تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الواو مع العين

صفحة 504 - الجزء 11

  وِوادَعَهُمْ مُوادَعَةً: صالَحَهُم وسالَمَهُمْ عَلَى تَرْكِ الحَرْبِ والأَذَى، وأَصْلُ المُوَادَعَةِ: المُتَارَكَةُ، أَيْ: يَدَعُ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمَا ما هُوَ فيهِ، ومِنْهُ الحَدِيثُ: «كانَ كَعْبٌ القُرَظِيُّ مُوَادِعاً لِرَسُولِ الله ÷».

  وِتَوَادَعَا: تَصَالَحَا، وأَعْطَى كُلُّ واحِدٍ مِنْهُمْ⁣(⁣١) الآخَرَ عَهْدًا أَلّا يَغْزُوَه، قالَهُ الأَزْهَرِيُّ.

  وِتَوَدَّعَه: صانَهُ فِي مِيدَعٍ - أَي صِوانٍ - عَن الغُبَارِ، وأَنْشَدَ شَمِرٌ قولَ عُبَيْدٍ الرّاعِي:

  وِتَلْقَى جارَنَا يُثْنِي عَلَيْنَا ... إِذا ما حانَ⁣(⁣٢) يَوْماً أَنْ يَبِينَا

  ثَناءً تُشْرِقُ الأَحْسَابُ مِنْهُ ... بهِ نَتَوَدَّعُ الحَسَبَ المَصُونَا

  أَي نَقِيهِ ونَصُونُه، وقِيلَ: أَي نُقِرُّه عَلَى صَوْنِه وادِعاً.

  وِتَوَدَّعَ فلانٌ فُلاناً: ابْتَذَلَهُ فِي حاجَتِهِ، وكذلِكَ تَوَدَّعَ ثِيابَ صَوْنِهِ: إِذا ابْتَذَلَهَا، فكأَنَّهُ ضِدٌّ.

  وِيُقَالُ: تُوُدِّعَ مِنِّي، مَجْهُولاً، أَي: سُلِّمَ عَلَيَّ، كذا في نَوَادِرِ الأَعْرابِ.

  وِقَوْلُه ÷: «إِذا رَأَيْتَ أُمَّتِي تَهابُ الظّالِمَ، أَنْ تَقُولَ: إِنَّكَ ظالِمٌ، فقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُم» أَي: اسْتُرِيحَ مِنْهُم وخُذِلُوا، وخُلِّيَ بَيْنَهُم وبَيْنَ ما يَرْتَكِبُونَ مِنَ المَعَاصِي حَتَّى يُكْثِرُوا مِنْهَا، ولم يُهْدَوْا لِرُشْدِهِمْ حَتَّى يَسْتَوْجِبُوا العُقُوبَةَ فيُعَاقِبُهُم اللهُ تَعَالَى، وهُوَ من المَجَازِ، لأَنَّ المُعْتَنِيَ بإِصْلاحِ شَأْنِ الرَّجُلِ إِذا يَئِسَ مِنْ صَلاحِهِ تَرَكَه، واسْتَرَاحَ مِنْ مُعَانَاةِ النَّصَبِ مَعَه، ومِنْهُ الحَدِيثُ الآخَرُ: «إِذا لَمْ يُنْكِرِ النّاسُ المُنْكَرَ فقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُم»، وفي حَدِيثِ عَلِيٍّ ¥ -: «إِذا مَشَتْ هذِه الأُمَّةُ السُّمَّيْهَى⁣(⁣٣)، فقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهَا»، أَو مَعْناه: صارُوا بحَيْثُ تُحُفِّظَ مِنْهُم وتُوُقِّيَ وتُصُوِّنَ، كما يُتَوَقَّى مِنْ شِرَارِ النّاسِ ويُتَحَفَّظُ مِنْهُم، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِم: تَوَدَّعْتُ الشَّيْءَ: إِذا صُنْتَهُ فِي مِيدَعٍ.

  * وممّا يُسْتَدْرَكُ عليهِ:

  وَدَّعَ صَبِيَّهُ تَوْدِيعاً: وَضَعَ في عُنُقِه الوَدَعَ.

  والكَلْبَ: قَلَّدَه الوَدَع، نَقَلَه ابنُ بَرِّيّ، وقالَ الشّاعِرُ:

  يُوَدِّعُ بالأَمْرَاسِ كُلَّ عَمَلَّسٍ ... مِنَ المُطْعِمَاتِ اللَّحْمِ غَيْرِ الشَّواجِنِ⁣(⁣٤)

  أَي: يُقَلِّدُها وَدَعَ الأَمْراسِ.

  وذُو الوَدْعِ: الصَّبِيُّ؛ لأَنَّه يُقَلِّدُها ما دَامَ صَغِيرًا، قالَ جَمِيلٌ:

  أَلَمْ تَعْلَمِي يا أُمَّ ذِي الوَدْعِ أَنَّنِي ... أُضاحِكُ ذِكْراكُمْ وأَنْتِ صَلُودُ؟

  وفي الحَدِيثِ: «مَنْ تَعَلَّقَ وَدْعَةً لا وَدَعَ اللهُ لَهُ»، أَي: لا جَعَلَهُ فِي دَعَةٍ وسُكُونٍ، وهُوَ لَفْظٌ مَبْنِيٌّ مِنَ الوَدَعَة، أَي: لا خَفَّفَ اللهُ عَنْهُ ما يَخَافُه.

  وهُوَ يَمْرُدُنِي الوَدْع، ويَمْرُثُنِي، أَي: يَخْدَعُنِي، كما يُخْدَعُ الصَّبِيُّ بالوَدْعِ، فيُخَلَّى يَمْرُثُها، ويُقَالُ للأَحْمَقِ: هُوَ يَمْرُدُ الوَدْعَ، يُشَبَّهُ بالصَّبِيِّ.

  وفَرَسٌ مُوَدَّعٌ، كمُعَظَّمٍ: مَصُونٌ مُرَفَّهٌ.

  ودِرْعٌ مُوَدَّعٌ: مَصُونٌ فِي الصِّوَانِ.

  وِالوَدِيعُ: الرَّجُلُ السّاكِنُ الهَادئُ ذُو التُّدْعَةِ.

  وِتَوَدَّعَهُ: أَقَرَّهُ عَلَى صَوَنِهِ وادِعاً، وبِهِ فُسِّرَ قَوْلُ الرّاعِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ.

  وِتَوَدَّعَ الرَّجُلُ: اتَّدَعَ، فهُوَ مُتَوَدّعٌ، والدَّعَةُ مِنْ وَقارِ الرَّجُلِ الوَدِيعِ، وإِذا أَمَرْتَ الرَّجُلَ بالسَّكِينَةِ والوَقَارِ قُلْتَ: تَوَدَّعْ، واتَّدِعْ.

  وِأَوْدَعَ الثَّوْبَ: صانَهُ.

  وِالمِيدَاعَةُ: الرَّجُلُ الَّذِي يُحِبُّ الدَّعَةَ، قالَهُ الفَرّاءُ.

  وِإِيتَدَعَ الدّابَّةَ: رَفَّهَها، وتَرَكَها ولَمْ يَرْكَبْها، وهو افْتَعَلَ مِنْ وُدَعَ، ككَرُمَ.


(١) في التهذيب: «منهما».

(٢) بالأصل «إذا ما كان» والمثبت عن الديوان ص ٢٧٤ والبيتان في الديوان من قصيدة طويلة بينهما عشرون بيتاً.

(٣) في النهاية واللسان: السميهاء.

(٤) البيت للطرماح، ديوانه ص ٥٠٥ وفيه «يوزع» بدل «يودع» و «الشواحن» بدل «الشواجن».