تاج العروس من جواهر القاموس،

مرتضى الزبيدي (المتوفى: 1205 هـ)

فصل الهمزة مع الفاء

صفحة 86 - الجزء 12

  والخَالِصَةِ، وقَوْلِي: مع النَّسَبِ، إِشارَةٌ إلى الإضَافَةِ، أي في المَضْمُومِ والمَكْسورِ، وفي البيت الثاني ثَمَانِيَةٌ، فهذه أَحَدٌ وعشرون وَجْهًا، فإِذا ضُمَّ مع بيتِ ابنِ مالِكٍ يَتَحَصَّلُ أَحَدٌ وثلاثُون وَجْهاً، ومع التَّأَمُّلِ الصادِقِ يظهرُ غيرُ مَا ذَكَرْنَا، والله المُوَفِّقُ لا إِلهَ غيرُه ..

  قال ابنُ جِنِّي: أَمَّا أُفّ، ونَحْوُهُ مِنْ أَسْمَاءِ الفعلِ، كهَيْهات في الجَرِّ، فمَحْمُولٌ على أَفْعَالِ الأَمْرِ، وكان المَوْضِعُ في ذلك إِنَّمَا هو لِصَهْ ومَهْ، ورُوَيْدَ، ونحوِ ذلِكَ، ثم حُمِل عَلَيهِ بابُ أُفّ ونَحْوِهَا، مِن حيثُ كان اسْماً سُمِّيَ بهِ الفعلُ، وكان كُلُّ واحدٍ من لفظِ الأَمْرِ والخَبَرِ قد يَقَعُ مَوْقِعَ صاحِبِه، صار كلُّ واحِدٍ منهما هو صاحبَه، فكَأَنْ لا خِلافَ هناك في لَفْظٍ ولا مَعْنًى.

  والأُفُّ، بالضَّمِّ: قُلَامَةُ الظُّفْرِ، أَوْ وَسَخُهُ الذي حَوْله، وَالتُّفُّ: الذي فيهِ أَو وَسَخُ الأُذُنِ، وقيل: هو مَا رَفَعْتَهُ مِنَ الأَرْضِ مِنْ عُودٍ أو قَصَبَةٍ وبِكُلِّ ذلِكَ فُسِّرَ قولُهُم: أُفًّا لَه وُتفًّا، أَوْ الأَفُّ: وَسَخُ الأُذُنُ، والتُّفُّ: وَسَخُ الظُّفُرِ قاله الأَصْمَعِيُّ، قال: يقال ذلك عندَ اسْتِقْذَارِ الشَّيْءِ، ثم اسْتُعْمِلَ عندَ كُلِّ شيءٍ يُتَأَذَّى به، ويُضْجَرُ منه.

  أَو الأُفُّ: مَعْنَاه القِلَّةُ، والتُّفُّ إِتْبَاعٌ له، ومَنْسُوقٌ عَلَيه، وَمعناه كمَعْنَاه، وسيأْتِي في بابِه.

  والأُفَّةُ، كقُفَّةٍ: الْجَبَانُ وبه فُسِّرَ حديثُ أَبي الدَّرْدَاءِ ¥، قال لَهُ رسول الله - حِينَ رأى النَّاسَ مُنْهَزِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ -: «نِعْمَ الْفَارِسُ عُوَيْمِرٌ⁣(⁣١) غيْرَ أُفَّة» فكأَنَّ أَصْلَه: غير ذِي أُفَّةٍ، أي غيرَ مُتَأَفِّفٍ عن القتالِ، وقيل: الأُفَّةُ: الْمَعْدِمُ الْمُقِلُّ، ويُقَال: هو الرَّجُلُ القَذِرُ، والأَصلُ في ذلك كلِّه الأَفَفُ، مُحَرَّكَةً، وَهو الضَّجَرُ، والشَّيْءُ الْقَلِيلُ فمِن الأَوَّلِ أُخِذَ معنَى الجَبَانِ، ومن الثاني مَعْنَى المُقِلِّ المُعْدِمِ، وأُخِذَ الرجُلُ القَذِرُ مِن الأَفِّ، بمعنى وَسَخِ الظُّفُرِ، وقالَ ابنُ الأَعْرَابِيِّ، في تفسيرِ حديثِ أَبي الدَّرْدَاءِ: يُرِيدُ أَنَّه غيرُ ضَجِرٍ ولا وَكِلٍ في الحربِ.

  وقد سُمِّيَ اليَأْفُوفُ بمعْنَى الجَبَان لذلِك واليَأْفُوفُ المُرُّ مِنَ الطَّعَامِ، و، قال أَبو عمرو: الْيَأْفُوفُ: الخَفِيفُ السَّرِيعُ، واليَأْفُوفُ: الْحَدِيدُ الْقَلْبِ مِنَ الرِّجالِ، وقال غيره: هو والْيَهْفُوفُ سَوَاءٌ كَالأَفُوفِ، كَصَبُورٍ، وَالجَمْعُ يَآفِيف، قال:

  هُوجاً يآفِيفَ صِغَارًا زُعْرًا

  والْيَأْفُوفُ: فَرْخُ الدُّرّاجِ نَقَلَه الصَّاغَانِيُّ، وقال الأَصْمَعِيُّ: الْيَأْفُوفُ: العَيِيُّ الْخَوَّارُ، وَأَنْشَدَ للرَّاعِي:

  مُغَمَّرُ العَيْشِ يَأْفُوفٌ شَمَائِلُهُ ... نائِي الْمَوَدَّةِ لَا يُعْطِي ولَا يَسَلُ⁣(⁣٢)

  وَيُرْوَى: «ولا يَصِل». والمُغَمَّرُ: المُغَفَّلُ.

  والْإِفُّ، والْإِفَّانُ، بكَسْرِهما، نَقَلَهُ الجَوْهَرِيُّ، ويُفْتَح الثَّانِي، نَقَلَهُ الصّاغَانِيّ في التَّكْمِلَةِ، وصاحِبُ اللِّسَان والأَفَفُ، مُحَرَّكَةً، نَقَلَه الصَّاغَانِيُّ أَيْضاً، وصاحِبُ اللِّسَانِ، وَهما عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ. والتَّئِفَّةُ، كتحِلَّةٍ، قال الجَوْهَرِيُّ: وَهو تَفْعِلَةٌ: الحِينُ، والأَوانُ، يُقَال: كان ذلِكَ على إِفِّ ذاك، وإِفَّانِهِ، وأَفَفَهِ، وتَئِفَّتِهِ، أي: حِينِهِ وأَوانِهِ، قال يَزِيدُ بنُ الطَّثْرِيَّةِ:

  على إِفِّ هِجْرَانٍ وسَاعَةَ خَلْوَةٍ ... مِنَ النَّاسِ يَخْشَى أَعْيُنًا أَنْ تَطَلَّعَا

  وَحَكَى ابنُ بَرِّيّ، قال: في أَبْنِيةِ الكِتَاب تَئِفَّةٌ، فَعِلَّةٌ، قال: والظَّاهِرُ مع الجَوْهَرِيِّ، بدليلِ قَوْلِهِم: علَى إِفِّ ذلِك وَإِفَّانِهِ، قال أَبو عليّ: الصَّحِيحِ عندي أَنَّهَا تَفْعِلَةٌ، وَالصّحِيح فيه عن سِيبَوَيْهِ ذلِكَ، على ما حَكَاهُ أَبُو بكر أَنه في بَعْضِ نُسَخِ الكِتَابِ في بابِ زِيَادَةِ التَّاءِ، قال أَبو عليّ: وَالدّلِيلُ عَلَى زِيادتِهَا ما رَوَيْنَاهُ عن أَحمد عن ابنِ الأَعْرَابِيِّ، قال: يُقَال: أَتانِي في إِفَّانِ ذلِك، وأُفَّانِ ذلِكَ، وأَفَفِ ذلِك، وَتَئِفَّةِ ذلِك، وأَتَانَا على إِفِّ ذلِك، وإِفَّتِهِ، وأَفَفِهِ، وإِفَّانِهِ، وَتَئِفَّتِهِ، وعِدَّانِهِ، أي: علَى إِبّانِهِ ووَقْتِهِ، يَجْعَلُ تَئِفَّةً، فَعِلَّةً، والْفَارِسِيُّ يَرُدُّ عَلَيه ذلك بالاشْتِقَاقِ، ويَحْتَجُّ بِما تَقَدَّمَ.

  والأُوفُوفةُ⁣(⁣٣)، بالضَّمِّ هكذا هو في نُسَخِ العُبَابِ، وَالتَّكْمِلَةِ، بِزيادةِ الوَاوِ قَبلَ الفاءِ، وفي اللِّسَانِ وغيرِه من


(١) ضبطت بالفتح عن اللسان والنهاية، وضبطت في التكملة بالرفع، وَعقب قائلاً: وغيرُ خبر مبتدأ محذوف تقديره هو غيرُ أفّة.

(٢) ديوانه ص ٢٠٠ وتخريجه فيه والضبط عنه، وفيه: تأبى بدل نائي.

(٣) في القاموس المطبوع: «والأُفُوفة» ومثله في اللسان والتهذيب.