عُنُقِه مَدًّا شَدِيدًا يُوَتِّرُهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ⁣(⁣٥)، فيَمُوتَ مُخْتَنِقاً، وقالَ الفَرّاءُ: أَرادَ لِيَجْعَلْ في سماءِ بَيْتِه حَبْلاً، ثُمَّ ليَخْتَنِقْ بهِ، فذلِكَ قولُه: {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} اخْتِنَاقاً، وفي قِرَاءَةِ عَبْدِ الله: «ثُمّ لِيَقْطَعْهُ» يَعْنِي السَّبَبَ، وهُوَ الحَبْلُ، وقِيلَ: مَعْناه: لِيَمُدَّ الحَبْلَ المَشْدُودَ فِي عُنُقِه حَتّى يَنْقَطِعَ نَفَسُهُ، فيَمُوتَ.

  وِمِنَ المَجَازِ: قَطَعَ الحَوْضَ قَطْعاً: مَلَأَهُ إِلَى نِصْفِه، ثُمَّ قَطَعَ عنهُ الماءَ، ومِنْهُ قَوْلُ ابنِ مُقْبِلٍ يَذْكُرُ الإِبِلَ:

  قَطَعْنا لَهُنَّ الحَوْضَ فَابْتَلَّ شَطْرُهُ ... بشُرْبٍ غِشاشٍ، وهْوَ ظَمْآنُ سائِرُهْ⁣(⁣٦)

  أَي: باقِيه.

  وِمن المَجَازِ: قَطَعَ عُنُقَ دابَّتِه، أَي: باعَهَا. قالَه أَبُو سَعِيدٍ، وأَنْشَدَ لأَعْرابِيٍّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وساقَ إِلَيْها مَهْرَهَا إِبِلاً:

  أَقُولُ والعَيْسَاءُ تَمْشِي والفُصُلْ ... فِي جِلَّةٍ مِنْهَا عَرَامِيسٌ عُطُلْ

  قَطَّعَتِ⁣(⁣٧) الأَحْرَاحُ أَعْنَاقَ الإِبِلْ

  وفي العُبَابِ: قَطَعْتُ بالأَحْراحِ» يَقُولُ: اشْتَرَيْتُ الأَحْرَاحَ بإِبِلِي.

  وِقالَ ابنُ عَبّادٍ: قَطَعَنِي الثَّوْبُ: كفَانِي لِتَقْطِيعِي قالَ الأَزْهَرِيُّ: كقَطَّعَنِي، وأَقْطَعَنِي، واقْتَصَرَ الجَوْهَرِيُّ علَى الأَخِيرِ، يُقَال: هذا ثَوْبٌ يَقْطَعُكَ ويُقْطِعُكَ، ويُقَطَّعُ لَكَ تَقْطِيعاً: يَصْلُحُ لَكَ⁣(⁣٨) قَمِيصاً ونَحْوَه، وقالَ الأَصْمَعيُّ: لا أَعْرِفُ هذا⁣(⁣٩)، كُلُّه مِنْ كَلامِ المُوَلَّدِينَ، وقالَ أَبُو حاتِمٍ: وقد حَكَاه أَبُو عُبَيْدَةَ عن العَرَبِ.

  وِمن المَجَازِ: قَطِعَ الرَّجُلُ، كَفَرِحَ وكَرُمَ، قَطَاعَةً: بُكِّتَ ولَمْ يَقْدِرْ عَلَى الكَلامِ فهو قَطِيعُ القَوْلِ.

  وِقَطُعَتْ لِسَانُه: ذَهَبَتْ سَلاطَتُه ومنه امْرَأَةٌ قَطِيعُ الكَلامِ: إِذا لَمْ تَكُن سَلِيطَةً، وهُوَ مَجَازٌ.


(١) ضبطت بالقلم في الصحاح المطبوع بالكسر.

(٢) زيادة عن اللسان.

(٣) في القاموس: وفلانٌ الحبلَ: اختنق.

(٤) سورة الحج الآية ١٥.

(٥) في التهذيب: حتى يقطع حياته ونفسه خنقاً.

(٦) التهذيب ونسبه لابن مقبل يذكر إبلاً سقى لها في الحوض على عجل ولم يروها.

(٧) في التهذيب:

قطعتُ بالأحراج أعناق الإبل

(٨) في اللسان: عليك.

(٩) نص كلام الأصمعي كما نقله عنه في التهذيب قال: لا أعرف هذا ثوبٌ يُقطِع ولا يُقطِّع ولا يقطّعني ولا يقْطعني، هذا كله من كلام المولدين.